منذ أن عرف الإنسان الوجود وعرفه الوجود عاش موصولاً بوطنٍ لا فكاك له منه، فالوطن ليس حيزاً جغرافياً فحسب، إنما هو تاريخ المرء وجذوره وأسلافه، مخزونه الثقافي وكل ما يمت إليه بصلة، والإنتماء للوطن هو الانتماء لمكونات الإنسان الحقيقية، لذا فإن حب الوطن والوفاء له والإنتماء لترابه، ليست دفقات حماسية تنتابنا، إنها قيم عليا تُحفر في العقول والقلوب، ودماء تجري في العروق، وهوى النفس السوية التي لا يملك الفرد أن يقف دونها.. فعن إبراهيم بن أدهم رحمه الله قوله: 'عالجتُ العِباد فما وجدتُ شيئاً عليّ أشد مِن نِزاع النفس إلى الوطن'.. وقال الجاحظ: 'كانت العرب إذا غزت أو سافرت حملت معها من تربة بلدها رملاً وعفراً تستنشقه'.
إن الوطن.. ليست مُفردة مجردة وحسب، إنها ذات أبعاد ومعانٍ أكبر مِن أن نُسطرّها في مقال.. فالوطن هو كل المعاني الجميلة في نفوسنا.. الماضي والحاضر والمستقبل.. الاحتواء والدفء.. الحب والخير والعطاء.. الفخر والعزة.. الإجلال والإكبار.. الجمال بعين المُحب.. هو الحب والانتماء والوجود.. وقد جاء في الأثر عن الحافظ الذهبي، وهو مِن العلماء المدقِّقين، مُعَدِداً طائفةً مِن محبوبات سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم: 'وكان يحبُّ عائشةَ، ويحبُّ أَبَاهَا، ويحبُّ أسامةَ، ويحب سبطَيْه، ويحب الحلواء والعسل، ويحب جبل أُحُدٍ، ويحب وطنه'.
إن مفهوم الانتماء الوطني وراثي يولد مع الفرد مِن خلال ارتباطه بوالديه وبالأرض التي ولد فيها، وهو حاجة من الحاجات الهامة التي تشعر الفرد بالروابط المشتركة بينه وبين أفراد مجتمعه، ومِن مضامين الانتماء قيمة الاعتزاز والفخر بالانتساب لهذا الوطن والعمل الجاد من أجل تحقيق المصلحة العامة. فقد ثبت في الحديث الصحيح مما رواه مسلم والبخاري عن عائشة رضي الله عنها، أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يقول في الرقية 'بسم الله، تربة أرضنا، وريقة بعضنا، يشفى سقيمنا بإذن ربنا'.. وقال الإمام محمد الغزالي رحمه الله قوله: 'والبَشر يألقُون أرضَهم على ما بها، ولو كانت قِفراً مستوحشاً، وحب الوطن غريزة متأصلة في النفوس، تجعل الإنسان يستريح إلى البقاء فيه، ويحنُّ إليه إذا غاب عنه، ويدافع عنه إذا هوجم، ويغضب له إذا إنتقص'.
حب الوطن والانتماء إليه ليست شعارات تُطلق أو مجرد أغانٍ يتغنى بها المغنون، فالمعنى أعمق وأشمل مِن ذلك بكثير. معانٍ تتعلق بشغاف القلوب، ففيه نشأنا وعلى ترابه ترعرعنا، ومِن خيره نعِمنا، وغَرفنا مِن مَعين علمائه ومربيه فتكونت عقولنا وشكلّنا مستقبلنا.. ورحم الله أمير الشعراء أحمد شوقي، إذ يقول: وللأوطان في دمِ كل حرٍ يدٌ سلّفت ودينٌ مستحقُ
مِسك القول.. كلمات قالها الحبيب المصطفى، يوم هاجر الى المدينة المنورة وهو يودّع مكه المكرّمة، إنها تكشف عن حب عميقٍ، وتعلّق كبير بالوطن، بحلّها وحَرمها، بجبالها ووديانها، برملها وصخورها، بمائها وهوائها وعليلها ولو كان محمّلاً بالغبار، وماؤها زلال ولو خالطه الأكدار، تربتها دواء ولو كانت قفاراً.. إذ قال صلى الله عليه وسلم: 'ما أطْيَبَكِ من بلد، وأحبَّكِ إليِّ، ولولا أنَّ قومي أخرجوني منكِ ما سكنتُ غيرَكِ'.
ختام القول وفصله.. في الأردن أنعم الله علينا بقيادة حكيمة رشيدة، تستشعر وتقرأ بضمير مسؤول أحوالنا بعين المواطن أولا والقائد ثانياً، ومِن حق الأردن والملك علينا أن نبادل الحب بالإخلاص، وأن نبني ونحافظ على أمجاد الوطن وتاريخه الأصيل ونؤسس نهضته ونعمل يد بيد على تقوية منعته، لكي يتجاوز الصعوبات التي تحاك ضده مِن هنا وهناك.. فالأردن وطن جميل وقائده ملك حكيم.. فلنترجم انتماءنا بالعمل الجاد المثمر ولنؤكد ولاءنا بأن لا نسمح لحاقدٍ أو حاسد أو دخيلٍ الإخلال بالمسيرة.. ونحن بعون الله قادرون على طمس الوجه المشوه ونكون أفقاً مفتوحاً للعطاء وصحواً متَّقِداً بالنجاح والتقدم وقلباً واحداً.. ومخطىء مَن على بصره غشاوة ويُلبس الحق بالباطل.. ويخطىء المريدون الذين يأكلون الخيرات وينكرون ويجحدون الفضل.. فالأردن تحرسه عناية الله وحدقات العيون.
-
أخبار متعلقة
-
أفضل سيارات مازدا في استهلاك البنزين لعام 2018
-
الفاخوري يعلن تبرع بنك الأردن بمليون دينار أردني لصندوق "همة وطن"
-
توفيق فاخوري يدعم صندوق "همة وطن" بمبلغ نصف مليون دينار أردني
-
شاهد لحظة سقوط الطائرة الأوكرانية بعد اشتعالها في الهواء
-
مدرسة الموقر ترسم أجمل منظر – فيديو وصور
-
مدرسة الموقر ترسم أجمل منظر
-
بـرنامـج الـوكـيـل فـي إجـازة سـنـوية
-
حفرة امتصاصية في جرش .. خطرٌ يُهدد المواطنين و يُضر السياحة | فيديو