الجمعة 2024-12-13 07:30 ص
 

إصلاح الـ"NGOs"

07:42 ص

تقول مجموعة من السيدات الناشطات في مجال العمل العام، والمتابعات بشكل حثيث لنشاط الجمعيات الخيرية، إن الانتهاكات التي تقع على أموال هذه الجمعيات تكاد تكون بلا حدود، لكنها تتمتع مع ذلك بـ'ميزة' ضخمة، تتمثل في أن القائمين على هذه الجمعيات لا يخضعون للمساءلة والمحاسبة.اضافة اعلان

وثمة انطباع بأن التمويل الأجنبي والمحلي الذي تتلقاه الجمعيات الخيرية، وأُنفق على مدى عقود، إنما ضاع هدرا! وهي نتيجة مطابقة لمخرجات الإنفاق العام الذي ضيعته الحكومات من دون تحقيق نتائج تذكر على صعيد الأهداف التي سعت إليها. لكن الفرق هنا أن الحكومات طالما جُلدت على تقصيرها من قبل الرأي العام والإعلام أيضا، وحتى من قبل مؤسسات المجتمع المدني المدانة بالتهمة ذاتها.
الأموال التي تحصل عليها مؤسسات المجتمع المدني، أو الـ'NGOs' كما يحلو للقائمين عليها تسمية أنفسهم، لا تقل أهمية عن المال العام، ويفترض أن تخضع لذات معايير الرقابة والمحاسبة.
فالهدر كبير في هذه الأموال، غير الحكومية فعلاً، إنما ليست الخاصة في المقابل. إذ يذهب جزء كبير منها، للأسف، لتحقيق مكتسبات خاصة، بعد أن أمسى عدد كبير من الجمعيات مجرد 'مصلحة عائلية'، بحيث تتوسع في بعض المؤسسات لتشمل العائلة؛ فتجد الأب والأم والأخ ضمن دائرة المستفيدين من المنافع!
اليوم، تتوفر أرقام جديدة تؤشر إلى الخلل الكبير في توجيه هذه الأموال. إذ تكشف معلومات وبيانات وزارة التنمية الاجتماعية المسجل تحت مظلتها 3800 جمعية خيرية محلية وأجنبية، أن التكاليف الإدارية للمشاريع تتراوح بين 30-40 % من التكلفة الإجمالية للمشروع، فيما النسب المقبولة عالميا لا تتجاوز نسبة 15-20 %.
أغلب الظن أنه لا توجد أرقام تحدد قيمة الأموال التي تحصل عليها الجمعيات، ومن ثَمّ يصعب تقدير الفاقد أو الفاسد/ المفسد من هذه الأموال. بيد أن الأرقام تظهر أن ثمة سخاء غير مبرر من قبل الدول المانحة تجاه هذه الجمعيات. إذ كيف يستوي أن تحصل جمعية واحدة على مبلغ 26 مليون دينار لإنشاء مساكن للاجئين، فيما موازنة الوزارة ذاتها لا تتجاوز 1.5 مليون دينار؟! وهو ما يطرح مسألة مهمة تتعلق بضرورة توجيه الأموال للأهداف التي تخدم الخطط العامة للبلد.
ثمة خطوة إصلاحية تسعى وزيرة التنمية الاجتماعية ريم أبو حسان، إلى تحقيقها للحد من التطاول على أموال هذه الجمعيات، وتتمثل في وضع أساس جديد لعمل الجمعيات الخيرية. والغاية نبيلة حتماً، هي إدراك أن أموال الجمعيات ليست ملكية خاصة للأشخاص القائمين عليها، يمكنهم التصرف بها تبعا لرغباتهم.
نسبة كبيرة من أموال هذه الجمعيات تضيع بإنفاقها في غير نفع بأحسن الأحوال. وما يحدث مرتبط بإدارة الدول المانحة لأموالها؛ إذ ما تزال تعتقد أن الإنفاق المباشر مع هذه الجمعيات أكثر جدوى من المرور عبر الجهاز الحكومي، لكنّ الواقع والنتائج يقولان أن لا فرق بين الحكومة أو الجمعيات.
ليس مبالغة القول إن ما تحاول وزارة التنمية القيام به إنما يمثل ثورة، أو أقلها خطوة إصلاحية كبيرة، إن تمت وحققت النجاح، خصوصا ما يتعلق بتوجيه هذه الأموال وضبط قيمة التكاليف الإدارية عند حدود المعايير العالمية.
القصة ليست عداء للتمويل الأجنبي، بل رفض للتشوهات الكبيرة التي تشوبه، بما يستدعي فرض الرقابة على هذه الأموال؛ فهي من حقوق الأردنيين التي يفترض أن تُحدث فرقا في حياتهم، وأن تؤدي دورا يتجاوز فكرة الـ'باور بوينت' والمحاضرات والمؤتمرات والندوات التي لم تساعد على تقليل الفقر والبطالة، ولم تحسّن في حياة النساء والأطفال خصوصاً، بحيث صار ما يحدث في غالبية الجمعيات على الأقل، أبعد ما يكون عن العمل الخيري، وليس أكثر من باب رزق أو متاجرة. إذ يأتي المال وينفق على من يديرونه، من دون أن يلمس الناس فرقا، مع أنه باسمهم وبدعوى احتياجاتهم، تم الحصول على التمويل!
الكلام سيغضب 'المتكسبين'، ويواجه ممانعة لا حدود لها، لكن هذه هي الحال دائماً في مواجهة الإصلاح أينما كان.


 
gnews

أحدث الأخبار



 




الأكثر مشاهدة