سببب اهتمامي الأول بموضوع الحوكمة ناجمعن قناعتي بأن مؤسساتنا الوطنية حكومية كانت أو خاصة ستظل تراوح في مكانها ما لم تعمل على أسس ومفاهيم التفكير والتخطيط والإدارة الإستراتيجية ، واعتماد معاييرالحوكمة القائمة على التشاركية والشفافية والمساءلة، وفي اعتقادي أن كل المشاكل التي يواجهها الناس مع المؤسسات ، وتواجهها المؤسسات مع الناس ناجمة عن غياب الإستراتيجية والحوكمة !
من بين المراجع
التي أطلعت عليها مؤلف بعنوان " الحوكمة التكيفية للكوارث " لمارغون
هربرت ، وهو مرجع مهم من حيث تناوله للكوارث الناجمة عن الجفاف والفيضانات في
المناطق الريفية ، وتغير المناخ بشكل عام ، وهي من النظريات الحديثة جدا للحوكمة
بمفهومها الأعم ، إلا أنها تدمج بين نظرتي المرونة والتعقيد وعناصر الحوكمة ، حتى
تتمكن من ايجاد الحلول وقت الكوارث سواء كانت متوقعة أو غير متوقعة .
وربما يكون هذا
الكتاب هو الذي دفعني إلى كتابة المقال السابق " الجراد والحوكمة " الذي
أشرت فيه إلى أن نجاح وزارة الزراعة وسلاح
الجو الملكي في التصدي لأسراب الجراد التي هاجمت المزروعات جنوب المملكة يؤكد على
أنها عملت وفق خطة محكمة ، تلامس في نتائجها مع ما تطمح إليه مقاصد الحوكمة
التكيفية للكوارث .
منذ أيام وأنا
أتابع عبر وسائل الإعلام حالة التصعيد والتوتر بين الولايات المتحدة الأمريكية
وايران ، استخدم المحللون والكتاب مصطلحات مثل الكارثة والكوارث ، واجواء القلق
والترقب ، ونذر وطبول الحرب ، وغيرها من
المصطلحات التي تذكرنا بالحرب على العراق فضلا عن استعراض أنواع الطائرات والأساطيل
البحرية الحربية ، وعمليات الإقلاع والهبوط على مدارج البوارج والمطارات العسكرية ،
وكل ما يعبر عن موجات التصعيد ، التي تدفع ببعض المحللين إلى الاعتقاد أن الحرب
واقعة لا محالة ، والبعض الآخر إلى القناعة حد اليقين بأن تلك الحرب لن تقوم أبدا
، وأن وراء هذا التصعيد انفراج ومفاوضات ، وسلام ووئام ، لكن المفكرين والمحللين
الإستراتيجيين يفكرون بطريقة مختلفة ولا يهمهم أن تقوم حرب أو لا تقوم ، ما يهمهم
كيف تكون الدولة حاضرة بكل عناصر قوتها إذا ما قامت حرب ، أو تحقق سلام !
نحن لنسا طرفا في
تلك الحرب المتوقعه ، ولو كان الأمر بيد الأردن لكان يسعى الآن إلى دعوة جميع
الأطراف المباشرة وغير المباشرة في ما يعرف " بالضربة الأمريكية لايران
" لكي يتوصلوا إلى حلول تضمن مصالح الجميع ، وهذا الموقف السياسي قد يبدو
للوهلة الأولى بأنه غير قابل للتطبيق نظرا إلى أن أطراف المعادلة هم الذين يصنعون
الخلافات عن قصد ، وقد تقع الحرب بالفعل في لحظة خطأ مقصود أو غير مقصود ، وتحل
الكارثه !
ما دامت السياسة
والمناخ على هذه الدرجة من التشابه في وقوع الكوارث ، هل ذلك يعني أنه أصبح من
الضروري أن نضع خطة على الفور من أجل التكيف مع احتمالات كارثة حقيقية ؟