الأحد 2024-12-15 12:36 ص
 

اتفاق على التنزيل واختلاف في التأويل

10:35 ص

قديما قيل: لا تكف الثيران عن التناطح والتزاحم حتى وهي على بوابة المسلخ.
كل الأطراف المتقاتلة عبر التاريخ الإسلامي، التي سالت الدماء بينها انهارا، ادعت انها على حق وانها تستند الى القرآن والسنة !!اضافة اعلان

نتأمل مقتل الصحابي عمار بن ياسر، اقرب أصحاب الرسول الكريم واعزهم عليه، واول سبعة اظهروا اسلامهم، في معركة صفين التي دامت قرابة 100 يوم، بين جيشي علي بن ابي طالب كرّم الله وجهه ومعاوية بن ابي سفيان.
قَتل أبو الغانية الجهني من جيش معاوية، عمارَ بن ياسر، الصحابيَ ذا التسعين عاما، الذي قال فيه الرسول «تقتلك الفئة الباغية»، فارتعب عمرو بن العاص، ابرز رجالات معاوية وأدهى العرب، وهرع اليه معربا عن خوفه من انفضاض المسلمين عن جيشه، بعد ان قتل جيشُه عمارَ بن ياسر، فحقّ عليه وصفُ الفئة الباغية.
قال معاوية لعمرو: انك شيخٌ اخرق، انما قَتلَ عمارا، من القى به الى التهلكة. وعليٌ هو من القى به الى التهلكة، فعليٌ اذن هو من يقود الفئة الباغية !!.
تم الالتفاف على نبوءة الرسول الكريم- تقتلك الفئةُ الباغية- وجرى تحويرها وتفسيرها وفق هوى الطرفين المتقاتلين، وما يخدم خطابهم الدعاوي وحججهم، وخُدِع المسلمون بكلا التفسيرين المتناقضين، ولم يتبينوا من هي الفئة الباغية حتى اليوم.
قتل في معركة صفين التي وقعت سنة 657 ميلادية نحو 70 الفا من المسلمين، (الرقم ليس متفقا عليه) والمثير هو ان أفراد الجيشين المتقاتلين في صفين، الذين كانوا يقرأون نفْسَ القرآن ويتوجهون الى نفس القِبلة ويرفعون نفس الأذان، كانوا طول الليال يقرأون القرآن، ويرفعون صلواتهم الى السماء، يصلّون ويدعون الله ان يمكّنهم من رقاب الطرف الآخر!!
كان يقود احد الجمعين معاوية بن ابي سفيان الذي قال: لو كان بيني وبين الناس شعرة لما انقطعت !! و ثبت ان قولته تلك هي شعار مراوغ مفرغ من المضمون. فقد انقطعت الشعرةُ وانقطعت معها سبعون الف رقبة.
ومعروفة حكاية السلطان الذي تولّعَ بالباذنجان وكان شاعره يُدبّج القصائد في منافع الباذنجان ويتغزّل بشكله الاسطواني وبطعمه اللذيذ، الى ان جاء يوم عاف السلطانُ فيه الباذنجانَ وتوقف عن تناوله، فاخذ الشاعر يدبّج القصائد في مضار الباذنجان. فقال له الناس كيف بين ليلة وضحاها، تمدح الباذنجان ثم تذمه ؟!
فقال متهكما: يا قوم انا شاعرُ السلطان ولستُ شاعرَ الباذنجان.
ورغم ان الحرم القدسي الشريف في احلك ايامه، يتذابح «المسلمون»، وهم مدججون بفتاوى السلاطين، الذين يسوّغون لكل فصيل، القتلَ والجريمةَ والضلالَ والإرهابَ والغلوَّ، ويبررون القاء الشباب الى التهلكة، ويبررون إرجاء الاهتمام بالقدس الى زمن الأعور الدجال !!.
في الباكستان قتل خلال السنوات الماضية بالتفجيرات الانتحارية وبالمعارك العبثية اكثر من 50 الفا. وفي أفغانستان قاتل «المجاهدون» العرب، تحت إمرة «السي آي ايه» ضد «العدو السوفياتي»، وانفقوا عشرين مليار دولار على تلك الحرب التي لم تكن حربنا، مهملين العدو الصهيوني الذي هو اخطر واقرب.
وفي سوريا، اقترب عدد ضحايا الصراع العبثي، الذي لا غالب فيه ولا مغلوب، والذي سينتهي ببوس اللحى بين العرب، وتقاسم النفوذ بين الدول الكبرى، من 400 الف قتيل.
وشهد العراق مذابح مذهبية ضارية. وفي ليبيا دارت وتدور معارك، اين منها معارك التحرير التي خاضها الشعب الليبي الحبيب ضد الاستعمار الإيطالي بقيادة المجاهد الحقيقي عمر المختار. وفي اليمن ذبحٌ على الهوية وتفجيراتٌ على المذهب.
لقد اتفقنا على التنزيل واختلفنا على التأويل، ولذلك لم يتم تحديد من هي الفئة الباغية، رغم مرور اكثر من 14 قرنا على كارثة صفين، ما دام مفتي السلطان وشاعر الباذنجان، يحللان ويحرمان، حسب الهوى لا حسب القرآن.
 
gnews

أحدث الأخبار



 




الأكثر مشاهدة