الجمعة 2024-12-13 12:57 م
 

احتفاء بالذاكرة المسرحية وبحث متواصل لملء الفراغات التأريخية

02:10 م

الوكيل - كانت المداخلات التي قدمت في ندوة ‘همزة وصل’ حول المسرح المغربي في دورتها الثانية إعادة قراءة للذاكرة المسرحية، وإعادة تحديد بعض الإشكالات المتعلقة بالممارسة المسرحية، من منطلق الإيمان بأن الاحتفاء بالذاكرة المسرحية المغربية يتطلب بحثا متواصلا لملء الفراغات الموجودة في تاريخ المسرح المغربي. اضافة اعلان

تلك إحدى خلاصات الندوة الفكرية ‘همزة وصل’ التي نظمتها ‘الهيئة العربية للمسرح’ بشراكة مع وزارة الثقافة المغربية بمدينة مكناس في إطار الدورة الخامسة عشرة لمهرجان المسرح المغربي، بمشاركة ثلة من الباحثين والنقاد، وانصبت على قراءة تجارب المسرحيين التالية أسماؤهم: محمد تيمد، عبد الصمد الكنفاوي، محمد قاوتي، المسكيني الصغير، محمد شهرمان، عبد الحق الزوالي، محمد مسكين، محمد حسن الجندي.
ومما جاء في الخلاصة التركيبية للندوة والتي هيأها الناقد المسرحي الدكتور عبد الرحمن بن زيدان (ممثل الهيئة المذكورة) أنه من باب الاعتراف بالزمن الجميل للمسرح المغربي،’فقد الباحثون المغاربة المشاركون في الندوة ـ من خلال مداخلاتهم وقراءاتهم المختلفة لتجارب عدد من أعلام المسرح المغربي ـ ما به حددوا العديد من المداخل’ لكل تجربة، وفتحوا مغالق تجربة هؤلاء الأعلام على حقيقتها، وعلى كلامها، وعلى مواقفها من مجتمعها، وتتبعوا روافد الإبداعات الفكرية والمهنية والثقافية لهؤلاء الأعلام، ورصدوا هذه الروافد لتحديد التقاطعات والإضافات النوعية التي أسهمت في كتابة التجربة الخاصة لكل علم، و أسهمت في كتابة تاريخ المسرح المغربي.
وأضاف الذكتور بن زيدان أن الباحثين المشاركين في الندوة حين قاموا بقراءة تجربة الأعلام المسرحيين، فإنهم في الحقيقة كانوا يتناولون حساسيات مسرحية مختلفة لها مقوماتها الخاصة، ولها تميزها الذي كان تجربة ثقافية، ومجتمعية، وسياسية كانت تدعو إلى جعل حساسية كل كاتب تنخرط في الصيرورة الثقافية والسياسية في المغرب، وهو ما جعل هؤلاء الباحثين يلتقون ـ كقراء ـ بحساسية الكاتب المسرحي، وكانوا بحساسياتهم الخاصة يسعون إلى توليد سمات التجربة من داخل التجربة ذاتها ذات العلاقة بهؤلاء الكتاب، وبالمخرجين، وبالسياق المسرحي في المغرب، أو في بالسياقات المسرحية العالمية.
وصنّف المتحدث القراءات المقدمة في الندوة على الشكل التالي:
ـ المقاربة المعتمدة على قراءة نصوص مسرحية لتقديم هذه الحساسية المسرحية، فقد قدم الباحث سعيد الناجي قراءته لتجربة محمد قاوتي، والباحث إبراهيم’ الهنائي قام بتفكيك مكونات النص الشهرماني (الضفادع الكحلة).
ـ المقاربة المعتمدة على استحضار السيرة الكتابية للكتاب، كما قام بذلك الباحث عبد المجيد شاكر حين قدم تجربة الكاتب عبد الصمد الكنفاوي في تحولاتها، ومعاناة كاتبها إبداعيا، وهو يؤسس اللحظات التأسيسية الحقيقية للمسرح المغربي.
ـ القراءة القائمة على رصد العلاقة بين سيرة الكاتب زمن الكتابة وزمانه الصعب، كما قدم نموذج ذلك الباحث محمد زيدان وهو يتحدث عن محمد تيمد في فاس، ومكناس، وطنجة.
ـ القراءة الراصدة لموضوع التنظير والممارسة المسرحية، حيث قام الباحث سالم كويندي بإعادة قراءة المكونات المعرفية للتنظير في مسرح محمد مسكين، كما قام الباحث أحمد أمل باستحضار مكونات التنظير عند المسكيني الصغير.
ـ وقام الباحث حسن يوسفي بتتبع مكونات الطقس المسرحي في تجربة المسرح الفردي عند الكاتب عبد الحق الزروالي.
