اعتاد العرب عند نشوب طارئ ما يهم أمر العامة منهم, أن يعقدوا اجتماعا للتشاور و استمزاج الآراء و الاستماع لوجهات النظر المختلفة, لعل و عسى أن يصيب أحدهم رأيا يحمل لهم من خلاله طوق النجاة للتغلب على ما هم فيه من حيرة أمرهم.
يحكى أن أحد القبائل قديما كانت تتعرض لمضايقات متكررة من أفراد أحد العصابات التي كانت سائدة في عصرهم, فتارة تهاجمهم و تقلق مضاجعهم, و أخرى تعتدي على مواشيهم و بساتينهم, فتسلبهم إياها و تفسد زرعهم, و بسبب شدة بطش تلك العصابة و سطوتها و استمرار أذاها... اقترح أحد المقربين من شيخها إشراك أكبر عدد ممكن من أفراد تلك القبيلة باجتماعهم القادم, و عدم استثناء أي منهم... و بالفعل تم توجيه الدعوة لصغيرهم قبل كبيرهم, حيث كانت الإجتماعات في السابق محصورة بعدد محدود من المقربين و أصحاب الحظوة لدى الشيخ, و الذين عادة ما كانت قراراتهم تجاه سبل الرد على تلك العصابة متحفظة نوعا ما, لأسباب غير مقنعة لم تكن تشفي غليل و طموح أعضاء القبيلة من المتحمسين.
و بالفعل بدأ الإجتماع هذه المرة, و بدأت الإقتراحات بكيفية رد الأذى تنهال على الشيخ كبير الجلسة:
الصغير: مندفع و متحمس و له رأيه...
الكبير: غير معتاد على هذه الأصوات التي بدا و كأنه يسمعها لأول مرة...
بعض المهمشين: وجدوا أن في هذا الإجتماع فرصة للظهور و الكلام قد لا تتكرر...
آخرين: حاقدين على السياسات و القرارات القديمة, و تواجدوا فقط من أجل المعارضة...
آخرين: تفاجئوا بأن بهجة حضورهم و تألقهم ضاعت بسبب كثرة الموجودين و استواء الجميع بفرصة سرد آرائهم للبت في نفس الموضوع.
آخرين: حضروا فقط من أجل التسلية..!!
آخرين: الصدفة فقط هي التي قادتهم لهذه الجلسة..
و بسبب عدم وجود خبرة كافية لدى معظم أهل القبيلة و عدم اعتيادهم على إدارة اجتماعات من هذا النوع, إضافة إلى نوعية الحضور الذي كان عشوائيا و غير متجانسا من ناحية الأهداف و النوايا ... بدأت الأصوات تتعالى شيئا فشيئا, حتى أصبح بالإمكان سماع ضجتها من مسافة بعيدة, و اختلطت الآراء, و ذابت الإقتراحات في مستنقع الفوضى, و تحولت من جمل مفيدة إلى مجرد أصواتا مزعجة متكررة غير معروفة المصدر, و بات المكان أشبه بساحة مليئة بتلك الآلات و المعدات التي تستخدم في الانشاءات الكبرى, و لا تصدر إلا ضوضاءا, و لا تحدث إلا تعكيرا للجو و انعداما للرؤية عند تحركها.
و بقي الموجودين على هذا الحال حتى لم تعد تفهم لهم لغة, و لا تعرف لهم موضوعا, و كلما انخفض صوت, علا آخر, دون كلل أو ملل, و كأن المار بهم سيتخيل أي شيء عند رؤيتهم, عدا أن تلك اللمة معقودة ( للإتفاق ) على أمر ما.
و فيما هم فيه و فجأة... بدأت أصواتهم تنخفض أولا بأول بالتزامن مع ملاحظتهم لحركة رجل عجوز طاعن في السن تجاوز الثمانين من عمره, يتقدم بحركة بطيئة نحو منتصف الجلسة هاما بالخروج.. و كان هو الوحيد الذي لم يدل برأيه و لم يسمع له صوت منذ بداية اجتماعهم.. و عندها صاح أحدهم: إلى أين أنت ذاهب, و كيف ستغادرنا بدون أن تسمعنا رأيك, ألا يوجد عندك ما تقوله؟!.
العجوز: بلا.
الحضور: تفضل أيها العجوز.
العجوز:( وبعد أن استجمع قواه و ضرب بعصاه التي يتكئ عليها الأرض بغضب , صاح بصوت متعب متحاملا على شيخوخته متناسيا ضعف قوته): عليكم اللعنة جميعا... اللعنة على كل من تكلم... و على كل من لم يتكلم.!!
الحضور ( و باستغراب شديد ): و كيف يكون ذلك؟!.
العجوز: اللعنة على كل من تكلم, و كان الأولى به أن يبقى صامتا...و اللعنة على كل من بقي صامتا لم يتكلم, و كان عليه وجوب الكلام.
و بعد هذه الإجابة و الكلام غير المتوقع, و عدم نجاحهم بالوصول لنتيجة , تابع العجوز خروجه, و انصرف الناس من بعده بصمت و يأس مركز هذه المرة أكثر من سابقاتها.
... أما السؤال الذي يطرح نفسه الآن: ماذا حل بتلك العصابة؟
الجواب: تطورت أعمالها و اتسعت رقعة نفوذها لتشمل قبائل أخرى في البلدات المجاورة
[email protected]
أسامة محمد الخزاعلة
-
أخبار متعلقة
-
أفضل سيارات مازدا في استهلاك البنزين لعام 2018
-
الفاخوري يعلن تبرع بنك الأردن بمليون دينار أردني لصندوق "همة وطن"
-
توفيق فاخوري يدعم صندوق "همة وطن" بمبلغ نصف مليون دينار أردني
-
شاهد لحظة سقوط الطائرة الأوكرانية بعد اشتعالها في الهواء
-
مدرسة الموقر ترسم أجمل منظر – فيديو وصور
-
مدرسة الموقر ترسم أجمل منظر
-
بـرنامـج الـوكـيـل فـي إجـازة سـنـوية
-
حفرة امتصاصية في جرش .. خطرٌ يُهدد المواطنين و يُضر السياحة | فيديو