شهور ثلاث ونيف تفصلنا عن موعد الإنتخابات النيابية أهم معالمها غياب شريحة مهمه متمثلة بحركة الإخوان المسلمين. ولا يمكننا تجاهل هذا الغياب أو القفز عنه متعللين بنسبة الـ 70% للمسجلين للإنتخابات . هذه النسبة لا محالة عرضة للهبوط ولو بفعل التغيب بسبب الموت الطبيعي والمرض والسفر بالإضافة للإحجام لإسباب ومتغيرات قابلة للبروز خلال المدة الفاصلة عن موعد الإقتراع .
التسجيل بهذه النسبة لاتبيح التمسك بالمفاخرة بتحقيق نسبة مرتفعة من المشاركين بالإقتراع . والتسجيل شكل تحديا للجهات الرسمية بسبب المناكفة غير القابلة للتوصل لهدنة من قبل الحركة الإسلامية. وكما لاحظنا الحملة الدعائية التي قامت بها الدولة بشتى الوسائل لحث الناخبين على التسجيل لضمان سد الفراغ الذي سببه غياب الحركه الإسلامية بالإضافة لإيصال رسالة للحركة مفادها أن إحجامها عن التسجيل لا يعني تعطيل عملية التسجيل والإنتخاب. ورسالة أخرى تأتي تحصيل حاصل كناتج لكل ذلك وهي بلورة وغربلة للناخب الأردني لتحديد المسار القادم وتحديد معالم وتكتيكات التعامل التي ستفرضها معطيات المرحلة المنظورة وغير المنظورة .
لا نشك ــ ومن قبيل التحليل المستند على المنطق السياسي وعلى ( المعارضة ) داخل مجلس النواب مع غياب الحركة الإسلامية كمعارضة ذات باع طويل ــ أن المجلس القادم على الأرجح سيكون كالطبخة التي ينقصها الملح . إن وجود الإخوان بالمجلس يخلق توازنا إيجابيا ومنتجا إذا لم تغيّب مصلحة الوطن ولم تتخذ الهموم الوطنية مطية للصعود لأعلى درجات السلم لقطف الثمار . فغيابها ومقاطعتها وعدم ممارسة دورها المأمل, أمور تؤشر لوجود مكامن خطر ربما تنعكس سلبا على الأردن إن لم تعالج بالحكمة والروية والحزم والحسم بنفس الوقت . كما أن الحركة مطالبة أن تضع مصلحة الأردن نصب أعينها وأن لا تلجأ لما من شأنه أن يخلق الأزمات ويضع العراقيل أمام المسيرة الوطنية في المرحلة المقبلة.
نسمع وشبه يومي قيادات الحركة الإسلامية تؤكد تصلبها وإصرارها على النزول عند شروطها متحدية الدولة بنظامها والوطن بسواده العشائري الذي يحف بنظامه إيمانا منه بأنه نقطة الأمان والفصل التي يجب على المكونات العشائرية وغيرها الإلتقاء عندها. فهناك تهديد بالتصعيد إن لم يقم النظام بالإصلاح الحقيقي. وهناك مطلب يرتقي للإعتداء بتقليص صلاحيات الملك وتوسيع صلاحيات الشعب مصدر السلطات وغير ذلك الكثير من المطالب.
حتى لا يُفهم ما سبق بغير محله, نُقر بتوافقنا مع الإخوان بمطالبهم التي نسعى جميعنا لتحقيقها والمتمثلة بمحاربة الفساد وأركانه واسترداد ما صودر من دافعي الضرائب الذين هم بمثابة بنك تمويلي لمشاريعهم الوهمية الخاسرة, وتحقيق العدالة الإجتماعية, والتوسع بدائرة التعيينات بالمناصب العليا للخروج عن المألوف المنحصر بتخصيص المناصب العليا لأشخاص من عائلات تتوارثها وكأنها حكر عليهم, والعمل على تحسين الظروف المعيشية للمواطنين برفع الرواتب حتى تواكب الغلاء, وعدم اللجوء لجيوب المواطنين لتنفيذ إملاءات الجهات الدائنة, وحرية الصحافة المسؤولة, وعدم الإقتراب من الأسعار, وعدم تغطية أي مسؤول مهما على شأنه بحال أساء للوطن والمواطنين بل طرده ومقاصصته وغير ذلك من المطالب التي يلتقي ويتوافق عليها الشعب.
