بدا لوهلة كأن الأوراق النقاشية طويت حتى فاجأنا جلالة الملك بملاحظة عاتبة تعيد التذكير أنه قدم عدة أوراق نقاشية لم ير لها تطبيقا. وللتذكير فإن الأوراق النقاشية قدمت تنظيرا متماسكا للإصلاح في جميع الميادين يضعها في مرتبة المرجعية الشاملة للدولة والمؤسسات، وهي بالطبع ليست أوامر وقرارات للتنفيذ، لكنها رؤية وتوجهات يتم الاستناد إليها لاشتقاق الخطط والبرامج التنفيذية وهذه مهمة السلطات والمؤسسات. وقد خضعت الأوراق لحوارات وتبارى الجميع في الحديث عنها، وقامت حولها ورشات عمل لا تحصى واعتمدتها مؤسسات أكاديمية وبحثية واستخدمت في التوجيه والتعبئة لدى المؤسسات والهيئات وحتى الأحزاب السياسية ثمّ.. لا شيء على الأرض.
لقد اختبرت مقاومة الإصلاح ميدانيا وأعرف كيف يتم الالتفاف على الأفكار الإصلاحية حتى أثناء تطبيقها، ومن طرف المكلفين بالأمر، وسأضرب مثلا واحدا من تجربتي في مجلس النواب، وهو ركن رئيس في الدولة وفي النظام السياسي.
ومجلس النواب مثل بقية المؤسسات كان يعاني من الترهل والركود واستمرار آليات العمل القديمة والمتخلفة وغير المنتجة أكان على مستوى النواب وكتلهم ولجانهم وجلساتهم أم على مستوى الجهاز الإداري المترهل والمتخم بالفائض البشري، وبالطبع كان مجلس النواب أحدى المؤسسات المستهدفة بالإصلاح، لكن خطوة واحدة لم تؤخذ باتجاه الإصلاح، وأهملت كل الأفكار والمقترحات الصادرة من داخل المجلس وفي مقدمتها تعديل النظام الداخلي لمجلس النواب ليعمل بطريقة عصرية وكفؤة، حتى اضطر جلالة الملك أن يطلب مباشرة ذلك، ويضمن خطبة العرش توجيها صريحا ومباشرا.
وقد امتثل المجلس طبعا لكن رأينا تفننا في التغيير دون تغيير، ووضع نصوص تلبي مطالب الإصلاح، لكن تضمينها مسارب تبقي القديم على قدمه. وسأضرب مثالين؛ فقد نصت تعديلات النظام الداخلي كما طالب النواب دائما على استخدام التصويت الإلكتروني، لكن دون شطب اليدوي، وهذا مفهوم لاحتمال حدوث أي عطل إلكتروني، وتركت للرئيس سلطة اختيار آلية التصويت؛ فلم يستخدم التصويت الإلكتروني إطلاقا طوال عمر المجلس السابع عشر، مع أن نظام التصويت الإلكتروني كلف 3 ملايين دولار. وتم تعديل العضوية في اللجان لتكون على أساس التمثيل النسبي للكتل، كما كنا نطلب، وكما هو حال كل البرلمانات العصرية، لكن تم إدخال شرط التوافق لاعتماد هذا الأسلوب، فلم يعتمد إطلاقا، وبقيت الطريقة القديمة المتخلفة بما في ذلك في المجلس الحالي التي لا تحقق العدالة والتوازن والكفاءة، بل تديم لعبة المناورات وتقاسم السلطة والنفوذ.
في كل مجال يحدث الشيء نفسه، وقصة الأوراق النقاشية مع الإصلاح هي نفسها؛ أي قبول الإصلاح ظاهرا، والتشاغل في تطبيقه عبر القوانين والأنظمة والخطط المعلنة، ثم تفريغه من محتواه وبقاء القديم على قدمه. وليس هذا بسبب عدم فهم أو استيعاب لمعنى التغيير والتطوير وضرورتهما، وإن كان هذا واردا، لكن بسبب تضارب مصالح بين قوى التجديد وقوى الشدّ العكسي والمصالح القديمة في كل مجال.
وتلخص الورقة النقاشية السادسة حول الدولة المدنية دولة القانون والمؤسسات والقضاء القوي والمستقل كل معنى الإصلاح، لأن مفهوم الدولة المدنية يجسد كل عناصر الإصلاح السياسي والإداري والاقتصادي، لكن التطبيق الفعلي لمفاهيم الدولة المدنية حتى مداها الأخير يغير كثيرا من الأساليب القديمة والامتيازات القديمة، وإن القلّة المستفيدة من ذلك ستقاوم بكل قوّة التغير مع أنها علنا تمتثل للتوجيهات الملكية، وتشيد بها وتبدي حماسا فائضا لها، وفي الأثناء تطور بصورة مذهلة قدرتها تفريغ الإصلاح من محتواه، وهي المشرفة والمكلفة بتطبيقه. وأفترض أن هذا كان الحافز الأساس لإطلاق مشروع سياسي (التحالف المدني) يريد جمع كل المثقفين والشباب وقوى المجتمع الحيّة لدعم رؤية الملك لهدف الدولة المدنية.
-
أخبار متعلقة
-
أفضل سيارات مازدا في استهلاك البنزين لعام 2018
-
الفاخوري يعلن تبرع بنك الأردن بمليون دينار أردني لصندوق "همة وطن"
-
توفيق فاخوري يدعم صندوق "همة وطن" بمبلغ نصف مليون دينار أردني
-
شاهد لحظة سقوط الطائرة الأوكرانية بعد اشتعالها في الهواء
-
مدرسة الموقر ترسم أجمل منظر – فيديو وصور
-
مدرسة الموقر ترسم أجمل منظر
-
بـرنامـج الـوكـيـل فـي إجـازة سـنـوية
-
حفرة امتصاصية في جرش .. خطرٌ يُهدد المواطنين و يُضر السياحة | فيديو