غالبا ما تمرّ ذكرى النكسة ( 5 حزيران ) ولا أكتب عنها حتى لا نكرر الوقوف على الاطلال ورثاء التاريخ. لكن خطر ببالي هذه المرة – بعد تردد – أن أكتب شيئا من وجهة نظر التحليل النفسي – الاجتماعي وليس السياسي.
نحن بعد أكثر من نصف قرن على « النكسة « ما زلنا أمّة مصدومة بالهزيمة، نمارس الانكار ونتلقى عواقبه فنمعن أكثر في الهروب فنتلقى المزيد من الصدمات ونتخبط على غير هدى. تماما مثل مريض نفسي كان تعرض في شبابه لصدمة خطيرة أصابته بفصام لم
يشف منه ابدا. الانفصام عن الواقع والازدواجية والمكابرة والتخيل يحكم الخطاب العام من مختلف الاتجاهات من اليسار الى اليمين الى الوسط ومن الحكم الى المعارضة.
وماذا عن نكبة ال48 ؟! أميل لاعتبار هزيمة الـ 67 هي الأساس ربما لأننا عشناها في مطلع شبابنا ولم نعايش النكبة، لكن النكبة كانت في الحقيقة شيئا مختلفا. لم تكن هزيمة ساحقة لأمّة. المشاركة العربية كانت هامشية ( باستثناء الاردن بجيشه الصغير وهو ما زال تحت
الإمرة البريطانية) وعدد من شارك في الحرب من الجيوش العربية لا يتجاوز 12 الف مقابل 90 الف جندي صهيوني ولم تر الشعوب في النكبة الا خطأ وتقصيرا فادحا يمكن اصلاحه بتحرير الارادة السياسية للأنظمة من الاستعمار. وهكذا حدثت انقلابات الضباط الأحرار
وتحررت الارادة السياسية وصعد مدّ قومي جارف بزعامة عبد الناصر وتعبّأت الأمّة كلها للمعركة الفاصلة وجاءت النتيجة هزيمة ساحقة ماحقة.
لم تشف الأمّة من هذه الصدمة ابدا. إحتلت الأيدولوجيا مكان العلم. وهربت من الحقيقة البسيطة والأخيرة وهي ان التقدم - صانع القوّة - انتصر على التخلف – صانع الضعف. وفي حينه قدم اليسار الأكثر جذرية نفسه كبديل سياسي وفكري وظهرت الوطنية الفلسطينية
بمشروع حرب التحرير الشعبية وهي اطروحة واهمة هربت الى إجابات بطولية رومانسية وكان الأعجب والأدهى بعد أفولها، وفي مؤشر على استفحال الفصام، ان ترثها أطروحة جهادية (حماس) أكثر بطلانا واستحالة، فالأولى على الأقلّ كانت تستند الى حاضنة محيطة
يفترض ان يتم تثويرها ليشارك الجميع في الحرب. أمّا افتراض القضاء على اسرائيل من بضعة أفراد استشهاديين في الداخل فقد كان انفصالا مطلقا عن الواقع واغراقا للذات والشعب في الغيبيات وهو ما تمّ دفع ثمنه غاليا جدا. وهذا في فلسطين أما خارجها فقد مثّل المدّ
الديني الموجة الثانية في الردّ على النكسة بالغرق في الغيبيات والهروب من الواقع والاستنجاد بماض متخيل وصل ذروته مع ظاهرة السلفية الجهادية.
خلال تلك المسيرة كنّا نتلقى الصدمات والخيبات بل قل والكوارث تباعا، من احتلال بيروت، الى احتلال الكويت الى احتلال بغداد ثم وأخيرا الحروب الأهلية في حواضر العرب والتشرذم الفئوي والطائفي الكامل بدل التحول الديمقراطي والاتحاد المدني في الدولة الوطنية.
ودائما وابدا هناك مشاجب تعلق عليها المسؤوليات ونظرية المؤامرة جاهزة لتفسير كل حدث، والبلاغة اللغوية بدل المنطق والعلم والخطابة لهزم الأعداء بالادّعاء ولم نكن نهزم الا انفسنا.
-
أخبار متعلقة
-
لا يمكن هزيمة الكاتب (2-2) عبدالجبار أبو غربية نموذجاً ومُلهِماً !!
-
النمو الاقتصادي السعودي وفي الخليج العربي
-
اتهامات للأميريكيين في عمان
-
نحنحة
-
أسرى لكن برغبتهم ..!!.
-
لا يمكن هزيمة الكاتب (1 - 2) هشام عودة نموذجاً وملهِماً !!
-
إلى متى ستحتمل الضفة الغربية؟
-
اليوم عيدُ ميلادي