الجمعة 2024-12-13 07:25 ص
 

إشكاليات ‘الفتوى والمجتمع المصري المعاصر’ في كتابين جديدين

10:38 ص

الوكيل - أصدرت وحدة الدراسات المستقبلية بمكتبة الإسكندرية العدد الثامن عشر من سلسلة ‘مراصد’ والتي تأتي بعنوان ‘الدولة والدين: إشكالية العلمانية في الفكر الإسلامي المعاصر – عبد السلام ياسين نموذجاً ـ’، والتي أعدها الدكتور عبد السلام طويل؛ أستاذ العلوم السياسية، ورئيس تحرير مجلة الإحياء بالمملكة المغربية. اضافة اعلان

وتكمن أهمية هذه الدراسة في الوعي بوجود تباينات نوعية داخل الفكر السياسي الإسلامي المعاصر نفسه، بخصوص الموقف من العلمانية وتعدد المفهوم والتصورات حولها، وابراز موقف عبد السلام ياسين، وهو مرشد لواحدة من أكبر الجماعات الإسلامية بالمغرب ‘جماعة العدل والإحسان’، وذلك في سياق نقدي مقارن.
كما تنطلق أهمية الدراسة من الوعي بتعدد أعمال ومجالات اشتغال الشيخ عبد السلام ياسين الذي وافته المنية سنة 2012؛ فهو من جهة، يمثل شكلاً من أشكال الزعامة الروحية داخل جماعته بفضل تجربته الصوفية. ومن جهة اخري، يمثل شكلاً من أشكال الزعامة السياسية كمؤسس لواحدة من أكبر الحركات الإسلامية بالمغرب، وهي حركة بقدر ما تتميز بحدية وتشدد خطابها وخطها السياسي، إلا أنها تنبذ العنف المادي وإن كانت تجيد استعمال العنف الرمزي، كما ظل يمثل واحداً من أبرز الوجوه المعارضة للنظام السياسي في المغرب.
وتبدأ الدراسة بمفهوم العلمانية لدى عبد السلام ياسين الذي يميز بين علمانيتين؛ ‘علمانية كاشفة عن أنيابها’ و’علمانية رقطاء’، محذراً تحذيراً خاصّاً من الثانية قائلاً: ‘الخطر العلماني الذي ينبغي لأهل الإيمان أن يترقبوه ويحترسوا منه أشد الاحتراس ليس العلمانية الكاشفة عن أنيابها، لكن العلمانية الرقطاء المتسربة إلى المسلمين، وهي لابسة ثوب زور. إنها علمانية ‘جغرافية الكلام’ المستقبلية التراثية المتجددة. تلك التي تمجد الإسلام وتنتقد الماركسية والإمبريالية وتتزلف للمخزون النفسي الجماهيري’.
وفي اطار جدل الدعوة والدولة: لمن الأولوية؟ يعبر عن تخوفين: التخوف الأول ‘من ذوبان الدعوة في الدولة، وانتهاكها، وتسربها في مساربها كما تتسرب قطرات الماء في الرمال العطشى. والتخوف الثاني من أن ‘تخطئ الدعوة فتحتكر السلطان وتقمع كل معارضة وتسلك سبيل الحزب الوحيد..’ لتتحمل، بذلك، أثقال ميراث الماضي وحدها، (حينما) تزعم لنفسها وللناس أنها تتقمص آمال الشعب وتعكس إرادته وتنطق باسمه من دون الناس جميعاً’.
ورغم تأكيده أن ‘الإسلام دولة ونظام حكم’، وأنه ‘لا يستقيم أمر المسلمين بلا نظام حكم’، فإنه يؤكد أن الله إنما بعث رسله ‘عليهم السلام’ لشأن عظيم؛ بعثهم لهداية الخلق إلى طريق مستقيم.. طريق السعادة الأبدية’. فمقصد الهداية والرحمة والتبشير بحقائق الآخرة إذن له الأولوية على أي اعتبار وقبل كل نظام’.
وتتناول النقطة الثانية في الدراسة ‘الاجتماع السياسي الإسلامي’ كما يعكسه الفقه السياسي لعبد السلام ياسين الذي لا يخفي- من البداية – أنه يسعى ‘لإقامة حكم إسلامي.. حكم يؤسس نظاماً اقتصاديّاً سياسيّاً أخلاقيّاً إنسانيّاً متجدداً بتجدد إيمان المسلمين، فاعلاً ناجحاً في إقامة صرح الإسلام من ركام الخراب الديني والمادي والنفسي الذي يعانيه المسلمون من جراء هزيمتهم التاريخية: ‘أمام ما ينعته بـ ‘الغزو الجاهلي الشامل الذي تتمثل صيغته الحالية في حقائق العولمة’.
