بعد كل جريمة شرف ترتكب، أو حادثة اعتداء على طبيب أو معلم أو ممرض، تنطلق حملات التنديد بهذا النوع من الجرائم الخسيسة في وسائل الإعلام، وتشتعل مواقع التواصل الاجتماعي بالتعليقات المستنكرة، وتنخرط النقابات المعنية، ومنظمات المجتمع المدني المهتمة في إصدار البيانات، وتنظيم الندوات والمؤتمرات المناهضة.
وعلى المستوى الرسمي، تتخذ السلطات إجراءات قانونية مغلظة بحق مرتكبي هذا النوع من الجرائم.
في وسط هكذا 'هليلة' يتشكل لدى المرء انطباع قوي بأن حوادث من هذا النوع لن تتكرر، وأن أحدا لن يقدم بعد اليوم على مد يده على طبيب أو أستاذ مدرسة، ولن يستسهل شاب قتل شقيقته، لمجرد الشك بسلوكها. يتملكنا يقين بأن حملات تجريم الظواهر الشاذة في وسائل الإعلام ستشكل رادعا لمرتكبيها.
لكن مع تسجيل حادثة جديدة، يتهاوى هذا اليقين، ونتأكد بالدليل القاطع أننا واهمون ليس فقط حيال قدرة الإعلام في التأثير على سلوك المجتمعات، بل في استعداد تلك المجتمعات للامتثال لثقافة القانون وقيم الدولة العصرية. فلا تغليظ العقوبات حدّ من جرائم الشرف، ولا حملات التوعية وتشديد الإجراءات كفت يد المعتدين عن ضرب الأطباء والمعلمين.
وقائع الأسابيع الماضية تشير إلى ارتفاع وتيرة جرائم الشرف، والاعتداءات على الطواقم الطبية في المستشفيات، والكوادر التعليمية في المدارس. منذ يومين فقط استل مواطن غاضب سيفه وهاجم طاقم مدرسي مدرسة؛ وحطم مقتنياتها. وقبل أيام كان أكثر من مستشفى حكومي عرضة لهجمات طالت تجهيزات طبية كلفت مبالغ طائلة، وألقت بأطباء وممرضين في قسم الطوارئ.
هل حقا أن مرتكبي هذه الاعتداءات، لا يطالعون ردود الفعل الرسمية والأهلية على حوادث سابقة؟ الأرجح في اعتقادي أن كثيرين منهم قرأوا أخبارا عنها من قبل، وليس مستبعدا أن يكونوا قد أدلوا بتعليقاتهم عليها عبر صفحات 'الفيس بوك' أو وسائل التعبير الأخرى. لكنهم الأشخاص ذاتهم يصبحون بعد فترة وجيزة مادة للتعليق والتنديد لارتكابهم حوادث مشابهة.
في المقابل هناك فئات اجتماعية، لاتصلها أبدا رسائل الإعلام، ولا توصيات ندوات ومؤتمرات فنادق عمان، وتتصرف بدوافع غرائزية، عندما تواجه مواقف مماثلة لمواقف مرتكبي الاعتداءات في أقسام الطوارئ، أو عندما يبلغ أحدهم خبر تعرض ابنه للضرب على يد معلم، فيصدق رواية الابن، ويهجم على المدرسة دون وعي.
إننا إزاء ظاهرة فريدة، تتمثل في استعصاء مجتمعات على التغيير، وضعف القدرة على الاستجابة لمتطلبات حكم القانون. في المقابل تفتقر مؤسساتنا؛ التعليمية منها والصحية، لمعايير تقديم الخدمة، وشروط معدّة مسبقا ومعروفة تحكم علاقة مقدم الخدمة ومتلقيها. هل هناك قواعد عمل لأقسام الطوارئ في المستشفيات، وهل يعلمها المراجع من قبل؟ وماهو شكل العلاقة بين المدرسين وأهالي الطلاب، هل تجمعهم لقاءات دورية لتبادل الملاحظات، وتقييم أداء الطلبة، معرفة وسلوكا؟
لا أعتقد أن مثل هذه المدونات موجودة في مؤسساتنا؛ المدارس لا تقابل أولياء الأمور، إلا عند وقوع مصيبة، وأقسام الطوارئ في المستشفيات الحكومية، تفتقر لأدنى المعايير التي تنظّم علاقة المراجعين بالأطباء والممرضين، فالفوضى تحكم في كل مكان، فلا يعود هناك من مجال لتوقع ردود الأفعال.
-
أخبار متعلقة
-
أفضل سيارات مازدا في استهلاك البنزين لعام 2018
-
الفاخوري يعلن تبرع بنك الأردن بمليون دينار أردني لصندوق "همة وطن"
-
توفيق فاخوري يدعم صندوق "همة وطن" بمبلغ نصف مليون دينار أردني
-
شاهد لحظة سقوط الطائرة الأوكرانية بعد اشتعالها في الهواء
-
مدرسة الموقر ترسم أجمل منظر – فيديو وصور
-
مدرسة الموقر ترسم أجمل منظر
-
بـرنامـج الـوكـيـل فـي إجـازة سـنـوية
-
حفرة امتصاصية في جرش .. خطرٌ يُهدد المواطنين و يُضر السياحة | فيديو