بمحض الصدفة التقيت بنفسي , بعد سماعي اغنية مصرية لمطرب شعبي لا اعرف اسمه , تقول الاغنية “ انا مش عارفني , انا تُهت منّي , انا مش انا “ حسب ما التقطته ذاكرتي , رغم ركاكة اللحن وصوت المطرب الشعبي العادي , الا ان الكلمات تستحق التوقف وتستحق اعادة السؤال مجددا , هل نعرف انفسنا , هل نحن الذين تكشف لنا المرآة تفاصيلنا ؟ ام ان دواخلنا شيء اخر .
سؤال فلسفي في مظهره الخارجي ولكنه ضروري بعد ان انكشفت ورقة التوت عن مجتمعنا الذاهب نحو العنف والتفرقة , والمترافقة مع الاسهال الشديد في احاديثنا عن الوحدة ومشاعر الاخوّة والروابط المجتمعية القوية واحترام الجار وسعة الصدر التي تتسع لكل الناس كما يقول الشاعر , فمن نحن على وجه التحديد؟
في الاردن ثمة من يباغتك بالقول , “ انا بعرفك اكثر من حالك “ سواء في حالة الرضى او في الغضب , خاصة الزوجات والاصدقاء حين الاختلاف , للتدليل على اننا كائنات شامبوية “ من الشامبو “ الذي انتج حالة اثنين في واحد , على اقل تقدير , فهناك من يقول اننا اكثر من اثنين في واحد وربما ثلاثة واربعة , فالشيزوفرينيا مضاعفة في المجتمع ومضاعفة اكثر في باقي المجتمعات العربية على وجه الخصوص .
ومن باب المعرفة فإن اقتراحا وطنيا يبدو معقولا يقول , بأن يدعو الواحد منا نفسه الى مقهى ويجلس معها لمزيد من التعارف , ولا ضير من جلسات اسبوعية قبل المكاشفة او التصريح بالمعرفة للذات , وربما يحتاج الامر الى رحلة شواء نقوم فيها بدعوة انفسنا الى الخلاء , فنختلي بأنفسنا خلوة شرعية لمزيد من التعارف والبوح بكل التفاصيل الممكنة مع الذات , عبر طرح الاسئلة الحرجة على الذات وعن مدى تطابق الصورة الصادرة عن المرآة مع الصورة الداخلية التي نعرفها او نقول اننا نعرفها .
الشكاوى من الوضع السيئ تسير في الطرقات علانية ونقرأها في كل تعليق ونسمعها في كل حوار , فكلنا ظلمنا بطريقة ما , احدنا ظلم لانه لم يصبح مسؤولا وسرق الفرصة منه صاحب واسطة او معرفة او نسب , وكلنا يستحق الترقية وكلنا يفهم في كل شيء من اللغة الصينية الى صناعة الصاروخ الى تقييم الاوضاع الاقتصادية والقرارات السياسية .
كلنا يمتلك معرفة خاصة لا يأتيها الباطل من اي جهة وكلنا يمتلك مفاتيح المعرفة والحقيقة ويعرف الحلول للمشكلات , وكلنا يُظهر توقعاته بعد حصول الحدث لا قبله , فنحن شعب مكشوف عنه الحجاب , ولا يوجد شخص متواضع في السياسة ومعرفة بحورها او عاجز عن تفسير ظواهر الكون , حتى اختفاء الطائرة الماليزية هناك من يعرف اسرار غيابها والطريق الجوي الذي سلكته .
المُحصلة اننا شعب يعاني من تراجع في كل المفاصل والتفاصيل , شعب يتراجع اقتصاديا وسياسيا , ونعود الى ادوات العصر البرونزي في علم الاجتماع والى عصر الاقطاعية في المُلكية والى عصر الديكتاتورية في الاقتراع , والى عصور الظلام في اصل العائلة , ومع كل ذلك نتحدث عن معرفتنا بأصول العمل السياسي والاجتماعي ونسقط في اول اقتراع او تقرير مصير جمعية خيرية .
الاغنية على ركاكتها في اللحن وتوظيفها في المقاهي والكراجات ومواقف السيارات , الا انها تحمل كلمات فلسفية عميقة , فنحن لا نعرف انفسنا او نعرف ونُخفي ونسير في الشارع بشخصية سرعان ما تتبدل في المنزل او في ديوان العائلة ومضافة العشيرة , وعلينا ان نلتقي بأنفسنا كثيرا او ان نستمع الى اولئك الاشخاص الذين يقولون بأنهم يعرفوننا اكثر مما نعرف انفسنا فلربما نمتلك المعرفة او نصل الى توافق مع انفسنا .
-
أخبار متعلقة
-
أفضل سيارات مازدا في استهلاك البنزين لعام 2018
-
الفاخوري يعلن تبرع بنك الأردن بمليون دينار أردني لصندوق "همة وطن"
-
توفيق فاخوري يدعم صندوق "همة وطن" بمبلغ نصف مليون دينار أردني
-
شاهد لحظة سقوط الطائرة الأوكرانية بعد اشتعالها في الهواء
-
مدرسة الموقر ترسم أجمل منظر – فيديو وصور
-
مدرسة الموقر ترسم أجمل منظر
-
بـرنامـج الـوكـيـل فـي إجـازة سـنـوية
-
حفرة امتصاصية في جرش .. خطرٌ يُهدد المواطنين و يُضر السياحة | فيديو