كتب : د . باسم الطويسي
تعيدنا الأزمة السعودية الإيرانية الراهنة إلى حالة الغموض في ما يسمى بالاصطفاف خلف القوى العظمي؛ أي قدرة القوى العظمى التي طالما تحكمت بمصير الدول في المنطقة، في ضبط سلوك هذه الدول والحد من نزوعها إلى الصراع والحروب، بعيدا عن مبدأ الصراع بالوكالة؛ مقابل قدرة ورغبة الدول الإقليمية في الانفكاك عن الاصطفاف خلف القوى العظمى.
فقد بقيت علاقات الانضباط خلف القوى العظمى هي المسيطرة في تفاعلات العلاقات الدولية على مدى التحولات التي سادت بعد الحرب العالمية الثانية، باستثناء محطات محدودة قيل الكثير حينها بأن دولا عظمى تركت دولا إقليمية تفعل ما تشاء.
في الأزمة السعودية الايرانية، تبدو مواقف الولايات المتحدة وروسيا الاتحادية غير راغبة في تصعيد النزاع السياسي بين البلدين. ويميل خطاب القوتين نحو التهدئة، أو على الأقل نحو عدم التدخل المباشر؛ إذ تبدو الأزمة وكأنها أزمة إقليمية بالكامل.
وفي السياسة أحيانا تتساوى الأفعال والأقوال. فالسعودية قامت بإعدام مجموعة من المحكومين بقضايا إرهابية، وعلى رأسهم رجل الدين نمر النمر، ما ترتب عليه رفض دولي لهذه الخطوة تفاوت بين رفض مبدأ الإعدام إلى اعتبار أن ما حدث خطأ سياسي أكبر من فكرة تجاوز حقوق الإنسان على أهميتها. والفعل الإيراني باقتحام السفارة السعودية في طهران والقنصلية في مشهد، واجه رفضا دوليا واسعا وإدانة من مجلس الأمن. واعتبر أن أعمال الاقتحامات تمت بمباركة رسمية إيرانية، ما عُد انتهاكا واضحا لمبدأ حماية البعثات الدبلوماسية.
صحيح أن المشهد معقد، ولا يمكن تناول هذه الأزمة بعيدا عما يحدث في سورية واليمن تحديدا، ومن دون استعادة تداعيات الاتفاق الاستراتيجي الإيراني الأميركي والاتفاق الروسي الأميركي الأخير حول التسوية السياسية للصراع في سورية، وهو الاتفاق الذي حملته القوتان إلى مجلس الأمن ليغطى بغطاء الشرعية الدولية.
فالسعودية تشعر بالخسائر مقابل الأثمان التي دفعتها المملكة ودفعها عرب آخرون من حلفائها خلال السنوات الأخيرة. فيما انقلبت المقولة التي طالما رددها استراتيجيون أميركون في وصف التحالف الأميركي السعودي بأنه تحالف ثقيل الظل، إلى ما يصف به السعوديون الحليف الأميركي اليوم بأنه الحليف الذي خذلهم حينما حانت الحاجة إليه.
على السطح، يبدو المشهد الإيراني-السعودي وكأنه خارج السيطرة الأميركية الروسية؛ وكأن كلا من القوتين العظميين تقول لحليفها 'افعل ما تشاء'، وبما يذكرنا بما تردد في مطلع التسعينيات من القرن الماضي حول غزو العراق للكويت وقصة السفيرة الأميركية في بغداد ابريل جلاسبي التي قيل إنها قالت تلك العبارة 'افعل ما تشاء' لصدام حسين حينما علّقت بأن الحكومة الأميركية لا تتدخل في الخلافات الحدودية بين دولتين عربيتين.
عروض الوساطة للأزمة جاءت من روسيا وتركيا وعُمان والعراق، فيما لم تتقدم إلى هذا الوقت أي مبادرة أميركية للوساطة. بل إن وزير الخارجية الأميركي بادر إلى الاتصال بالإيرانيين قبل السعوديين.
المملكة العربية السعودية اليوم أمام خيارات صعبة ودقيقة، تدفعها لممارسة براغماتية توقف الزحف الإيراني. وأهم ما تحتاجه أن تبني تحالفا عربيا حقيقيا. وربما فتح قنوات اتصال فاعلة وجدية مع الروس وخلق توازنات جديدة، فمعركة نفوذ المصالح العربية الإيرانية المقبلة لن تكون ساحتها سورية، بل الخليج العربي ذاته.
-
أخبار متعلقة
-
أفضل سيارات مازدا في استهلاك البنزين لعام 2018
-
الفاخوري يعلن تبرع بنك الأردن بمليون دينار أردني لصندوق "همة وطن"
-
توفيق فاخوري يدعم صندوق "همة وطن" بمبلغ نصف مليون دينار أردني
-
شاهد لحظة سقوط الطائرة الأوكرانية بعد اشتعالها في الهواء
-
مدرسة الموقر ترسم أجمل منظر – فيديو وصور
-
مدرسة الموقر ترسم أجمل منظر
-
بـرنامـج الـوكـيـل فـي إجـازة سـنـوية
-
حفرة امتصاصية في جرش .. خطرٌ يُهدد المواطنين و يُضر السياحة | فيديو