الجمعة 29-03-2024
الوكيل الاخباري
 

في تقرير موسع على "الوكيل الإخباري":

إلغاء وزارة العمل.. توجه ينذر بتفاقم عمل الأطفال في الأردن

صورة-عمل-الاطفال-620x330
تعبيرية


الوكيل الإخباري - أحمد بني هاني
يدان نال التعب والبرد منهما، وملامح طفولية اختلطت بالكد والعمل، هكذا كان حال الطفل عمر* (13 عاما) الذي يعمل باحدى ورش تصليح السيارات في محافظة إربد.

اضافة اعلان


بدأ عمر عمله منذ عام ونصف عندما أخرجه والده مجبرا من المدرسة بعد تعسر عمله منذ عامين وضيق الحال، مما دفعه ليكون مسؤولا إلى جانب والده عن مصروف البيت حيث يحصل على أجر يومي يتراوح بين 4-6 دنانير عن ساعات عمل قد تصل إلى 10 ساعات يوميا يقوم خلالها بمهام عدة من خلال إحضار العدة أو فك قطع سيارات وتركيب أخرى والتنظيف وجلب قطع من المحال المجاورة.


لا يخفي والد عمر استيائه من الحال التي آل إليها نجله الأكبر، لكنه يبررها بالظروف التي تعاني منها العائلة، "بكرة بكبر ومصيره يفهم إنه الحياة صعبة وبدها تعب والمهنة أربحله من الدراسة"، على حد تعبيره.


قصة عمر لا تختلف كثيرا عن محمد* (14 عاما)، الذي اضطر لترك الدراسة بعد جائحة كورونا للعمل في حسبة إربد، يعمل محمد اليوم بمهام عديدة فتجده يوما يجمع الكراتين والسلال البلاستيكية والبولسترين ليبيعها لاحقا، ويوما يجر عربة يركض وراء رواد السوق مرددا "بدك عرباية" و"العرباية بليرة".


يقول محمد إن الحاجة دفعته لترك الدراسة رغما عنه، وأن مساعدة والدته وأشقائه الصغار أولى وأهم من الدراسة، "اليوم اللي بمرض فيه أو ما بلاقي شغل فيه ما بكون معي أعطي أهلي ونصرف على الدار أو حتى نجيب دوا إذا حدا مرض".

أضرار صحية ونفسية واجتماعية

يقول خبير الصحة والسلامة المهنية أسامة الشديفات إن هناك أضرارا كبيرة قد يتعرض لها الأطفال العاملين، كالأمراض التنفسية في ورش الميكانيك أو المحاجر وآلام الظهر والعضلات نتيجة رفع الأحمال الثقيلة أو الوقوف الطويل والتعرض للبرد عدا عن إصابات العمل.


ويوضح الشديفات أن ظاهرة عمل الأطفال تنتشر بشكل كبير في المنشآت المخالفة والتي لا تطبق شروط العمل اللائق ولا توفر معدات السلامة مما يزيد من خطر تعرض الأطفال للإصابات المؤقتة أو الدائمة.


ويتابع "يجب على الجهات المعنية تفعيل الرقابة على المنشآت المخالفة والتي تشغل الأطفال وتقديم الحماية لهم وضمان حقوقهم، مشيرا إلى أن كثيراً من الإصابات في أماكن العمل يتم التستر عليها نظرا لضعف الرقابة وعدم وعي الأطفال العاملين وعائلاتهم بحقوقهم القانونية".


ويتفق خبير علم الاجتماع الدكتور حسين الخزاعي مع الشديفات بقوله، الأضرار النفسية والاجتماعية على الأطفال كبيرة، وذلك لأن بيئة العمل تخلو من العواطف وتكثر فيها الضغوطات مما يحرم الأطفال من العيش في بيئة سليمة مثل أقرانهم.


ويقول الخزاعي إن هناك انتهاكات نفسية تلحق بالأطفال في بيئة العمل، حيث يجدون هناك التعامل غير اللائق والعنف الجسدي أو اللفظي عدا عن وجود الاستغلال المادي والمعنوي مما يؤثر لاحقا في نفسية الأطفال.


