الأربعاء 24-04-2024
الوكيل الاخباري
 

السقوط في فخِّ الغباء



تعنُّ على بالي دنيا العصافير مع كل أيار، فأحنّ إلى جولات من الصيد المضني واللذيذ، وأتوق إلى طيور خفيفة كنا نحمّصها على عجل فوق نار قش سريعة، ونأكلها بلا ملح أو خبز، فننعم بوجبات تقيم أودنا لمزيد من نزوات يانعة بالشقاوة والمرح!.اضافة اعلان

وما زال تحت أسناني بعض من لذاذة (أبو حمار)، ذلك العصفور الذي بحجم قبضة اليد، ويميل إلى السواد برأس ترابي، وعُرف منشاري، وربما كان لا يساوي لقمة أو اثنتين، لكن مذاقه يخلد في الذاكرة دهراً أو دهرين.   
في دنيا صيد العصافير وعالمها ليس هنالك طير أغبى من (أبو حمار)، ولا أسهل من وقوعه وسقوطه بالفخ، فبعد أن نرصد تردده إلى مكان محدد، وذلك برؤيته أو رؤية ذرقه (فضلاته) على الأرض أو الأغصان، كنا ننصب له فخاً مقابل ذلك المكان تحديداً، وننتظر بمتعة وقوعه اللذيذ.
وفخّ العصافير هو سلكان معدنيان يشكلان دائرة مكتملة عند تجهيزها، يطبقان بشدة على الصيد، وتدفن الفخ بتراب ناعم، يكون بلون الأرض ذاتها للتمويه وخداع العصفور، ونزودها بطعم متحرك يغريه، والطُعم قد يكون دودة بيضاء، نستخرجها من ساق نيات (الحُمحُم) البري، وقد يكون الطُعم صرصاراً صغيراً يدعى (الكُعكل) يربط مقلوباً على ظهره في الفخ، فيتحرك لافتاً انتباه العصافير، التي ما أن تهم بالتقاطه حتى تلقطها الفخ. 
وإذا كانت معظم العصافير تحاذر الفخاخ، وتناور مناورة عظيمة لتبتعد عنها، إلا (أبو حمار) فإنه حمار حمار بامتياز. فمن طريف أمره أن الفخ قد تخطئه أحياناً، وترحمه بعد أن ينقر الطعم ويمضي، فنعمد إلى تجهيزها مرة أخرى بسرعة ونراقبه، فإذا به يرمي نفسه في مصيدتنا ذاتها في المكان ذاته، ثم يبدأ بالصراخ والزقزقة المجنونة، فنسرع إليه لنخلصه من آلآمه، ثم نغرس ريشةً من ذيله في التراب ونبتهل:(يا ربي زرعت ذيلهُ ارزقني غيره!)، ونجهّز على عجل فخنا مرة أخرى لغبي آخر.
في هذا الزمن المفخخ المغروس بتراب مموه، صرنا نرى الكثير مما كنا نعتقدهم أذكياء أو محنكين أو لديهم بعد نظر، نراهم يسقطون بسهولة ويسر في فخ الهاوية، وينضوون في طابور الروتين والعادية والتقليد والإنقياد إلى الحماقة، ولهذا نراهم يسقطون بطعم أو بلا طعم، ولربما تخطئهم الفخ أحياناً لأجل الحظ، لكنهم يعاودون الوقوع بها عن سبق غباء وتقصُّد. وهذا أفضل.