الوكيل - بدأت تتضاءل العلاقة الحميمة بالورق والكتاب، التحقت بزمن فروسية الورّاقين والدواة والقلم. الإبداع هو إحلال واستبدال. المطبعة بديل من اللسان، لكنها لم تستطع منافسته في الروي والديمومة.
اللسان أول مطبعة تفكّر وتروي وتتذوق، ثم تخون أو تصالح. ينافس ‘الفيس بوك’ والرسائل الهاتفية القصيرة المطابع، وهما يكرسان عودة اللسان إلى استرداد ما فقده من حظوة قبل المطبعة. المطبعة تندثر وربما تزول. اللسان ينمو ويتطوّر، وهو حرباء يتكيف وقت يشاء. الأدب هو التكيّف، بمعنى أي شيء يقوم بمقام شيء ما.
نشر الشاعر والفنان التشكيلي ناصر مؤنس أنطولوجيا للشعر العراقي على قمصان ‘تي شيرت’ لدى دار نشر ‘مخطوطات’ هولندا، التي أسسها الشاعر نفسه، لمجموعة من الشعراء العراقيين. اختار لبعضهم عنوان مجموعة شعرية، ولآخرين مقاطع أو بيت شعر. لا يزال الشعر نخبوياً فناً وقراءة ونشراًً، ولم تستطع حتى قصيدة النثر، التغلّب على اصطفائيته. يُقرأ في المهرجانات خلف المنصّة، يُطبع في كتب. تكسر الأنطولوجيا الشعرية هذه نخبوية الورق، من خلال قماش ‘تي شيرت’ أولاً، وتالياً كموديل ملابس يرتبط بالعصرنة والأريحية مقارنة بالبذلة الرسمية. صار القماش لساناً مرئياً مضاهياً منصّة الإلقاء والمطبعة، له جمهور متنوّع يختلف عن رواد المهرجانات وقرّاء الكتب. تحتاج الأنطولوجيا إلى تنفيذ تجاري كي تحقّق غايتها، وإلاّ، ستنحصر بالنخبوية أسوة بالمهرجان الشعري أو المكتبة. يتيح إنتاجها من قبل شركات الموديلات ارتداء القصائد قمصاناً شعرية بشكل استعراضي شعبي، وهنا، يُرى الشاعر كما قصائده كتضاريس أدبية ولونية. مُرتدي الـ’تي شيرت’ كالمنصّة أو الميكروفون، له صفة إشهارية لطالما تمناها، تتغير وظائفه متلبّساً وظائف المطبعة والموديل وشركات الإعلان، مزيحاً أدوات اشتغالها. أليس الأدب هو تغيير الوظائف والصفات السائدة، استبدال العالم المتداول؟ جمهور شعر’تي شيرت’، بصريّ، مستمع وقارئ في الآن ذاته لقصائد مرسومة حرفاً وشكلاً، كأنه في مكتبة أو مهرجان شعري بديل. يتحدث الفنان ناصر مؤنس إلى جريدة ‘السفير’ عن مشروعه: ‘فكرة جميلة إنتاج الملابس ذات الألوان الباهتة كسراً للرسمي وتشبّهاً بالمهمل، أيها المواطن، ارتدِ القميص القصيدة، بطريقة تختلف عن تلك السائدة في أسواق عكاظ والمربد.. ليس المشروع عراقياً حصراً، سيكون عربياً وعالمياً ‘.
تختلف طريقة تنفيذ شعر ‘تي شيرت’ عن معرض الفنان ناصر مؤنس في غاليري ‘رقم 9′ بهولندا حول الكتاب الفني: الكتب المعروضة هي صناديق تحفظ الحجب والأسرار، على شكل آلة أوكرديون موسيقية أو كف تنفتح ثم تنطوي. كتب حافظة موازية الرحم والتعاويذ والتمائم في سريتها ونخبويتها. بينما يرتبط ‘تي شيرت’ بالعلن وبالمظاهر الاستعراضية الشعبية. يتجلى الصندوق في عمقه وشكله، بينما يتمرأى الشعر على سطح القماش، الحياة والأدب يكمنان في باطن السطح، والقليل منهما يكمن في العمق. اللسان وحده ما يجمع التجربتين (شعر ‘تي شيرت’ ومعرض الكتب)، فعندما تنفتح أوراق الكتب وتخرج من الصندوق، تتمدّد، وتروي كاللسان، ثم تنطوي إلى الصندوق الذي هو الفم بالنسبة إلى اللسان. يوشك زمن المطبعة على الأفول لصالح اللسان، يتغيا صراعهما، الغلبة واثبات الفائدة السرمدية ، الغبن والإنصاف، الباهت والطاغي كأننا أمام إحلال واستبدال تعاقبي. ليست الملابس للستر والتجميل فحسب، إنما أدوات للكتابة. الأفكار كالموديلات، تُخاط، تُفصّل على مقياس زمن ما، ثم يتمّ تعريضها أو تقصيرها في زمنٍ ثانٍ.
-
أخبار متعلقة
-
أفضل سيارات مازدا في استهلاك البنزين لعام 2018
-
الفاخوري يعلن تبرع بنك الأردن بمليون دينار أردني لصندوق "همة وطن"
-
توفيق فاخوري يدعم صندوق "همة وطن" بمبلغ نصف مليون دينار أردني
-
شاهد لحظة سقوط الطائرة الأوكرانية بعد اشتعالها في الهواء
-
مدرسة الموقر ترسم أجمل منظر – فيديو وصور
-
مدرسة الموقر ترسم أجمل منظر
-
بـرنامـج الـوكـيـل فـي إجـازة سـنـوية
-
حفرة امتصاصية في جرش .. خطرٌ يُهدد المواطنين و يُضر السياحة | فيديو