السبت 2024-12-14 10:11 م
 

إعادة الاعتبار للمؤسسات الدينية في مواجهة الإرهاب

07:52 ص

تحتاج الحرب على الارهاب الى منصات دينية راسخة تحظى بموثوقية شعبية، تستطيع مخاطبة الجمهور العريض وتحديدا البسيط منه والذي يتم التغرير فيه بسهولة، وتستطيع بالتوازي مقارعة منظرّي التطرف وجبابرة الخوارج الفكريين، ومعلوم ان الارهاب وتنظيماته يحتاجون الى منظرين من طراز رفيع - وهم قلّة على اي حال لكنهم محترفون في الحوار وايجاد الاسباب وليّ عنق النص وتسفيه الآخر – ويحتاجون الى دهماء يتم غسل عقولهم بفتاوى دينية تفتح لخيالاتهم الوصول الى كل ما تشتهي الأنفس من مسرّات وأموال ونساء وغلمان .

اضافة اعلان


الحرب على هذا المستوى اكثر مستويات الحروب شراسة، لأنها حرب بالكلمات، وهذه ادهى الحروب، بالكلمات يغريك خصمك حتى يغويك ويوقع بك، يطربك فيشّل فيك قدرة العقل على النقد، فتستسلم اذاك لمنطقه، وهكذا حدث، فاي حوار مع مغسولي الدماغ من اتباع الخوارج على اختلاف تنويعاتهم واسمائهم يوصلك الى طريق مسدود، فالكلمات سمعها عسلا وخمرا، من فم منظر ملهم في التعبير وطليق اللسان بمفردات السنة والقرآن، رسم له بالكلمة اجواء ساحرة دفعت بصاحب العقل المحدود الى الجلوس مع الحورية وشرب الكأس من يدها، فنسي الحزام الناسف على جسده وركض كي يعانقها العناق المستحيل .


في مواجهة الكلمة المارقة والمتحللة من اي قيد، تقف المؤسسة الدينية الرسمية او شبه الرسمية مكبلّة بقوانين جامدة وتبعات اخلاقية وادوات قديمة، والاخطر من كل ذلك، الصورة الذهنية التي تشير بأنها غير مستقلة في أحسن الاحوال او تابعة للسلطان كما هو السائد والذي نجحت القوى السياسية الدينية في تكريسه في اذهان الرأي العام وصار مستقرا في وجدان الدهماء، ففقدت المؤسسة الدينية الرسمية شرعيتها ومشروعيتها، وتم الطعن في شخوصها ومخرجاتهم، واسهمت الحكومات في تشكيل هذا الانطباع بل وكرّست جهات رسمية الصورة المهتزة للمؤسسة الدينية وشخوصها باستبعادهم عن المشهد العام، الا في المواسم الدينية ومراسم التهنئة .


ابرز اسلحة الحرب التي يجب ان تمتلكها تلك المؤسسات هي الاستقلالية وعدم توريطها بالربط في العمل الحكومي ومنحها كل المحفزات للابداع والابتكار واعادة قراءة الموروث الديني والنصوص التفسيرية بعين الاكاديمي وليس بعين السياسي وابعادها عن تسليف المواقف الشرعية في مواجهة الخصومات السياسية بين الحكومات والمعارضة، فإدخال الديني في الخلافات السياسية عقيم وضار وينزع الهيبة كما هو دخول الديني في العمل السياسي، فالمرجعية الدينية حين تتورط في السياسة يسقط عنها وقار العلماء ورصانة الاكاديمي، ولذلك وجب فصل الدعوي عن السياسي وبات لزاما الغاء الانتساب الى الدين في العمل السياسي من الاسم الى آخر سطر في البرنامج السياسي للأحزاب بعد ان حسم الدستور دين الدولة .


وبما اننا نتحدث عن منظومة الامن بالشق الأمني والمؤسسات الامنية، فيجب توسيع البيكار او الفرجار ليشمل الحوزات والمؤسسات الدينية لتكون ضمن منظومة الامن الشامل ويربط تعيينها بالملك او يجري تحصينها من العزل، حتى تخرج من دائرة التجاذب السياسي، وأعني دائرة الافتاء، حتى يتسنى لها العمل بحصانة علمية والاستعانة بالاكفياء من العلماء والمجتهدين من الباحثين دون خوف من ماضوي جامد او الوقوع تحت تأثير سياسي حاقد او فاسد، وان تتصدى دائرة الافتاء الى مراجعة النصوص البشرية القديمة والحديثة وأن تنطلق كليات علوم الاجتماع والشريعة والسياسة الى فضاء مفتوح في الابحاث والدراسات .


البقاء في دائرة الأسر والرعب، لنقد السائد الديني، يضعنا في نفس خانة الفكر الظلامي الذي ننتقده بل يكون هذا الفكر قد نجح تماما في جرّنا للتفكير بمنطقه وادواته او الى اللعب في ملعبه، فنخسر الحرب لعدم وجود حد معرفي فاصل بين الفكر الناقد والفكر المنقود.


 
gnews

أحدث الأخبار



 




الأكثر مشاهدة