السبت 20-04-2024
الوكيل الاخباري
 

لدينا مسؤولون أيديهم نظيفة



مثلما نطارد المسؤولين « الفاسدين « باللعنات، ونعاقبهم على ما اقترفوه ولو بمجرد اشهار اسمائهم، لماذا نتردد عن الاشارة الى المسؤولين الذين حافظوا على نظافتهم، ولم يمدوا ايديهم الى المال العام، واقتنعوا بنصيبهم المتكوب الذي يصلهم من «رواتبهم» المشروعة..؟ الا يستحق هؤلاء ان نكافأهم ولو بكلمة : شكرا، كما عاقبنا اولئك على شبهة ثرائهم او على فسادهم المكشوف.اضافة اعلان

صحيح ان الانطباع العام لدى اغلبية الناس ينصبّ باتجاه اتهام البعض ممن يصل الى موقع المسؤولية بشبهة التجاوز والبحث عن الثراء، حتى ولو كان في ادنى الحدود المتاحة، بحيث يصبح كل مسؤول متهما ما لم تثبت براءته، لكن الصحيح الذي يجب ان نفكر فيه هو ان لدينا وجها اخر للصورة «المتخيلة»، حيث يوجد مسؤولون كثيرون دخلوا الى الوظيفة العامة، ثم خرجوا منها كما هم، لم يستخدموا امتيازاتهم ولا صلاحياتهم للتعدي على المال العام ولم يتعاملوا بمنطق «انهب واهرب» بل ان بعضهم خرج مستورا، وربما مثقلا بالديون والالتزامات.
فضيلة كسر (الانطباع العام) لا تتعلق فقط بانصاف هؤلاء الشرفاء والاشادة بهم فقط، مع انه واجب علينا نحوهم في هذا الزمن الذي تلوث بكل شيء واصبحت فيه النظافة استثناء ، وانما تتعلق بمصلحة عامة تقتضي تقديم نماذج نظيفة ومعتبرة لاجيالنا لكي لا يفقدوا الامل بآبائهم الذين قدّر الله لهم ان يتبؤوا الموقع العام، فهذه النماذج الملهمة هي التي تعيد للمجتمع حيويته، وتساعده على تجاوز ازماته، وتبعث فيه العزيمة لبناء مستقبل افضل.
لا نعدم - بالطبع - وجود مثل هذه النماذج النظيفة في بلادنا، خاصة في العقود الماضية التي كانت فيها الادارة العامة بخير، وكان الموظف العام يجسد اخلاقيات الاردني الاصيل، لكن في ظل التغيرات التي طرأت على منظومة قيم مجتمعنا، ووصلت في اسوأ تجلياتها الى المسؤول الذي نزل بالبرشوت على مواقع المسؤولية، اصبح من اللازم استدعاء اي خيط امل في الواقع الراهن، ومن حسن حظنا اننا حين نفتش عن هذا الخيط بنزاهة نكتشف ان لدينا خيوطا كثيرة، ونماذج عديدة لمسؤولين من هذا الصنف يعيشون بيننا ويمارسون مسؤولياتهم دون ان ينتظروا منا اي اشادة او حتى اشارة.
سأتعمد - هنا - الاشارة الى عدد من الوزراء في هذه الحكومة ممن اعتقد انهم يمثلون الوجه المشرق في هذا السياق، اذا استثنيت الرئيس الرزاز الذي لا يختلف على نظافته حتى اشد خصومه السياسيين فان لدينا وزراء اخرين يمتازون بالنزاهة ايضا، خذ مثلا وزير المالية الذي استوقفتني رسالة بعثها الى نجله الذي تخرج من التدريب على ممارسة المحاماة يقول له «واشد على ايديكم ابي ان تبقى مع الحق مهما كانت الظروف والضغوطات فكلنا يواجه يوميا في موقعنا ظروفا وضغوطات باشكال متعددة ومن مصادر مختلفة لكن يجب ان لا يثنينا ذلك عن الحق».
لا اعرف الرجل، لكنني سالت عنه بعد ان اعجبت برسالته، فذكر لي مقربون انه كان عصاميا منذ ان كان يعمل محاسبا الى ان وصللموقع متقدم في وزارة المالية ثم اصبح وزيرا لها وفي كل المواقع ظل كما هو قانعا بما قسم الله له، لم تغريه اموال المالية كلها على ان يمد يده للحرام.
خذ ايضا نموذج وزير الاوقاف هذا الرجال اعرفه من نحو ثلاثين سنة واعتذر ان قلت بان راتبه منذ ان كان استاذا في الجامعة ورئيسا لجامعة اخرى ثم وزيرا يذهب معظمه الى ابواب الخير، كما انه استغنى عن كل الامتيازات فلا سائق ولا سيارة حكومية يستخدمها يذهب بنفسه الى بيته بسيارته التي يسوقها ويدفع من جيبه لاكرام ضيوفه وهكذا.
اكيد لدينا نماذج اخرى، وزراء ومسؤولون صغار وكبار، اعرف كثيرين منهم، ولن اتردد بالاشارة اليهم في مقالات قادمة، ليس لي اي هدف -يشهد الله- الا تطمين الناس ان بلدنا ما زال بخير رغم كثير من السواد «الذي يطفو على السطح او يتغلغل تحته».