أما المعارضة من أجل تحقيق مطالب ينتفع منها قليل من الناس, فتلك معارضة غير منتجة بل هادمة ومعيقة لأنها تخدم شريحة دون الشرائح الأخرى. وعندها ستكون النتيجة صورة مستنسخة عن الحال القائم مع تغيير الأسماء. كانت هناك فرصة للإلتقاء بمنتصف الطريق من خلالها يمكن التمركز للعمل على تحقيق المشتركات بين الحركة والأغلبية. لكن المطالب كانت تعجيزية وصعبة التحقيق على الدى المنظور. وهناك مثل عامي يفسرالحالة التي وضعت الحركة نفسها بها إذ يقول:'مَنْ طَلًبُه كله فاته كله'. تريد الحركة أن يكون الأردن مصر أو تونس وما جرى بهما يسعون لسحبه على الأردن. ويقول د. نبيل الكوفحي الذي نجل ونحترم 'أن من حق كل مواطن أن يحكم في بلده ولا تبقى طبقة معينة هي الحاكمة'. ربما يقصد د. نبيل بالطبقة البطانة التي تتوارث النصح والإرشاد وربما يقصد في حالة إبعاد متنفذ ما يتم تعيينه سفيرا بدولة متقدمة أو عينا أو بمستواهما. إن كان هذا ما يقصده فنحن إذن متفقون وإن كان يرمي لأبعد من ذلك نختلف مع هذا الطرح لأبعاده الوخيمة التي تصب بغير صالح الأردن وشعبه.
في هذه الآونة نسمع تذمرا وشكوى من قيادات الحركة مفادهما وجود هجمة على الحركة. والهجمة من تيار شعبي أفراده من الشعب بمثقفيه وعوامه. طالما تم الإقرار بوجود هجمة, أليس من الأجدر البحث عن أسبابها ودوافعها؟؟ وإذاعرف السبب بطل العجب ويكون لديكم النذير بمراجعة المرحلة والمواقف والأدوات والنهج والأهداف لتصحيح المسار والتخلص من العثرات والعراقيل التي حالت بينكم وبين كسب المزيد من الأنصار. فالحركة الإسلامية أصبحت أمام جني ثمار ما زرعت خلال مرحلة الربيع العربي. وقد ظهر جليا أن الزرع غير صالح بأغلبه وإلا لما تمت هذه الهجمة. فلا عيب ولا منقصة بالمراجعة التصحيحية والتعديل لما يحتاج التعديل والأخذ بالوسطية والإبتعاد عن التشدد الذي لا يقبل الآخر ويجعل من صاحبه مالكا للحقيقة والآخر موضع شك دائم. والحركة دائمة المطالبة بالتغيير والتعديل والإصلاح وهي مطالب نتفق عليها لأن المطالَبون بالتغيير ليسوا أنبياء يوحى إليهم من الخالق. بالمقابل, على الحركة أن تعيد حساباتها وتخضع نهجها للتغيير والتعديل لأن نهجها بأدواته الحالية ونمطيته ليس منزلا.