وهو ما لن يتحقق – من وجهة نظره – إلا من خلال إعادة التركيبة النفسية والاجتماعية التكافلية، السياسية والفكرية للمجتمعات العربية الإسلامية التي لا زالت تعيش في أتون أزمة حضارية عميقة لا يمكن تجاوزها بـ’حداثة رثة وديمقراطية هجينة’، وإنما بتصالح بين فئات المسلمين على توبة جماعية إلى حقائق الإسلام وعدل الإسلام وشورى الإسلام.
كما لا يجد، عبد السلام ياسين، أي تناقض في الجزم أنه ‘ليس من شأننا قبل وصولنا للحكم وبعده أن نصنف الناس في حزب الشيطان إن خالفونا، ما داموا لا يجهرون بعدائهم للدين، ولا يسخرون من شرع الله، ولا يتطاولون إلى المشاركة في حملة الكافرين على الإسلام وشريعته’.
كما تعرض الدراسة موقف عبد السلام ياسين من الحاكمية والجاهلية، والتصوف والعرفان، وموقفه من الثقافة والحضارة، وموقفه من الديموقراطية.
وفي خاتمة الدراسة يقول الكاتب ‘نقف على مدى الطبيعة العقائدية المنغلقة والإقصائية للمشروع السياسي لعبد السلام ياسين، الذي لا تنفك السياسة فيه عن الدين ولا الدعوة عن الدولة بحال، وهو ما يتضح بجلاء من خلال تصوره لبنود ميثاق ‘جماعة المسلمين’ التي سنكتفي بالإحالة إلى أهمها كما جاءت في كتاب ‘العدل’ دون أي تحوير. ومما أضفى على هذا المشروع المزيد من التشوش والتناقض، تداخل مستويات الخطاب في بنيته؛ ما بين نزوع صوفي عرفاني، ونزوع سلفي من خلال التشديد على الانتساب إلى أهل السنة والجماعة، ونزوع سياسي حركي عبر تبني مشروع سياسي لا يخفي سعيه الهيمنة على الدولة والمجتمع′.
كما لم يكتف عبد السلام ياسين بتجاهل القراءات المنفتحة من داخل منظومة الفكر السياسي الإسلامي كما رأينا مع كلٍّ من محمد مهدي شمس الدين، وراشد الغنوشي وعبد الوهاب المسيري ومالك بن نبي.. وغيرهم كثير، وإنما عمد إلى التبخيس من قيمة وأهمية بعض الاجتهادات الأكثر توازناً وموضوعية واستقلالية. ويتعلق الأمر تحديداً بموقفه غير المسئول علميّاً من تصور محمد عابد الجابري من إشكالية العلمانية؛ نظراً للاعتبارات التالية: أولا؛ تجاهله لإيراد اسمه وهو من هو في مجال المعرفة والفكر. ثانياً؛ عدم إيراد موقفه كاملاً وموثقاً حتى يكون القارئ على بينة من أمره.
وفي النهاية يعترف الكاتب انه بالرغم أن الخطاب السياسي لعبد السلام ياسين قابل لقراءة انتقائية من شأنها أن تجتزئ نصوصاً تبرزه مناصراً للديمقراطية، وما يتصل بها من تعددية، ومعارضة، وتداول على السلطة، وإقرار بحقوق الإنسان؛ فإنه بشيء من التمحيص يتضح أن كل ذلك محكوم ببنية عقائدية أيديولوجية أرتودوكسية لا تطيق تعددية ولا اختلافاً ولا معارضة، ولا تداولاً للسلطة، بل ولا حقوقاً للإنسان خارج مرجعيتها الصارمة القائمة على مفهوم ‘الحاكمية’ و’الولاية’ و’المواطنة القلبية’ و’الوطن الإيماني المشترك’، بعيداً عن روح صحيفة المدينة التي أسست لتعاقد سياسي مدني اعترف باليهود والمسلمين باعتبارهم أمة من دون الناس.

