الأربعاء 24-04-2024
الوكيل الاخباري
 

(عرط) الشوب



لا الغناء الناعم الرخي، ولا رندحة الميجنا الصداحة، أو بحة العتابا الحزينة، كانت كلها تكفي الحصادين في حنانية الشوب؛ ليخففوا من وطأة العمل، تحت سياط الشمس ومخارزها اللاهبة. ولهذا كانوا يلجأون إلى تكتيك آخر، يخفف من حرهم، ويلطف جوهم ويمكنهم من تحمله.اضافة اعلان

هذا التكتيك كان يتمثل في (سواليف الحصيدة). إي الكلام المبالغ فيه. الكلام الفنتازي العجيب الغريب، المضحك المبكي أحياناً، أو الأحلام الكبرى الشهية، المفرحة، أو المشاريع العملاقة الفضفاضة، التي قد يكون لها في البال جذر صغير، أو الكذبة الباردة التي تفوق جبل الشيخ علوا وبردا. فهل ما زال حرُّ هذا الزمان يتبدد بالكذبات الجميلة الخفيفة، وسرد الأمنيات الشجية السخية؟!.
ذات شوب حارق تمنيتُ أمنية عمانية لذيذة: تمنيت نهراً بارداً يشق مدينتنا، ويلطف أجواءنا ويخفف ثقل (غيمة التلوث) التي تخنق سماءنا، وتكبت أنفاسنا، بسبب السيارات وتناسلها الرهيب. هذا النهر كان سيكسر أسنان هذه الموجة العنيدة، ويلوي عنقها ويعيدها إلى صحرائها فارعة دارعة لا تلوي على شيء. 
بعضنا يتحول إلى كائنات ليلية، لا تقوى على الخروج في وضح الشمس، أو إلى نباتات ورقية غافية، في وداعة مكيفات الهواء. ولكننا لا ننسى أن ثمة من لا يأكل خبزه، إلا انتزاعاً من فم الشمس ومن عينها، دون القدرة حتى على ترف بوح الأمنيات، وسواليف الحصيدة، أو رندحة العتابا والمواولي. لهؤلاء نقول: يعطيكم العافية. فالأوطان لا تبنى دائماً في مكاتب ناعسة بمكيفات الهواء، بل تحتاج رجالاً في عين الشمس. 
في زمن حصايد القمح والشعير، ومشقة وثقل العمل تحت أسنان الشمس، كانت السواليف تنفع الحصادين والدرّاسين، وتسلي عنهم، وتجعلهم لا يشعرون بثقل التعب وحم الشوب ووطأته، وتجعلهم يحلمون بحلم طري خفيف ناعم كمخدة ريش نعام. 
في حالتنا اليوم، فللأسف الكبير، فسواليف الشوب لن تزيدنا إلا شوباً ولوباً ونزقاً وقلة صبر. وحتى العرط (الفيسبوكي) السهل، وحتى التوترة المتعالية (بث الرسائل على تويتر)، وقطع الرأس بفقوسة، كلها لن تفيدنا ولن تريحنا. ولكن العرط وسواليف حصيدته ستجعلنا نحيا شوبين معاً: شوباً برانياً، وشوباً جوانياً.
فلا أسهل من خراريف ندية وسواليف شجية ننثرها تحت همس المُكيفات الباردة، ونبثها من وراء الهوتف النقالة وشاشاتها الساخنة.