ويضيف أن الأطفال معرضون لتعلم سلوكيات خاطئة مثل التدخين أو تعاطي المخدرات ومرافقة رفاق السوء والسرقة وهو ما يوجب أن تبقى هناك جهات رسمية تراقب المنشآت وتحد من عمل الأطفال.

عمالة الأطفال في الأردن

في الأردن هناك عدد كبير من الأطفال الذين يعملون في سوق العمل، إذ يقدر عددهم بنحو 76 ألف طفل عامل، منهم 45 ألف يعملون في المهن الخطرة، وفق آخر مسح وطني لعمل الأطفال أجري عام 2016، بيد أن هذه الأرقام ارتفعت وفق مراقبين إلى 100 ألف بعد جائحة كورونا والتأثيرات الاقتصادية المصاحبة لها على مختلف القطاعات.


أما التشريعات الأردنية فإنها تحظر عمل الأطفال دون 16 عاما بحسب المادة (73) من قانون العمل، أما المادة (74) للأطفال فقد حددت الفئات التي يسمح لها بالعمل، على أن يكون عمر الطفل العامل بين 16 عاما و18 عاما وضمن ضوابط محددة أهمها ألا يعمل بالأعمال الخطرة أو المرهقة أو المضرة بالصحة، وألا تزيد ساعات العمل عن 36 ساعة أسبوعية.


ويشترط للسماح للطفل العامل ضمن هذه الفئة العمرية، موافقة خطية لولي الأمر على العمل بالمنشأة، وألا يقل الأجر الشهري عن الحد الأدنى للأجور، وألا يعمل أكثر من ست ساعات يوميا على أن يعطى فترة للراحة لا تقل عن ساعة واحدة بعد عمل أربع ساعات متتالية.


وكانت أرجعت ورقة تقدير صادرة عن المرصد العمالي الأردني في 2021، زيادة نسبة عمل الأطفال إلى عدة أسباب أهمها تأخر إعادة إدماج الطلبة في التعليم الوجاهي، التأخر في العودة إلى المدارس وارتفاع نسبة الفقر في الأردن نتيجة تخفيض أجور العاملين والعاملات.


أمام هذه الأرقام الكبيرة، أثارت خطة الحكومة لتحديث القطاع العام، التي أُعلن عنها في تموز الماضي، والتي تتضمن إلغاء وزارة العمل من خلال نقل مهامها وأدوارها إلى وزارات أخرى مثل الداخلية والصناعة والتجارة والتربية وتنمية الموارد البشرية مخاوف كثيرة من انعكاسات تطال سوق العمل الأردني وأثرها على ظاهرة عمل الأطفال في المملكة الآخذة بالتوسع.


وترى الصحفية المتخصصة بقضايا العمل رانيا الصرايرة من خلال تغطيتها في وزارة العمل طوال 13 عاما الماضية أن الوزارة تتبع سياسة غض الطرف – وفق تعبيرها - عن قضايا عمل الأطفال على حساب قضايا وملفات أخرى، ما أدى لاحقا إلى ارتفاع أعداد الأطفال العاملين من 33 ألف طفل في عام 2007 إلى 76 ألف في عام 2016.


وتقول الصرايرة إن نقل مهام الوزارة إلى وزارات أخرى من شأنه إضعاف جهود مكافحة عمل الأطفال، لافتة إلى أنه منذ إعلان هذا التوجه فإن الوزارة أصبحت غائبة عن المشهد بحسب المؤشرات الأولية التي لمستها من خلال عملها.


وتضيف: "هناك ضعف في أداء وزارة العمل نعم، لكن الحل ليس بإلغاء الوزارة نظرا لدورها الكبير في تنظيم سوق العمل وتقديم الحماية الاجتماعية للعمال سواء أكانوا أردنيين أو وافدين أو حتى أطفال، داعية إلى الإبقاء على الوزارة وتطوير التشريعات وتغليظ العقوبات بحق المخالفين ومنحها مزيدا من القوة حتى تقدم الأداء المأمول منها."

