الخميس 28-03-2024
الوكيل الاخباري
 

لا ينتقدون الرئيس ولا يمدحونه



تستحق حالة الدكتور عمر الرزاز، رئيس الوزراء، تحليلا عميقا، فهو اول رئيس وزراء في عهد المملكة الرابعة، يصل خلال موقعه، إلى وضع لم يصل اليه سابقوه.اضافة اعلان


علينا ان نلاحظ هذه الأيام، ومنذ شهور قليلة تقريبا، ان الرئيس لم يعد يتعرض إلى هجمات مغرضة، او حتى موجات نقد موضوعية، برغم الأخطاء الحكومية، مثلما لم يعد يحظى بمديح، او اشادة، برغم بعض القرارات الحكومية الجيدة، وهذه حالة جديدة، تجعل الرئيس بمنأى عن الذم او المديح، وتكاد تقول ان الرئيس غير موجود، وعلى الرغم من ان هذا التوصيف جارح وغير أخلاقي.

حقيقة الحال، ان هذا المشهد يعبر عن تحول جديد في المزاج الأردني، الذي بات ينزع إلى تفكير من نوع مختلف، يقوم على أساس اليأس من أداء الحكومات، واعتبار ان النقد مجرد جدل لا يغير شيئا، وان لا احد يستمع إلى النقد، وان كثرة الضجيج خلال السنين الفائتة لم تؤد إلى اي تغييرات، ونحن امام حالة استسلام ضمنية، يستفيد منها الرئيس الرزاز، بحيث بات الجميع يتجنب نقده، وسط قناعة تقول ان لا شيء سوف يتغير، وان المشاكل اكبر من الرئيس، وان الازمة اعمق من تحميلها على كاهل شخص مثل الرزاز، فلماذا ننتقده؟

في جانب المديح والاشادة، لم يعد الأردنيون يمدحونه، او يشيدون بحكومته، والسبب أيضا، ان الناس باتوا لا يتأثرون بأي خطوة إيجابية للحكومة او الرئيس، فإذا ذهب الرئيس وزار مستشفى، او تفقد دائرة حكومية، او حارب فسادا، او غير ذلك، كانت ردود الفعل الإيجابية منخفضة جدا، والسبب ان الناس على قناعة ان كل هذا لن يغير من المصاعب الأكبر، ولن يغطي على المشاكل الأساسية، وان أي تصرف إيجابي، أيضا، هو في الأساس من واجبات الرئيس وحكومته، وليس منة او كرما، يستحقان الإشادة والتصفيق.

هكذا اذاً هي الصورة، هناك حالة تعليق في النقد او الإشادة، وقد يبدو الرئيس وكأنه غير موجود، او غير مؤثر، فلا يهجم عليه احد، ولا يشيد به احد، لكن هذا الاستخلاص يريد خصومه تكريسه للقول اننا امام رئيس باهت الأداء، وان الناس لا يرونه، وهذا الاستخلاص كما اشرت سابقا يفتقد إلى الاخلاقيات، ويتسم بالثأرية والشخصنة، لكن من جهة أخرى، هذا المشهد قائم، لاعتبارات مختلفة، تقوم كما اشرت إلى يأس الناس من النقد واعتبارهم ان التطاول على الرئيس ليس هو الحل، فيما مديحهم للرئيس، غير قائم أيضا، باعتبار أن ذلك مجرد نفاق، وان الرئيس لا يتوجب شكره أساسا على واجباته المطلوبة منه في الأساس.

يستفيد الرئيس كثيرا من هذه الحالة التي وصلنا اليها بعد أربعين عاما من نقد الحكومات، منذ العام 1989، وبحيث أصيب العصب العام بالإرهاق، هذا فوق استبصار الكل للحقيقة التي تقول ان المشاكل تراكمت، ويعجز عنها الرزاز، وسيعجز عنها ابو زيد الهلالي لو تم تكليفه بالحكومة أيضا، وهذا يعني ان الرئيس ينجو اليوم من مطارق الرأي العام لسبب جوهري يتعلق بكل الموقف من الحكومات، مثلما لا يشيد به احد، لمجرد انه أدى وظيفته وعقد اجتماعا هنا او هناك، او اتخذ قرارا حسنا.

هذا يعني في المحصلة، شيئا يتجاوز استفادة الرئيس من هذا الهدوء، أي الانفصال الكامل بين الحكومات والمواطنين، وتحول غياب الثقة من حالة مؤقتة، إلى استعصاء دائم، وشعور الأغلبية بالتعب الشديد، والاستسلام للواقع الذي يرونه اليوم اكبر منهم، ومن الرزاز ذاته، فوق الايمان المبطن ان شخصية الرئيس جيدة، وان استهدافها لن يغير شيئا، وان المشاكل اكبر منه، فلماذا ننتقده، ولماذا نمدحه، ولربما الأفضل ان ننساه، ونعيش دون ان نضعه في حسابات النقد او المديح التي تخضع كثيرا لحسابات غير دقيقة أيضا؟.

لكن ذكاء الرئيس قد يتبدى بالاستفادة من هذا المناخ، الذي لا يضغط عليه بالنقد، من جهة، ولا يمدحه من جهة ثانية، عبر عدم الاسترخاء، والشعور بالراحة، والبحث عن مبادرات جديدة، من اجل الناس، ما دمنا وسط استراحة، قد تكون طويلة، او قد ينكشف لاحقا، انها مجرد استراحة بين شوطين