وأضاف بن زيدان قوله: لقد تتبعت كل هذه المداخلات الحساسيات المسرحية التي أرسى قواعدها وأساليبها كتاب مسرحيون كانوا يحركون إبداعهم المسرحي بمعاناة توزعت بين التجربة الشخصية والتجربة الاجتماعية والتفاعل مع ثقافات وحساسيات ثقافية في المغرب وفي الغرب، وقد كان السؤال المنهجي الذي سار بهذه المداخلات نحو كتابة معرفتها بموضوعها هو الانطلاق من النصوص المسرحية، أو الانطلاق من التنظير المسرحي، أو اتخاذ الواقع السياسي المعطى بوصلة حقيقية لمعرفة السياقات التي تحكمت في التجربة المسرحية المغربية من خلال الكتاب الذين اتخذت منهم (همزة وصل حول المسرح المغربي) موضوعا للفهم والتفسير والتفكيك وبناء رؤية التلقي بناء يقوم على تجريب مناهج متعددة لتحقيق فعل القراءة.
ثم توقف ممثل الهيئة العربية للمسرح عند الخاصيات التي تدل على الحيوية المنتجة للتجارب المسرحية، سياسيا وثقافيا وفنيا، على النحو كالتالي:
وجود كتاب ربطوا كتابتهم بتجربة الاعتقال من بينهم محمد قاوتي، والمسكيني الصغير، ومحمد مسكين في مسرحية (عاشور) فقدموا نموذجا حيا عن الإحساس بوطأة الاعتقال.
كتاب أعادوا التعامل مع اللغة التي صارت شخصية ذات حضور رمزي يتجاوز الكلام المرصع كما مثلت ذلك تجربة محمد شهرمان ذات الميزة الصافية التي تتوخى تحقيق مصالحة حقيقية مع المتلقي، فالكلمة الشهرمانية، والمسرح الشهرماني يمثلان تيارا جديدا في المسرح المغربي مصدره الزجل الغنائي المستوحي من المعايشة اليومية للتقاليد المراكشية، وللنفحات الصوفية، مما أعطى قاموسا لغويا مميزا فيه يحضر الزجال والكاتب المسرحي لتكون اللغة فيه مأخوذة من الحياة الشعبية بعيدة عن الكلمة البراقة ، اللغة عند شهرمان تحتج حتى لا تموت، تصور البطل الإيجابي ، وتعتمد على الاختلال الذي هو جوهر المأساة، وتضع الشخصية الإشكالية داخل الحدث، وتتعامل مع الفضاء الدرامي تعاملا إشكاليا أيضا في السلب، وفيه النهب، وفيه الفرد المتحكم،وفيه الجماعة الثائرة التي تقاوم في نسق حكائي أساسه لغة تخلق معادلة التجدد«
المسرح الفردي في تجربة عبد الحق الزروالي صوت محتج يعيش صيرورة الحياة بكل الاحتمالات، بحساسية جمالية تكمن قوة انتظامها في الشخصيات التراثية ذات العلاقة بالتصوف، والطب والملك، وقوة الجسد، وقوة الروح، و تمجيد قوة الروح، و الهروب من المُلك إلى زمن عشق، والبحث عن جمالية جسد، و الكتابة الأدبية الراقية، واعتماد طقس التمسرح بشخصيات تاريخية تجعل الكاتب يستمع إلى الذات حول قضايا الذات والراهن،
وجود كتاب نظروا للمسرح وكتبوا مسرحهم من منطلق التطبيق مثل المسكيني الصغير، ومحمد مسكين.
وجود كتاب عرفوا كيف يعتمدون في كتابتهم المسرحية على الاستنبات كما في تجربة محمد قاوتي.
أن تجارب كل من محمد قاوتي، ومحمد شهرمان، ومحمد مسكين جاءت لتؤسس كتابة مسرحية مختلفة عن الكتابة السائدة في التجربة المسرحية المغربية لدى الهواة
اعتماد محمد مسكين على مفهوم (الكولاج) القائم على البعد الجمالي، والإيديولوجي، والمعرفي، حيث الكتابة عنده تبقى متونا محملة بالمفاهيم الفلسفية، وبحيرة السؤال، ورفض النمط القديم ، واختراق التاريخ من خلال إعادة بناء الحدث اعتمادا على الكتابة الشذرية القائمة على التشظي.
وجود كتاب مسرحيين أحدثوا انقلابا في شكل التعامل مع المسرح بنية ومفهوم ، وعرضا مسرحيا فكانوا يكتبون بعين المخرج كيفية صناعة الفرجة المسرحية كنوع جديد من التجريب المسرحي المغربي كما هو الشأن لدى محمد تيمد، ولدى محمد قاوتي.
