لطالما تحدثنا عن أهمية إعادة الثقة للمؤسسة التشريعية، وقلنا إن الثقة بها باتت في أدنى مستوياتها، وحذرنا من مغبة مواصلة 'التغول' على السلطة التشريعية باعتبارها ركنا رئيسا من أركان الدولة، بيد أن كل ذلك لم يجد آذانا صاغية من قبل حكومات متعاقبة، فزادت تلك الحكومات من مد أجنحتها على المجلس النيابي من دون اكتراث بأهمية تقويته وتعزيز حضوره الداخلي والشعبي.
كل التحذيرات المتعلقة بتقوية المؤسسة التشريعية ذهبت أدراج الرياح، وعززت الحكومات من مد جناحها على المجلس النيابي حتى بات الرائي للوضع من بعيد يستشعر أن المجلس ينفذ ما تريده الحكومة، فوصلنا إلى مرحلة لم يعد للمجلس النيابي حضور شعبي واجتماعي، فتم حل الخامس عشر، والسادس عشر، بعد عامين، وتبعه حل السابع عشر، بعد ثلاثة أعوام ونصف العام، ومحصلة ذاك كله زيادة 'التغول' الحكومي على المؤسسة التشريعية والاتكاء على مفهوم الشراكة بين السلطتين، بهدف الوصول إلى تقزيم سلطة لسلطة أخرى، من دون الأخذ بجوهر فكرة التشاركية، فرأينا استجوابات لا يُعبأ بها، وأسئلة لا يجاب عليها، وطلب نيابي لحضور حكوميين لا يحضرون، وضرب عرض الحائط بمواقف المجلس ورؤيته.
حركة التغول التي شهدناها لم تنعكس سلبا على صورة المؤسسة التشريعية فحسب، بل انعكست على صورة الدولة كلها، فبتنا نرى تغولا مجتمعيا أحيانا على سلطة الدولة، وتغولا مناطقيا على القانون، وتغولا فرديا على أفراد آخرين، وتغول أصحاب رأي على أصحاب رأي آخرين.
كل ذاك ولّد حالة انفلات أثرت على المجتمع خلال سنوات سابقة، فأصبحنا نبحث عن هيبة الدولة، نطالب باسترجاعها، نرفض أن يأخذ كل صاحب حق حقه بقوة العضلات، نرفض أن يعتدي متنفذون على أملاك الدولة، يقلقنا القول إن هنالك مناطق يكثر فيها الزعران والحشاشون وأصحاب السوابق، خارج سلطة القانون، ويزعجنا أكثر قيام مشبوهين بالاعتداء على الناس من دون أن تطالهم يد العدالة والمحاسبة.
فالأصل أن يكون الجميع من دون تمييز تحت سلطة القانون، يحتكمون له، ويتحاججون تحت مظلته، ويأخذ كل ذي حق حقه بسلطته، تمد الدولة سلطتها على كل شبر فيها، ويبقى الحكم هو الدستور وسيادة القانون. فالدولة العصرية التي نريدها لأردننا لكي ينمو ويتقدم ويزدهر لا تؤمن إلا بالقانون طريقا للفصل بين الناس، وبالعدالة والمساواة والمواطنة سكة باتجاه الإصلاح والديمقراطية.
الأصل أن تحفظ كل السلطات هيبة السلطة التشريعية باعتبارها الركن الأول من أركان الدولة، والأصل أن تعرف الحكومات أن رضا المجلس عنها هو الأساس لثباتها في سدة المسؤولية، والأصل أن نعبد الطريق باتجاه أن يكون المجلس النيابي هو بداية الإصلاح وقوسا لانطلاق سهمه.
فثقة الناس بالمجلس من شأنها تعزيز ثقة الناس بالدولة، وهذا سيجعل الجميع يؤمن بأننا في دولة أساسها المسؤولية والديمقراطية وسيادة القانون، وليست دولة تقوم على الواسطة والمحسوبية وسرقة الفرص، والتمييز بين أفراد الناس، وتقسيمهم عرقيا ودينيا وجهويا وإقليميا.
في سنوات سابقة شهدنا انفلاتا مجتمعيا غير مسبوق، فلم يعد الناس يثقون بمجالس نوابهم، ولا بالحكومات أيضا، وهو الأمر الذي جعل الإشاعة سيدة الموقف، فلا يصدق الناس ما تقوله الحكومات، ولا يؤمنون أنها تريد مصلحتهم، فبتنا نسمع إشاعات يتم تناقلها عبر وسائل التواصل الاجتماعي ليس لها أصل، يتم ترويجها باعتبارها أمرا واقعا، وكل ذاك ولد حالة إحباط غير مسبوقة ساهمت في تدني مستويات الثقة.
اليوم نحن أمام مجلس نيابي جديد مختلف نوعا ما، وأمام حكومة جديدة، وأمام تركة ثقيلة لمجالس نيابية سابقة لم تستطع السير أكثر من خطوات محدودة نحو الإصلاح، وأحيانا كنا نشهد تراجعا وليس تطورا.
الأمل أن ينهض المجلس الجديد بمسؤولياته السياسية والاجتماعية، وأن يعيد الثقة بمؤسسة البرلمان، وأن تعرف الحكومة وتعي أن التغول على السلطة التشريعية سينعكس سلبا عليها أيضا، وبالتالي على الدولة بشكل عام.
-
أخبار متعلقة
-
أفضل سيارات مازدا في استهلاك البنزين لعام 2018
-
الفاخوري يعلن تبرع بنك الأردن بمليون دينار أردني لصندوق "همة وطن"
-
توفيق فاخوري يدعم صندوق "همة وطن" بمبلغ نصف مليون دينار أردني
-
شاهد لحظة سقوط الطائرة الأوكرانية بعد اشتعالها في الهواء
-
مدرسة الموقر ترسم أجمل منظر – فيديو وصور
-
مدرسة الموقر ترسم أجمل منظر
-
بـرنامـج الـوكـيـل فـي إجـازة سـنـوية
-
حفرة امتصاصية في جرش .. خطرٌ يُهدد المواطنين و يُضر السياحة | فيديو