السبت 2024-12-14 02:46 ص
 

أصعب من قطاف القطن!

09:33 م

الوكيل - A szellem egy magyar f’rfi
لم يكن نومي سيّئًا.اضافة اعلان

كلّ ما في الأمر أنه كلما أغمضتُ جفنيَ استيقظوا وراحُوا يحفرون في حَجر المنام بهمّة أسرى مجرّيين محكومين بالإعدام يشقون قناة في خلاءٍ بدا كأنه واحدٌ من قرى إيركوتسك.

الرجلُ الضريرُ في أقصى الصورةِ. الرجُلُ ذو السترة المجعّدةِ وقبّعة القشّ، صار يخرج يومًا إثر آخر من فضاء الرؤية. كأنّ الإطار المبروَز بات أضيق من صفّ الرجال المتجاورين أمام الكاميرا كطيور الرخمةِ المريضةِ.

لم يكن في نيّتي أن أقولَ:
ثمة من يحفر في منامي ليوسّع في الطرف البعيد من صفّ الرجال المتعرّقين تحت شمس واحدٍ من أيام شباط 1939، إنشًا أو نحوَ إنش يطلّ منه ذيلُ سترةٍ مجعّدةٍ أو طرفُ قبّعةٍ كلّما حاولتُ أن أثبّتها فوق رأسي طيّرتها نسمة خفية من أقصى الصورة إلى أقصاها.
(الرجالُ الذين تساقطوا مُسرمنين من قلّة النوم ولسع البعوض لم ينتهوا بعدُ من حفر القناة. التونسيُ الذي صرتُه سيظلّ يحلم. المجريُّ الذي كنتُه سيظلّ يدفع نفسه كطائر رخمةٍ ليستعيد مكانه بين الطيور المريضة).
Szentendre’/ Hongrie
februçr 1939
فندق شمعة الرجُل الثالث
The Third Mans Candel Hotel
عزيزي هنري. أنا رجلٌ يعرف عن الجلوس عند أبواب الكنائس واطعام الحمام من كفّه أكثر ممّا يعرف عن الملاكمة.
لعلّك لا تصدّق أنّ ذلك الرجلَ الهشّ الذي ما انفكّ يطيح بأرباب اللعبة، طائرًا في الحلبة كفراشةٍ، راقصًا بقدمين من هواءٍ ومسدّدًا بقبضتين من برق هو أنا. لذلك لا شكّ عندي في كونك مستعدّ لدفع الـ 30 دولارًا إيجار شقتك الوضيعة في فندق كاندل أوف ثيرد مان مقابل أن تعرف كيف انتهيتُ إلى هنا.
أنا أيضا لا أعرف حقيقة ما جرى، وإلاّ لما كنتُ تردّدتُ في سلبك الـ 30 دولارًا متسبّبًا في طردك من هذا الفندق المشبوه حيث الغرفُ والنوافذ، الأبوابُ والممرّاتُ، الأفنية والسلالمُ أحجارُ نرد بعثرها في رأسي مقامرٌ ما ثم اختفى بأحجارهِ.
على الأرجح أنني هنا لأنّ الكوندورَ المريض الذي صرتُه لم يعد يثير انتباه أحدٍ، عدا مصوّري قناة الناشيونال جيوغرافيك.
عزيزي هنري. هذا المكانُ، على قذارته، لا يخلو ممّن يذكّرني ببطولتي. على الأقلّ هنا يمكنني سماع زوبعةِ الحماس التي ما انفكّ يثيرها فرجينيٌ ضريرٌ يشبه جورج شيرنغ إلى حدّ التطابق وأبكمٌ قادمٌ من بورت ألن وهما يتابعان شريطا بالأبيض والأسود عن مقابلتي التاريخية ضدّ جورج فورمان بحماس من يشاهد النزال للمرة الأولى.
لأكثرَ من عشرين عامًا وهم يذيعون الشريط في قاعة التلفاز. أكثر من عشرين مرّة على مدار اليوم. حتى أنّ النزلاءَ الغامضين وعمّالَ الغرف الصامتين باتوا يذرعون الممرّات أو يؤدّون أبسط الحركات كأنهم يتراقصون حول خصم لا يُرى مسدّدين له لكماتٍ موهومة.
إنّ وصف الأمر أصعب من قطاف القطن. أنظر إلى شفتي كيف ترتجف، وإلى جسدي كيف يتعرّق. أنا أحاول أن أقول لك: صوري تزيّن جدران الفندق وأشرطتي تذاع على مدار اليوم بدون أن يبدو أنّ أحدهم يعرفني أو يهتمّ لأمري. حتى أنني عندما تجرّأتُ وقاطعتُ صاحب الفندق وهو يقرأ مجلة النيويورك تايمز بسؤاله عن الفرجينيّ وذاك القادم من بورت ألن لم يتوان عن الصراخ في وجهي قائلا إنه ضاق ذرعًا بهلوساتي عن رجُلين لا وجود لهما إلاّ في رأسي وعن قاعةٍ لم يدخلها أحدٌ.
عزيزي هنري. لطالما ساورتني الشكوك فيما أرى وأسمع. لكن أبدا ليس في مصادفة الضرير ولا الأبكم القادم من بورت ألن. لذلك كلما حاصرتني الوساوسُ انعزلتُ في غرفتي موجّها ضوء شمعةٍ إلى جسدي مبتهجًا لمرأى الظلال الثلاث التي انعكست على الجدار بقبضاتٍ مضمومةٍ كما لو أنها تشجّع أحدًا ما على مواصلة القتال.
في وسعك إذن أن تتخيّل اللذة التي كانت تسري في عروقي وأنا أفنّد، بضوء شمعةٍ شاحبةٍ تنوس في غرفتي، كلّ ما قاله صاحب الفندق عن هلوساتي المريضةِ. حتى لقد بتّ أفكرّ في تسليط شمعةٍ عملاقةٍ على هيكل كاندل أوف ثيرد مان لأثبت لساعي البريد الذي لم ين يردّ رسائل المعجبين بي مشكّكا في وجود الفندق أنّ ما لا يمكن البرهنة عليه قد يكون موجودًا بشكل أو بآخر.
أنظر إلى شفتي كيف ترتجف وإلى جسدي كيف يتعرّق.
أنظر إلى ظلالي وهي تتجوّل في الممرّاتِ. أنصت إلى خطواتي وهي تتعثر في الأروقة.
دعك ممّا يقوله صاحب الفندق عن كوني مجرّد فكرة سوداءَ اخترعها نزيلٌ غريبُ الأطوار لا يكفّ عن تدخين الماريجوانا ومن خرافات الخدم عن كوني شبح رجُل خرفٍ انتحر شنقا في الغرفة 313.
دعك من كلّ هذا. أنا من أطاح بأرباب اللعبة، طائرًا في الحلبة كفراشةٍ، راقصًا بقدمين من هواءٍ ومسدّدًا بقبضتين من برق. أراوغ ببصيرة الأعمى وأتحمّل الأذى بصبر الأبكم وأردّ الصاع ثلاثة.
فندق الرجُل الثالث
836 تقاطع أولد سكواير والزاوية 47
بروكلين 04 تشرين الأول 2012

