الأربعاء 2024-12-11 09:43 م
 

ابحث عنهم يا دولة الرئيس

02:25 م

لكل إنسان هوية يعتز بها ويفاخر، هذه الهوية تعبّر عن وجود الإنسان وتميزه، وربما كان للفرد هويات عدة، فقد يكون أردنيا، عربيا، مسلما، من الصّريح (شمال الأردن)، من عائلة كذا. فكل مفردة فيما سبق تشكل هوية للفرد، وهو يعرف نفسه بالهوية التي يختارها، ويشعر أنها تعبر عن كيانه ووجوده. ومن خلال الهوية التي يختارها الإنسان نستطيع أن نحدد ميوله، فمن يعرف نفسه بـ (الأردني) يهتم بالجانب الوطني، ومن يعرف نفسه بـ (العربي) أو (الشركسي) أو (الكردي) يهتم بالجانب القومي، ومن يعرف نفسه بـ (المسلم) أو (المسيحي) يهتم بالجانب الديني أو الروحاني. ومن يعرف نفسه بأنه من قرية كذا، يهتم بالجانب المناطقي، ومن يعرف نفسه أنه من عائلة كذا، يهتم بالجانب العشائري، وهكذا.اضافة اعلان

وبناء على ما سبق، إذا شعر الإنسان بتهديد لهويته كان على استعداد أن يخوض حربا لا هوادة فيها، لأن تهديد الهوية هو تهديد للوجود بحد ذاته بالنسبة للإنسان، وربما يفسر هذا كثيرا من النزاعات القبلية أو المذهبية أو الدينية، حيث يتم الاستغلال والتوظيف السياسي لهذه الهويات لإنشاء صراع أو نزاع بين الأطراف، يخسر فيه جميع المشاركين حاشا أهل السياسة الذين ينتفعون من هذه الصراعات ماديا ومعنويا. لذلك يحرص فريق من السياسيين على إذكاء مفهوم الهوية والهوية المضادة، وإشعار الناس بتهديد الهوية المؤدي إلى هاوية الانقراض، مثل هؤلاء يصح أن نسميهم بملوك الطوائف.
في أي بلد مختلط من اليسير على السياسي أن يلعب بهذه الورقة الرابحة له، والتي يخسر فيها الوطن والمواطن، وعلى سبيل المثال، بلد ما يسكنه سنة وشيعة، ككثير من بلادنا العربية والإسلامية، يشعر السياسي (السني) طائفته (السنية) بخطر الشيعة والتشيع، وأن وجود الشيعة يشكل خطرًا على الوجود السني. وكذلك يفعل السياسي (الشيعي)، فيحذر طائفته (الشيعية) من السنة ومنهجها، ويصور لهم أن وجودهم معنا يشكل خطرا على وجودنا، ويهدد هويتنا. علما أنك ستجد أن السياسي السني أو الشيعي، أبعد الناس عن التدين والاهتمام بالشأن الديني، ولربما مارس الفواحش ما ظهر منها وما بطن، ولا يشغل الدين أي حيّز من تفكيره، لكن الهدف أن يفوز بزعامة الطائفة، ولن يتحقق هذا إلا في ظل خلق صراع مع الطائفة الأخرى، وتهديد الهوية لا يسمح للناس بفرصة للتفكير والتدبر والتأمل، حيث سيلتفون حول هذا الزعيم الطائفي حرصا على وجودهم، ويعلنون العداوة للطائفة الأخرى محافظة على هويتهم، ويبدأ الصراع.
والأمثلة كثيرة في بلادنا العربية وفي العالم كله، فليست المشكلة في الأديان أو المذاهب أو الأعراق أو الألوان، المشكلة الحقيقية في فريق من السياسيين لا يحقق مآربه إلا على الفتنة والحرب وأشلاء الوطن الممزق. فما الحل إذن؟
الحل يكمن في الانصهار تحت هوية وطنية جامعة، في دولة تقيم موازين الحق والعدل، لا تميّز بين الأفراد بأي شكل من الأشكال، وتضمن للجميع حقوقه، وتطالب الجميع بأداء واجباته.
ونجد أمثلة كثيرة على ما سبق، ففي الدول المتحضرة والمتقدمة، تعلو راية القانون، فالقانون يطبق على الجميع، الرئيس قبل المرؤوس، لا وجود للاستثناء، يكرم المحسن، ويعاقب المذنب، بغض النظر عن أي هوية يحملها أو يقدمها، فالدولة هي ضامنة للجميع، ولا خوف من أحد على أحد، وهي صمام الأمان للجميع، لذلك يحرص المجتمع على المحافظة عليها، وبمثل هذا تقوم الدول. فتعدد الهويات في دولة القانون التي تحفظ حقوق الجميع، يتيح الاستفادة من هذا التنوع والتعدد، ويجعله مصدرا للإثراء الثقافي والمعرفي والمادي والإنساني، والسلم المجتمعي.
أما إن تخاذلت الدولة عن القيام بواجبها من تحقيق العدل والمساواة للجميع، فسيتصدّر ملوك الطوائف المشهد، ومن خلال استغلال الشعور بتهديد الهوية، سيستغلون أبناء الطائفة ليمارسوا العنف ضد الآخر، ويعملون جاهدين على إقصائه والتمييز ضده، لتنشأ حرب ضروس، يموت فيها الناس، ويهلك الحرث والنسل، وتكون الخاتمة، إثراء السياسي من هذه الحرب، واكتسابه لقب المناضل أو الزعيم، ومساهمته في إدارة البلاد بالمحاصصة.
تعدد الهويات سيف ذو حدين إما أن يساهم في عمارة البلاد وتحسين أحوال العباد، وإما أن يكون شرارة حرب يسهل إشعالها في أي لحظة، وصمام الأمان من ذلك وجود دولة القانون والمؤسسات، التي تضمن الحريات للجميع، وتعمل على الحفاظ على النظام الديموقراطي، والتداول السلمي للسلطة، والأمن والسلم المجتمعي.


 
gnews

أحدث الأخبار



 




الأكثر مشاهدة