لا ننكر أن الدولة قد قامت بخطوات تصب في النهاية باتجاه الإصلاح ولا نعتقد أنها إصلاحات مكتملة. وللتوضيح ، الإصلاح يكون إصلاحا عندما ينال رضا تاما من كل شرائح المجتمع أو يحوز على نسبة ساحقة من الأغلبية. أما الخطوات الإصلاحية التي تصب في محقان الإصلاح هي خطوات تأسس للإصلاح المكتمل ولاتحوزعلى الرضا التام ولا على نسبة ساحقة من الأغلبية. وللإنصاف ، نقول أن الرسالة الحراكية المطالبه بتحسين الإقتصاد وتحقيق العدالة الإجتماعية وغيرها من المطالب قد وصلت لرأس النظام والدولة وهذه الخطوات دليل على وجود توجه إيجابي بمجمله مع وجود عدم الرضا التام كما أسلفنا .
والحركه الإسلامية بمقاطعتها للمشاركة بالعملية الإنتخابية ، تعمل على إنتاج مجلس نيابي مستنسخ هي نفسها غير راضية عنه مما يدفعنا للإستشهاد بالمثل الأردني العامي : ' جاجه حفرت على راسها عفرت ' أي بذلك النهج المتناقض الذي يبتعد كثيرا عن المرونة تكون الحركة قد وقعت بشر تخطيطها . فهي أدارت ظهرها لكل العروض والتسهيلات التي قدمتها الدولة لتجعل منها معارضة فاعلة ومنتجة وليست معارضة مناكفة رافضة للآخر .
ومن هذا المشهد ، نرى أن الحركة وضعت نفسها تحت طائلة النقد الشعبي ومراجعة الحسابات لا بل خلقت طيفا من المعارضة المضادة التي باتت تصحو وتعدل مسارها وتعاطيها مع الحركة. وبالتالي سينقسم جهد الحركة الإسلامة الآن بين معارضتها التقليدية للنظام والدولة من جهة ، وبين المجلس النيابي القادم الذي ستفرزه العشائر بغالبية أصواتها الداعمة للنظام من جهة أخرى .
كان اعتصام 5/10/2012 سبيلا لإظهار ' القوة ' والقدره على التعبئة وسرعة الحشد ، لكن تم امتصاص واستيعاب هذا التوجه من قبل المسيرة المضادة التي نادت بالموالاة حين أجلت مسيرتها مما حقن الدماء وأخرج اعتصام الحركة بالصورة السلمية والمنظمة التي شهد لها الجميع . وكان إشراك المخيمات بخروجهم بذلك اليوم عباره عن وخزة رأس الحُقْنة الذي يتبعه سريان السائل بالجسد أي مقدمة سيتبعها المزيد من التوضيح لتكتمل الصورة التي يتم الإعداد لها.
إذن هناك نوع من المراهنه غير المعلن على اللعب بالأوراق ' الرابحة ' التي تتمثل بالقواعد البشرية الصامتة والأساس للحركة الإسلامية . وقد أطلق عليها ' الأغلبية ' الصامتة . ولنكن واضحين ولنبتعد عن المواربة حيث الأمور قد اتضحت للقاصي والداني أن هؤلاء الصامتون هم من المكون الفلسطيني الذي تحاول الحركة الإسلامية الإستقواء به على بقية المكونات. وهو إستقواء مرفوض بشدة وسيحارب بمنتهى الشراسة من الأردنيين الذين لم يسمحوا يوما ولن يسمحوا مستقبلا بالمساس بهوية الوطن أو تغليب مكون ليس همه الأول مصلحة الأردن الوطن .