أنا لست آدم فتحي أو محمد الصغير أولاد أحمد

ألتمس منكم الصفحَ أيها الطيبون.
لم أعايد أحدًا ولم أكتب على صفحتي: ‘أحبتي كل عام وأنتم بخير’.
لا يذهبنّ بكم الظن أني من الفظاظة بحيث أبخل بمعايدةٍ لا تكلّفني أكثر من 05 ثواني تعادل 14 رقنة تعادل فيما أظن أقلّ من 0.001 ميغا بيكسيل.
كلّ ما في الأمر أني ارتعبتُ وأنا أفكّر في أساريركم وأنتم تقرؤون رسالتي مرتاحين فوق أرائك الرجال الذين تسلّلتم إلى أسرّتهم على مدار السنة.
اغفروا لي قول الحقيقة وإن كانت وهمًا: أنتم جيرانٌ طيبون. بل طيّبون جدا، حدَّ أنكم تجشمتم عناءَ الزيارة متنقلين، ليوم واحدٍ، من غرفة النوم إلى صالة الضيوف، مستفيضين في الحديث عن واجب الجيرة وما أعدّ للمتزاورين.
أرجو أن تغفرُوا لي سوء ظني فأنا أعجز عن مقاومة خيالي المريض.
في الصباح الذي انتظرتم فيه رسالتي زرتُ موتايَ. سقيتُ قبورهم وقلعتُ عنها الحشائش. وككلّ مرة شحذتُ صوتي لأنشد عند رؤوسهم أغنية عن بحّارةٍ يرمقون بجعة تنفق في زاوية الميناء ولا يفعلون شيئا، آملا أن يقبل الله أغنيتي كما يقبل سورة قصيرة أو آية مبتورة.
ستقولون لي: كان أمامك الليل بطوله.
اسمحوا لي إذن أن أوضّح الأمر: في المساء ارتديتُ كينونة بجعةٍ ممروضةٍ، جناحَها ومنقارَها وطرتُ في الأسواق منخفضا لأبهج أطفال الرجال المتكئين على الأرائك.
نالني ما نالني من أذى. ريشي تطاير فوق السطوح ومنقاري تفتّت.
اصفحوا عنّي أيها الطيبون. فأنا لم أستعد بشريّتي بعدُ لأكتب. أنا الآن في الميناء. أنام ممروضًا ومكسورَ الجناح.
ثم من أنا لتعيروني انتباهًا. أنا لستُ آدم فتحي ولا محمد الصغير أولاد أحمد لتحظى معايدتي لكم بالاهتمام.
أم العرايس – تونس
08 أغسطس 2013


 
gnews

أحدث الأخبار



 




الأكثر مشاهدة