إشكاليات الفتوي في المجتمع المصري المعاصر :
في الوقت نفسه أصدرت وحدة الدراسات المستقبلية العدد السابع عشر من سلسلة ‘مراصد’، تحت عنوان ‘الفتوى والمجتمع المصري المعاصر’، من إعداد ‘د.مجدي محمد عاشور’، المستشار الأكاديمي لمفتي الديار المصرية، وعضو لجنة الفتوى بدار الإفتاء المصرية.
يقول المؤلف في مقدمته : تبوأت الفتوى مكانة رفيعة منذ ظهور الإسلام وإلى هذا اليوم، وما يؤكد هذه المكانة أن الله قد نسب الفتوى إليه وتولاها بنفسه؛ حيث قال تعالى:)وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ( [النساء: 127]، كما ورد بالسنة النبوية في مواضع كثيرة منها: أن الصحابة كانوا كثيرا ما يسألونه -صلى الله عليه وسلم- عما كان يشغلهم في أمور دينهم ودنياهم فيفتيهم، ومن أهم الأقطار التي فتحها الصحابة مصر- كنانة الله في أرضه- التي ظهرت فيها حركة فقهية قوية منذ العام الأول من الفتح الإسلامي لها ثم تباعا تطور ونما الفقه الإسلامي في مجالات الإفتاء والتدريس والقضاء، حتى أصبحت مصر مركزاً علميّاً مميزاً يشد إليه طلبة العلم الرحال من كل أنحاء المعمورة لينهلوا منه.
وهذا البحث يبيِّن مدى تأثير الفتوى في المجتمع المصري المعاصر، انطلاقا من الحديث عن ماهية الإفتاء ومكانته، وذلك في المبحث الأول، وهو بعنوان: مفاهيم الفتوى وأحكامها، وهذا المبحث يشتمل على ثلاثة مطالب: المطلب الأول: مفاهيم الفتوى، والمطلب الثاني: أحكامها، والمطلب الثالث: مكانتها وأهميتها، ثم يأتي الحديث عن المجتمع المصري من حيث ما يقصد به، وما خصائصه وسماته التي يتميز عن الشعوب الأخرى في المبحث الثاني، وهو بعنوان: المجتمع المصري المعاصر، وبه مطلبان هما: المطلب الأول: المقصود به، والمطلب الثاني: سماته.
وبعد ذلك يتكلم البحث عن تأثير الفتوى في المجتمع المصري مستشهد بنماذج فتويه في مجالات مختلفة يشتمل عليها المجتمع المعاصر، وذلك في المبحث الثالث وعنوانه: أثر الفتوى في المجتمع المصري المعاصر، وفيه مطلبان هما: المطلب الأول: طبيعة الفتوى في المجتمع المصري، والمطلب الثاني: آثار الفتوى في المجتمع، ويتضمن الآتي: أولاً: الآثار السياسية، وثانياً: الآثار الثقافية، وثالثاً: الآثار الاجتماعية، وهي تشتمل على عنصرين: أولاً: الأسرة، وثانياً: العادات والتقاليد، ثم رابعاً: الآثار الاقتصادية، وخامساً: أثر الفتوى في تحقيق الأمن الفكري.
ثم رأينا بعد ذلك التطواف بين تلك المفاهيم والأحكام للفتوى وتأثيرها المباشر وغير المباشر على تدين الشعب المصري والمحافظة على هويته، التي تتمثل في تدينه الوسطي المعتدل، بأن نقترح مقترحات مفيدة تشارك في صنع مجتمع مصري رشيد مستقبلا، وذلك في المبحث الرابع.
وفي نهاية هذا البحث بهذا المبحث، فيه خاتمة يذكر فيها أهم النتائج التي جاءت في هذا البحث.
وفي البحث سيلاحظ من خلال مراجعة نماذج الفتوى المستشهد بها في أثناء البحث على تأثير الفتوى في المجالات المختلفة للمجتمع المصري المعاصر أنها فتاوى صادرة من جهات رسمية مثل: دار الإفتاء المصرية، ولا يُفهم من ذلك تحيز أو تعصب، وإنما تم ذكرها للأسباب الآتية:
ان منهجها هو منهج الأزهر الشريف المتمثل في الإسلام الوسطي المعتدل.
لديها خبرة متراكمة في مجال الإفتاء الشرعي؛ حيث إنها تعد من أولى دور الإفتاء الشرعي في العالم إنشاءً.


 
gnews

أحدث الأخبار



 




الأكثر مشاهدة