السبت 2024-12-14 08:00 م
 

.. أن تكون قوياً

08:47 ص

في مؤتمره الصحفي السنوي قبل اسبوعين, أجاب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين رداً على سؤال حول أهمية النفقات العسكرية في روسيا, بـ»حكاية» حول طفل أبدلَ خنجر والده بعدد من الساعات, راوياً حكاية روسية معروفة, عن نجل ضابط بحري متقاعد أقرّ لوالده بأنه أبدل خنجره بساعات جديدة، فردّ عليه أبوه: هذه الساعات جيدة في الواقع.. لكن إذا جاء إلينا اللصوص غداً، لقتلي وأمّك.. واغتصاب اختك الكبرى، فإنك لن تستطيع إلاّ ان تقول لهم: مساء الخير.. الساعة 30ر12 بتوقيت موسكو.اضافة اعلان


حكاية تُلخّص الواقع العربي الراهن، بلا رتوش او محاولات لتجميل القباحات والارتكابات التي تقارفها جهات وأنظِمة وتنظيمات ومنظمات مجتمع مدني واحزاب عربية, كل بقدر ما يتوفر عليه من وسائل ومقاربات وقدرات وإمكانات وعلاقات وخصوصاً تحالفات مشبوهة او مُستجِدة..لا فرق. وإلاّ كيف يمكن لهذا الوضع البائس الذي يُخرِجنا – بل أخرَجنا – من الجغرافيا والتاريخ‘ وبِتنا «كيس ملاكمة» لمعظم شعوب العالم, على نحو غدت اسرائيل بالنسبة الينا «بُعبُعاً» يسعى معظمنا الى استرضائها والتربيت على كتفها والغمز لها بالإستعداد للسير قُدُماً مع مشروعِها الصهيوني الإستعماري الإحلالي...مقابل «رضاها», والذي يكاد معظمنا لا يحصل عليه رغم كل ما يبذله من تصريحات وما يدفعه من تحت الطاولة دولارات وشيكلات وارصدة, لا يعلم بها إلاّ «صيارفة الهيكل» الذين باعوا المسيح بثلاثين فضة وباتوا يتحكمون بالبيت الابيض والكابتول هيل ووسائل الاعلام على الساحتين الاميركية والاوروبية وعند بعض العرب, من أسف... وغضب؟

يستطيع مَن يريد ان يهجو فلاديمير بوتين, وان يقول فيه اكثر مما قاله مالك في الخمر، وبمقدور من «يغار» من ضابط الـ»KGD «السابق, ان يأخذ عليه ما يريد من اخطاء وخطايا من وجهة نظر ربما تكون مغرِضة او قاسِية او مجانِيّة في كراهية الرجل او ماضي بلاده «الشيوعي»، ومِن منطلقات ايديولوجية حاقِدة ومعروفة... اسلاموية او غرباوية او سلفية جهادية، لكن مَنْ يمتلك الجرأة على شطب او الغاء او المسّ بالاعمال العظيمة التي قدمها هذا الرجل بعزيمته وشجاعته واستشرافه للمستقبل, وخصوصاً وطنيته وشعوره العميق بالمسؤولية وحبه لابناء شعبه ورفضه المؤامرة التي حيكت في دوائر الغرب الاستعماري, وبخاصة في دوائر البنتاغون والـ»سي آي ايه» والناتو؟ وكيف لم يكتفِ هؤلاء بتقويض الاتحاد السوفياتي ومنظومة الدول الاشتراكية وحلف وارسو، بل ذهبوا بعيداً في حصار روسيا الاتحادية والاقتراب من حدودها ودعم كل المافيات وتنظيمات الارهاب الانفصالية داخل حدودها, من أجل تحويلها الى دولة تابعة من دول العالم الثالث, كما حدث في روسيا «يلتسين», وكما حاول باراك اوباما الذي لم يتردّد لوقاحته في وصف روسيا بانها «مجرد دولة من دول العالم الثالث, لا تُصدِّر للعالم سوى السلاح والنفط؟

مناسبة الحديث ليس فقط في مغزى «الحكاية» التي ردّ بها بوتين على سؤال صحافي «ملغوم»، وانما ايضاً في ان الاستراتيجية الجديدة للأمن القومي الاميركي التي أعلنها قبل ايام دونالد ترمب وضعت روسيا (والصين بالطبع) في مقدمة المخاطر «الثلاث» التي تواجهها اميركا, والتي جاءت بالترتيب على النحو التالي 1 -جهود الصين وروسيا كقوتين مُنافِستَين 2 -الدول المارقة ايران وكوريا الشمالية 3- التنظيمات الارهابية الدولية, الساعية للقيام باعمال قتالية نشطة ضد الولايات المتحدة.

الرد الصيني لم يتأخر، إذ قالت الناطقة باسم الخارجية الصينية:»... ان اي دولة او اي تقرير يشوِّه الحقائق لن يُحقق نتيجة، ونحن نحث الولايات المتحدة على وقف التشويه المتعمد للنوايا الاستراتيجية للصين, والتخلّي عن المفاهيم العتيقة.. مثل عقلية الحرب الباردة، لانها ـــ تُضيف الناطِقة ـــ بذلك تضر نفسها او الآخرين».. ولفتت الى ان «الصين لن تسعى ابداً الى تطوير نفسها على حساب مصالح الدول الاخرى»، مًستطردة.. «وهنا يكمن التحدّي والكرامة الوطنية والشعور بالثقة «.. في الوقت نفسه لن نتخلّى عن حقوقِنا ومصالِحنا المشروعة».

وبالطبع.. دون إهمال ما ورد من قرارات ذات بعد إستراتيجي وجيوسياسي دولي في قرارات المؤتمر التاسع عشر للحزب الشيوعي الصيني الذي انتهى للتو.

هذا هو مغزى ومعنى ان تكون قوياً؟ وان تتوفر على ثقة بنفسك, للقول علَناً انك لن تتخلى عن حقوقك ومصالحك المشروعة، وإلاّ ليس ثمة معنى لأي كلام او تصريحات انشائية او الاتكاء والتغني بقرارات أُممية, لا تجد طريقها الى التنفيذ ولا تكتسب اهمية تجعل منها سيفاً مُصلطاً على رقاب المعتدين وحلفائهم الامبرياليين، رغم أهمية الجانب الاخلاقي والحقوقي والمعنوي في قرارات كهذه.

في السطر الاخير تبدو روسيا والصين, إضافة الى دول عديدة لا يمتلك بعضها القوة والموارد والإرث الذي تتوفر عليه موسكو وبيجين في تحدي الهيمنة الاميركية‘ ورفض «السلام الاميركي من خلال القوة» الذي عبرت عنه استراتيجية ترمب الاخيرة، عازِمتان على مواصلة صعودهما «السلمي» الهادِف الى بناء نظام عالمي جديد, قائم على التعددية ورفض خيارات القوة والإستثناء الاميركي المزعوم، وبالتأكيد عدم القبول بعالم «القطب الواحد» الذي لم يعد بمقدور اميركا, مهما بذلت من جهود او شنّت من حروب, تكريسه إثر فشلها الذريع في ذلك المسعى الإمبريالي المكشوف, منذ انتهاء الحرب الباردة... وحتى الان.
 
gnews

أحدث الأخبار



 




الأكثر مشاهدة