خسرت رئيسة وزراء بريطانيا تيريزا ماي منصبها زعيمة لحزب المحافظين ، وخلال عدة أيام ستغادر مقر الحكومة في 10 شارع داوننغ ، بعد أن أعلنت عن استقالتها على خلفية فشلها في إقناع معارضيها في مجلس العموم البريطاني ، وحتى في حزبها بخطة الانسحاب من الاتحاد الأوروبي المعروفة بخطة " بريكست " الخاصة بخروج بريطانيا على أثر الاستفتاء العام الذي عبرت فيه أغلبية من الشعب البريطاني عن تلك الرغبة .
أعطيت أوصاف كثيرة
لخطاب استقالة السيدة ماي ، وتأثر كثيرون بانفعالها العاطفي واختناقها بالعبارات ،
حين كانت تتحدث عن حبها لبريطانيا ، ذلك الحب الذي دفعها إلى تقديم استقالتها ليس
لأنها عاجزة عن خيارات أخرى ، مثل الانسحاب من دون شروط ولا ترتيبات مع الاتحاد
الأوروبي المتمسك بالخطة ، بل لأن فوز بريطانيا هو الأساس ، حتى أولئك الذين رفضوا
خطتها وأسلوبها في إدارة الحوار مع الاتحاد يفكرون بنفس الطريقة ، أي فوز بريطانيا
في نهاية الشوط .
بغض النظر عن كل
التفاصيل المتعلقة بمحاذير بقاء أو خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي فقد أبدى
قادة أوروبا الذي علقوا على استقالة السيدة ماي أسفهم لاستقالتها ، دون أن يبدوا
أي اهتمام للاختلاف الدائر بين البريطانيين حول خطة الانسحاب ، وكان الرد الأوروبي
واضحا من هذه الناحية " إن استقالة ماي لن يغير شيئا من موقف الدول السبع
والعشرين الأعضاء الآخرين " !
بالطبع هذه فرصة
جيدة للاتحاد الأوروبي كي يظهر وحدة موقفه من العلاقة ببريطانيا ، ويظهر تماسكه
أيضا كاتحاد يعبر عن مصالح أوروبا ، ويحاول الصمود في الحرب العالمية التجارية
القائمة حاليا بين الولايات المتحدة والصين ، بمشاركة أطراف عديدة بصورة مباشرة
وغير مباشرة ، لقد شكلوا فريقهم كما يبدو لخوض المباراة مع بريطانيا حتى نهاية
الشوط الثاني ، ومع ذلك فقد فازت بريطانيا على نفسها أولا .
التشاركية في
اتخاذ القرار هو أساس الحوكمة ، أو الحاكمية الرشيدة ، وقد يكون القرار أحيانا هو
عدم اتخاذ قرار ، كما حصل مع السيدة ماي ، بشأن خطة الانسحاب ، أما الشفافية فقد
تجلت في كل حرف قيل وكل إجراء اتخذ ، والمساءلة تعني كذلك مساءلة النفس حين تقرر
رئيسة وزراء بريطانيا الاستقالة بسبب فشلها في إقناع الشرعية البريطانية بالخطة ،
فخسرت بذلك منصبها ، ولكنها لم تخسر وطنيتها وحبها لبلدها ، ومصالحه العليا ،
وهكذا تفوز بريطانيا بالحوكمة!