الأربعاء 24-04-2024
الوكيل الاخباري
 

علی طابور القطائف




”أم محمد“ تستدعي كل الحجج الواھیة وغیر الواھیة، لكي تبرر لأبنائھا الخمسة، خاصة الكبار منھم، لماذا ستكون قطائف ھذا العام مختلفة قلیلا عما كانت علیھ في السابق.

تحاول أن ترسم على وجوھھم تعابیر من مخیلتھا تریح قلبھا مؤقتا، وكأنھم اقتنعوا فعلا بأن ”مودیل“ السنة مفتوح ولیس مغلقا كھلال رمضان، وحشوتھ سكر مطحون أو رائق، كل حسب ذوقھ الخاص!

اضافة اعلان

 

”الأستاذ معمر“ یحاول أن یمحو من ذاكرتھ القریبة، أحادیث طلاب الصف الثاني وھم یستذكرون سحورھم أمام بعضھم بعضا. یقرر أن لا علاقة بأبنائھ المنتظرین على عجل، وطلابھ الذین تركھم یتضاحكون على البؤس الذي وصلوا إلیھ وكأنھم كبار ناضجون، یسخرون من تقلبات الأیام. یؤشرون على أصابعھم كدلیل قطعي یؤكد صیامھم الكامل. فھم لم یعودوا صغارا بعد الیوم، وكاسات الشاي مع الخبز والكعك تفي بسد جوعھم حتى وقت الأذان.

”ماري آن“ تمشي وراء الطابور بشكل آلي وھي تمسك بھاتفھا النقال، تراسل أبناءھا من بعید وترسل لھم صور الناس في المخبز الشھیر، وھم یقفون بالعشرات أمام بائع حلوى لم یسمعوا بھا من قبل. تضحك على تعلیقاتھم الساخرة، وتلتفت حولھا لتتأكد أن لا أحد قد فھم شیئا من الكلام. ترسل لھم قبلاتھا بصوت عال، وتحدثھم بعجب عن السفرة الطویلة العریضة لعائلة مكونة من ثلاثة أنفار، وھم لا یأكلون أصلا!


وحین یطلب أولادھا بمزاح أن ترسل الباقي عبر البرید إلیھم، تعدھم أنھا ستعود قریبا لتطھو لھم سمكا وخضراوات وأرزا دافئا جدا. ”


صابرین“ وعدت أسرتھا أنھا لن تعود بدون قطائف طازجة ھذا العام، اعتقدت أنھا ستلتقفھا سریعا من جانب عملھا في فرع البنك المجاور، بدون أن تتخیل للحظة كم كان والدھا رحمة الله علیھ، مع تعبھ ومرضھ وسنھ الكبیرة، یقف صابرا مرابطا في الطابور، فقط حتى لا یحرم صابرین وأسرتھا من فرحة الاعتیاد علیھ كجالب القطائف المرح الطیب. یكاد ینقبض صدرھا من الألم والحزن بمجرد أن تخالھ واقفا بین الجموع مكابرا على آلامھ، من أجل سعادة صغیرة جدا، حفرت في ذاكرتھم فقدا كبیرا لن تعوضھ الأیام.


”ندیم“ استعد أن یجلب الیوم وجبة الحلوى بنفسھ بل ویحضرھا حشوا وترتیبا وتصنیفا، لتكون جاھزة للقلي فور الانتھاء من وجبة الإفطار التي دعي إلیھا من جیرانھ المسلمین. یسعد كثیرا بھذا الطقس السنوي الجمیل، ویعتبر نفسھ تقریبا صائما بعد أن حرم على نفسھ الطعام على الأقل حتى ھذه الساعة المتأخرة. اعتاد أن یشارك أولاد جیرانھ مذ كان طفلا تفاصیل الشھر الكریم، ولم یتوقف لا ھو ولا ھم عن تلك العادة حتى بعد أن ھاجر والداه إلى أمیركا منذ سنوات. بل إنھما الآن على أحر من الجمر للحظة ضرب المدفع، كي یشاركوھم الإفطار عبر ”سكایب“، ویتحسرون على طعم العرق سوس والتمر ھندي، الذي لا تشبھھ أي حلاوة في بلاد الاغتراب. ”


أبو السعید“ لا علاقة لھ بالسعادة بتاتا! حارس صف طابور القطائف، أو مدیر الحركة كما عین نفسھ. نار تمشي على قدمین، یتأفف بصوت عال بمناسبة وغیر مناسبة، یراقب تحركات الناس في الصف، ویتدخل أحیانا بشاشات ھواتفھم حین یفتحونھا أمامھ. یستدعي الشر استدعاء لأي بادرة للخروج عن الطابور، حتى لو لم تكن مقصودة. یعتبر نفسھ مسؤولا عن تنظیم حركة المخبز دخولا وخروجا، حتى بعد أن یقضي حاجتھ وینتھي من الشراء.


لا یمكن أن یمر یوم واحد بدون أن یكون ”أبو السعید“ طرفا في مشكلة أو عراك ینتھي عادة بانتصاره بالصوت العالي، وبأقدمیة الحضور! على طابور القطائف، حكایاتنا اللطیفة والمریعة والعادیة. إنھم نحن في الشوارع والمحلات والعمل والجامعات. لكننا وبدون أن ننتبھ، نقف واء بعضنا!