عبدالهادي راجي المجالي
تلك المقالة...سأهديها لمروان الحمود (ابو العبد)...
زمان حين كان يأتي موسم الحصاد كنت اذهب مع أبي للأرض،وكانت لي مهام محددة أولها عد (الشوالات ), وثانيها (العتالة)....وأجمل ما في مواسم الحصاد أن تحمل قمح أرضك على كتفيك وتطوعهما على التعب والعرق.
أتذكر أني كنت فتى قوي العود وحتى نوفر أجرة العمال الذين سيقومون بنقل الشوالات (ابو خط أحمر) من البكم إلى (حوش منزلنا)..أقنعت أبي أن اشارك بحملها أو كما يقال باللغة العامية (العتل).
و ذات صيف حظينا بموسم وافر، كانت الغلة تتجاوز ال (100) شوال..أحضرناها كلها في سيارة نقل كبيرة، والوقت كان عصرا ونسمات الكرك (تهفهف) على جبيني...وما أحب هذا الجبين غير تلك النسمات وكانت تلك هي المرة الأولى التي سأشارك فيها (بالعتالة) فقد أينعت فتى تقوى أكتافه على الحمل.
نوع الشوالات كان (ابو خط أحمر) وهذا يعني أنها تزن ما يقارب ال(60) كيلو غراما..وهذا يعني ايضا أنها ثقيلة، أتذكر اني حين حملت أول (شوال) انحنى ظهري وترنحت يمينا ويسارا..وذبت خجلا أمام أبي لم أكن أريد أن أظهر أمامه ضعيفا مهزوزا لا يقوى على الحمل...وعلى الفور تقدم أبي مني وأعاد (الشوال ) إلى السيارة...وأنا كنت أصر على حمله ولكنه كان ينهاني.
أتذكر أنه يومها أبتسم وأخبرني أن المشكلة لا تقع في ثقل الشوال ولكنها تقع في طريقة حملي الخاطئة...قال لي :- لا تضع الثقل على الظهر حاول أن يكون الثقل على الأكتاف...لأنك إذا رميت كل هذا الحجم على ظهرك فسينحني عودك..ولكن الأكتاف هي التي تحمل والظهر..وظيفته ان يسند الحمل....ثم أقترب من الشوال وحمله وقال لي :- (يا وليدي طل علي وشوف كيف بشيلوا)..وأنا دققت في طريقة حمله وأكتشفت أن ما قاله طبقه تماما فقد وضع الحمل على الأكتاف..وانحنى قليلا ثم جعل الظهر سندا ليس إلا...وأنطلق....
أرتحت قليلا ومن ثم تقدمت للسيارة وحملت الشوال..بنفس الطريقة التي حملها أبي...وأتذكر أني يومها تعلمت كيف أحمل على كتفي كل الخطوط الحمراء بما فيها (الشوالات ) ولا ينحني الظهر ولا يكسر...
كنت أمس أتابع زيارة الملك لمنزل مروان الحمود....ولأن مروان هو نجل عبدالحليم النمر الحمود...فقد تعلم من أبيه الراحل نفس ما تعلمت أنا من أبي حين حملت قمحنا..ونتاج أرضنا، غير أن عبدالحليم علمه أيضا كيف يحمل الخطوط الحمراء على كتفيه وإن ثقل الحمل، والأردن لايوجد فيه خطوط حمراء غير الملك والوطن.
لماذا مكتوب علينا نحن فقط أن نحمل على أكتافنا وطنا، وبينما الاخرون الذين استفادوا من قمح بلادنا وأكلوا منه...هم الوحيدون الذين يجلسون أمام الغلة وينتظرون العد وحصتهم...هل لأن هذه هي وظيفتهم أم لأن الحمل ثقيل وظهورهم لا تقوى عليه ؟...لا أعرف ولكن أكتافنا تحمل حتى وإن ثقلت الخطوط وحتى وإن ثقلت الأحمال.
أحب وطني...لأن أبي علمني ان لا اشكو الحمل حتى وأن كان ثقيلا وعلمني أن احمل كل شيء على كتفي...بغض النظر عن لون الخط.
أنا لا أنظر إلى زيارة الملك لمنزل مروان الحمود في إطار الزيارة المجردة أو المجاملة..ولكنها زيارة لرجال يحملون على أكتافهم..جبالا بخطوط حمراء ولا يشكون من الحمل.
في الأردن انحنى ظهر الإعلام من قانون عابر ولم تجرؤ تلك الظهور على حمله..هل لأنها لا تملك أكتافا أم لأنها لا تعرف الحمل؟...والبعض قاطع الانتخابات...وشكا من آلام الظهر وشكك بالقادم..والبعض ممن كانوا يأخذون كل غلة قمحنا صاروا يتحدثون من معاهد واشنطن ومؤسسات التمويل حول المصاعب السياسية في الاردن...وتعففت ظهورهم عن الحمل....
بقينا أنا وصديقي (أبو العبد) مشرعين أكتافنا للخطوط الحمراء وسنحملها كما علمنا آباؤنا..حتى لو ثقل الحمل، وحتى لو لم يكن لنا حصة من القمح.
-
أخبار متعلقة
-
أفضل سيارات مازدا في استهلاك البنزين لعام 2018
-
الفاخوري يعلن تبرع بنك الأردن بمليون دينار أردني لصندوق "همة وطن"
-
توفيق فاخوري يدعم صندوق "همة وطن" بمبلغ نصف مليون دينار أردني
-
شاهد لحظة سقوط الطائرة الأوكرانية بعد اشتعالها في الهواء
-
مدرسة الموقر ترسم أجمل منظر – فيديو وصور
-
مدرسة الموقر ترسم أجمل منظر
-
بـرنامـج الـوكـيـل فـي إجـازة سـنـوية
-
حفرة امتصاصية في جرش .. خطرٌ يُهدد المواطنين و يُضر السياحة | فيديو