أن المسرح المغربي من خلال بعض التجارب كان يعرف كيف يقرأ نظريات المسرح الملحمي، وكيف يتعامل مع الجهاز المفاهيمي الذي بنى شعرية مسرحية درامية تختلف عن الشعرية الكلاسيكية كما قعدها أريسطوطاليس، وهذا ما ظهر في تجربة التنظير عند محمد مسكين، وعند المسكيني الصغير خصوصا أثناء التعامل مع اللغة، وفي بناء الشخصية، وفي تحديد وظيفة المسرح.
وخلص عبد الرحمن بن زيدان إلى القول إن هذه الخاصيات تؤكد أن روافد التجربة المسرحية المغربية تبقى تجربة فنية إذا قيست بالمقاييس الجمالية، وتبقى تجربة اجتماعية سياسية كتبت بواقعية الأحداث، وبمتخيل الكتابة الدرامية كتبت أهم الأحداث التي عرفها المغرب، وتبقى كلاما كان يجرب بناء الحوار بما يليق بمعاني البوح، وتصوير الواقع وتقديمه بما هو واقع يجرب به الكاتب تقديم رؤيته للواقع.
وفي ورقة تلقت ‘القدس العربي’ نسخة منها، أفاد غنام غنام وبشرى عمور (من تعاونية الإعلام الإلكتروني المسرحي العربي) أن الهيئة العربية للمسرح تستهدف من سلسلة ندوات ‘نقد التجربة – همزة وصل’ دراسة التجارب المسرحية المهمة التي أثرت وتركت بصمتها في المشهد المسرحي في البلد العربي المحدد للندوة ، والتي تخطط الهيئة لعقدها في كافة الأقطار العربية.
وأضاف المصدر نفسه أن ما يُحسب لندوة المغرب من إيجابيات أنها تقوم بإعادة تمثل المشهد المسرحي المغربي تقديما رصينا وعميقا يعتمد على مقاربة التجارب والتحولات التي أنجزها المسرحييون المغاربة، والذي يشهد على هذه الإيجابيات نوع المداخلات والنقاشات التي سادت أجواء الندوة التي ساد فيها الدرس النقدي بأساليب مختلفة، وساهم فيها العديد من النقاد والدارسين والمتابعين للحركة المسرحية في بُعديها المحلي والعربي.
بعض الأسماء الحاضرة عادت إلى الجو الثقافي المغربي الذي كان مثار أسئلة النقاد والمفكرين في مطلع السبعينيات من القرن الماضي، وفي هذا السياق حضر الدكتور المفكر محمد مصطفى القباج الذي كان له دور هام في الكتابة المسرحية وفي النقد وفي الدرس الفلسفي والتربوي، كما تابع هذه الندوة العديد من الباحثين والإعلاميين.
كانت المداخلات والطروحات التي قدمها المشاركون في تناول تجارب بعض المسرحيين المغاربة أرضية معرفية أثارت النقاش حول بعض الجوانب المضيئة في المسرح المغربي، كما أنها كانت حافزا للمناقشين كي يقدمون اقتراحات منهجية وموضوعية حول أعمال هذه الندوة.
ركزت الاقتراحات على ما يلي:
ـ إضافة كل النقاشات التي واكبت المداخلات إلى الكتاب الذي ستصدره الهيئة العربية للمسرح لأن بعض هذه النقاشات كانت إغناء لما قدمه الباحثون.
ـ ترويج هذه المداخلات في أقراص مدمجة تفيد الباحثين والمتابعين للحركة المسرحية المغربية، ونشرها في الموقع الإلكتروني الخاص بالهيئة.
ـ المطالبة بالانفتاح على الباحثات والناقدات المسرحيات وإشراكهن في هذه الندوة بشكل إيجابي وقوي.’
إن نجاح هذه الندوة في دورتها الثانية دليل على اهتمام الهيئة بهذا التواصل المعرفي مع الثقافة المسرحية وأعلام المسرح المغربي، ودليل على أنها تسير بمشروعها وفق الانفتاح على المسرح العربي، يكفي أن ندوة ‘همزة وصل’ في دورتها الثانية قد عرفت نجاحا لافتا تمنى الحاضرون أن تبقى هذه الندوة نافدة’ يطلون من خلالها على ذاكرة المسرح المغربي للتعرف أكثر على التجارب وعلى رواد المسرح المغربي.


 
gnews

أحدث الأخبار



 




الأكثر مشاهدة