وتشير الصرايرة إلى أن أبرز عوامل ازدياد ظاهرة عمل الأطفال في الأردن هما الفقر والبطالة، وهو ما يدعونا إلى الإعلان عن أرقام الفقر وتقليل نسبة البطالة من خلال توفير فرص العمل وزيادة الأجور والالتزام بتنفيذ القوانين والتشريعات.

خطأ فادح

رئيس المرصد العمالي الأردني أحمد عوض وصف إلغاء وزارة العمل في المنظومة الإدارية بأنه خطأ فادح يترتب عليه إضعاف مختلف معايير العمل في الأردن والتوازنات الحالية بوصفها وزارة محايدة.


ويقول عوض إن البرامج المتخصصة في وزارة العمل مثل مكافحة عمل الأطفال ستتأثر سلبا رغم ضعفها بالوقت الحالي، مما يؤدي إلى ازدياد ظاهرة عمل الأطفال في الأردن وضياع حقوقهم أمام أصحاب العمل وضعف الرقابة على المنشآت المخالفة التي تشغل الأطفال دون السن القانوني.


ويشير إلى أنه لا يمكن ضمان حقوق الأطفال العاملين إذا ألغيت الوزارة، لافتا إلى أن الحل يتمثل بزيادة فعالية الوزارة وإسناد مهمات محددة لها وبموازنات كافية من أجل المحافظة على التوازنات في سوق العمل.


"لا يوجد دولة في العالم بدون وزارة عمل، الوزارة مهمة من أجل تنفيذ معايير وشروط العمل اللائق وحماية العمال على اختلافهم وضمان حقوقهم وزيادة المشاركة الاقتصادية للمرأة في سوق العمل"، بحسب عوض الذي يرى بأن توزيع مهام مديريات الوزارة على وزارات أخرى سيضعف دور هذه المديريات على أرض الواقع.

إلغاء الوزارة يفاقم عمل الأطفال

ويشير الخبير العمالي الدولي، ورئيس بيت العمال الأردني للدراسات حمادة أبو نجمة إلى أن خطة الحكومة ركزت على العمالة الوافدة والتفتيش، فيما يبدو أنها أهملت قضايا أخرى مثل عمل الأطفال والمرأة العاملة.


ويبدي أبو نجمة خلال حديثه قلقه من إلغاء الدور الاقتصادي والاجتماعي لوزارة العمل في سوق العمل، ومن عدم إيفاء الأردن بالالتزامات الدولية والاتفاقيات التي وقع عليها في مجالات حماية حقوق العمال وجهود الحد من عمل الأطفال وتشغيل المرأة، مشددا على أن إلغاء الوزارة من شأنه مفاقمة ظاهرة عمل الأطفال إلى مستويات قياسية نتيجة ضعف الرقابة وغياب دور الوزارة والأوضاع الاقتصادية الصعبة.


ويعتبر الأردن من أوائل الدول التي صادقت على الاتفاقيات الدولية المتعلقة بحماية الأطفال من الاستغلال الاقتصادي، وهي اتفاقية حقوق الطفل والبروتوكولين التابعين لها والاتفاقيات التابعة لمنظمة العمل الدولية (اتفاقية الحد الأدنى لسن الاستخدام رقم 138، واتفاقية أسوأ أشكال عمل الاطفال182)، بحسب وزارة العمل.


وحول أثر إلغاء الوزارة على حقوق العمال، يوضح أنه سيكون هناك انعكاسات وأثار خطيرة للإلغاء من خلال تهميش الجوانب الاجتماعية والقضايا التي تهم العامل وأسرته وهي جزء لا يتجزأ من سوق العمل، بالإضافة إلى أن توزيع المهام ونقلها إلى وزارات أخرى قد يؤدي إلى ضعف الرقابة والتفتيش على المنشآت المخالفة وخاصة أن الرؤية غير واضحة حتى الآن حول مختلف القضايا.