وقولنا هذا ليس تحاملا بل تذكير لكل من يحمل الجنسية الأردنية بأن لا ننسى أن الخير يطالنا جميعا وغير الخير أيضا . فكلنا بقارب الوطن نتأثر بنفس المؤثرات نسعد بالخير نفسه ونشقى بالسوء نفسه . أما من يعتقد أن الأمر لا يعنيه وأن الأردن وهمه ليس من أولوياته فليبقى صامتا منحازا لأولوياته ولا يعين على الفوضى التي تقوض الأمن وتزعزع الإستقرار وتقلل من هيبة الدولة الأردنية . والتعلل بالمواطنة واستحقاقاتها لكسب المغانم فقط فهو السلبية بعينها والانتهازية المنطلقة مما يمنحه إياها القانون من حماية صماء لا تأخذ بالحسبان خاصية الإنتماء للوطن المانح للجنسية ولا التفاني بالحفاظ عليه والأستعداد للدفاع عنه والموت من أجله . الشعارات المنادية باستحقاقات المواطنة لا تكفي بحجة القانون سواء الأردني أو الدولي ، وباعتقادي ليست كافية ولا ضامنة لكل من يحمل رقما وطنيا لاكسابه المواطنة الأردنية الكاملة .
لا نستطيع ولا نرغب بفرض حب الأردن الوطن فالحب شعور وجداني في القلب والأحاسيس والمشاعر تتم ترجمته تلقائيا على الأقوال والأفعال الملموسة والغيرة الظاهرة على السلوك والجوارح . وطالما أننا بشر وبالطبع لسنا آلهة فحكمنا ينبني على ما نسمع وما نرى . ولم يكن الحب يوما مصانا بالشعارات والهبّات الموسمية لكنه مستمر في القلب والوجدان لكن من السهل استشعاره عندما يستدعي الحال .
ولا بد من التنويه للسلفين الذين بدأوا يحتلون موقعهم ببطئ شديد ظاهره كالعادة إسلامي وباطنه غير متوافق مع الحركة الإخوانية، وبذلك نكون أمام استحقاق معارضة مضادة تختلف مع الحركة بالتطبيق والتفاصيل المنهجية والآليات والكثير من الأهداف. والسلفية تكاد تكون منغلقة على نفسها لرفضها كل من يختلف معها لإيمانها بعدم وجود حق غير ' الحق ' الذي تزعمه.
والحركة الإسلامية يسجل برصيدها بعض الإنفتاح على الآخر وهو انفتاح يلعب دور الغطاء الذي يؤهلها للتعاطي والتفاعل مع الآخر مع الحفاظ على النهج المتشدد بالتطبيق . كما أن تسييس الدين واتخاذه وسيلة عاطفية واستغلال كونه ضرورة ملحة عند الناس جعلت منه أداة جذب كما يعتقد الإخوان لكسب رضا الناس الذي يخلق لهم عونا ضد الأنظمة.
فعلى المدى غير المنظور، هناك معطيات تجعلنا نتمنى ألا تتطور لصراع وتجاذب بين الحركة الإسلامية والسلفيين . والطرفان من نسيج المجتمع الأردني الذي نتمنى وندعو الله أن يبعد عنه الصراعات المذهبية المدمرة والتجاذبات السياسة المقلقة .
نناشد القائمين على العملية السياسية دولة وأحزابا لنهج الحكمة والعقل وتغليب مصلحة الأردن على كافة المصالح الفئوية والنخبوية والإبتعاد عن النهج الذي يحقق ضررا بالوطن ونفعا لمن يستهدفوه بالسوء .
وحمى الله الأردن والغيارى على الأردن . والله من وراء القصد .
[email protected]
راتب عبابنة
-
أخبار متعلقة
-
أفضل سيارات مازدا في استهلاك البنزين لعام 2018
-
الفاخوري يعلن تبرع بنك الأردن بمليون دينار أردني لصندوق "همة وطن"
-
توفيق فاخوري يدعم صندوق "همة وطن" بمبلغ نصف مليون دينار أردني
-
شاهد لحظة سقوط الطائرة الأوكرانية بعد اشتعالها في الهواء
-
مدرسة الموقر ترسم أجمل منظر – فيديو وصور
-
مدرسة الموقر ترسم أجمل منظر
-
بـرنامـج الـوكـيـل فـي إجـازة سـنـوية
-
حفرة امتصاصية في جرش .. خطرٌ يُهدد المواطنين و يُضر السياحة | فيديو