وتوقع أبو نجمة ارتفاع أعداد الأطفال العاملين في الأردن إلى 100 ألف طفل، وربما أكثر في حال إلغاء وزارة العمل، لافتا إلى أن الظروف الحالية مشابهة لما كانت عليه في العام الماضي، وعلى الرغم من أن بعض الأطفال تركوا العمل وعادوا للانتظام في المدارس إلا أن النسبة لم تكن كبيرة وذلك بسبب استمرار الآثار المرتبطة بجائحة كورونا وتأثر الأسر بالأوضاع الاقتصادية.


"المطلوب الآن، العدول عن إلغاء الوزارة كونها وزارة أساسية في أي دولة بالعالم، وأن تبقى هي الوزارة المعنية بسوق العمل بمختلف القضايا وتطوير أدائها وتمكينها من القيام بعملها للبناء على الجهود السابقة وخاصة في ملف الحد من عمل الأطفال الذين هم الحلقة الأضعف في سوق العمل"، وفق أبو نجمة.

دراسة مرتقبة حول أثر إلغاء الوزارة

في هذه الأثناء تعمل منظمة العمل الدولية على إعداد دراسة شاملة حول إلغاء وزارة العمل والآثار المترتبة على إلغائها على حقوق العمال بما فيهم الأطفال، وفق ممثلة المنظمة في الأردن ريم أصلان.


تقول أصلان إن الدراسة ستجيب على أسئلة عديدة أبرزها: إن لم يكن هناك جهة متخصصة كوزارة تحمي العمالة ومنها الأطفال وتنظم العلاقة ما بين الجهات الممثلة للعمال (النقابات) وأصحاب المنشآت/ الأعمال فمن سيقوم بهذا الدور في حالة إلغاء الوزارة؟ ومن هي الجهة التي ستنظم هذه العلاقة بين أصحاب العمل والعمال؟ ومن سيمثل الأردن بمؤتمر العمل الدولي السنوي من الحكومة الأردنية عوضا عن وزارة العمل؟.

وتضيف أنه سيتم نشر الدراسة خلال أشهر قليلة.

دور وزارة العمل

تكشف رئيسة قسم عمل الأطفال في وزارة العمل المهندسة هيفاء درويش عن ضبط 374 حالة عمل أطفال منذ بداية عام 2022 وحتى شهر تشرين أول، فيما قام مفتشي العمل بتنفيذ 21604 زيارة على مختلف المنشآت، تم خلالها توجيه 98 مخالفة لأصحاب العمل و117 إنذار.


وتقول درويش إن المفتش يتخذ إجراءً إما المخالفة أو الإنذار، ويتم تكرار التفتيشات بشكل مفاجئ على المنشآت المخالفة للتأكد من تطبيق القانون، لافتة إلى أن الوزارة تستقبل الشكاوى عن طريق النظام الوطني الإلكتروني لعمل الأطفال (Childlabor.jo)، بالإضافة إلى وجود ١٧٢ مفتش في الوزارة وهناك نية لتحديث وتطوير المنظومة التفتيشية باستمرار.


وحول الإجراءات التي تقوم بها الوزارة للحد من عمل الأطفال، تبين درويش أنه تم تنفيذ 4 حملات متخصصة موجهة لجميع المحافظات والقطاعات وخاصة القطاعات الأكثر تشغيلا للأطفال (بيع القهوة السائلة/ إصلاح المركبات)، عدا عن التفتيش على عمل الأطفال من خلال الزيارات اليومية لمفتشي العمل واتخاذ الإجراءات القانونية بحق أصحاب العمل المخالفين، إلى جانب تحديث التشريعات المتعلقة بعمل الأطفال ومراجعتها بشكل دوري، ومتابعة حالات عمل الأطفال المكتشفة.


وتوضح أن قيمة الغرامات على أصحاب العمل المشغلين للأطفال تتراوح ما بين 300-500 دينار وفي حال تكرارها تتم مضاعفتها، معتبرة أن قيمتها رادعة ولا حاجة لتعديلها أو تغليظها.

 

*أسماء مستعارة بناءً على طلب أصحابها