الجمعة 2024-12-13 01:21 م
 

الاب

06:10 ص

زمان ،حين كانت طفولتي تطغى على كل الحواس ، وحين تنام العائله،كنت أبقى الفرد الوحيد المصاحب لأبي وبجانبه ، قبل نومه يطلب مني 5 اشياء وهي : اضافة اعلان

أولها : أنه كان يقول لي بلهجته الكركي :»يا بوي هبط ع التلفزيون».
ثانيها : «يا بوي دملني «.
ثالثها :»سهمد اللحاف زين يا بوي «.
رابعها :» هبط ع الضو يا بوي «.
خامسها :» دني القطرميز جاي وقوم نام عشان أعطيك بكره عشر قروش « .
أعرف أن ابي كان مغرقا في لهجته الكركيه , وجمله تحتاج لتفسير وسأفسرها :
هبط بمعنى : إخفض الصوت .
دملني : وتعني أن اللحاف يجب أن يصل حتى الرأس .
سهمد : وهي من الأرض وتستعمل مع التراب وتعي فرده وكان يقصد فرد اللحاف على جميع مساحات الجسد .
أما دني القطرميز فتعني : قربه وأبي كان يملك طقم اسنان لابد من حفظه قبل النوم , وتبقى «قوم نام»فهي فعلي أمر متناقضين قوم : بمعنى أفق ونام تعني : انخمد.
بالنسبة (لعشر القروش) فقد كنت أحصل عليها طالما نفذت هذه المهام جميعها .
في طفولتي عرفت شيئا مهما هو (الأمن الأبوي) فشخير أبي في الليل كان يبعث على الراحة , ووجوده في المنزل معنا كان يؤكد أنك تستند على جبل يحميك من الزمن , ومن تعب الحياة , ونظاراته السميكه التي تغطي وجهه ... كانت مثل المرايا التي ترى نفسك فيها بصورة أجمل وأحلى .
لم يكن يهمنا رغد العيش بقدر ما كان يهمك نفس الأب في المنزل فقد أنتجني للحياة من صف المظلومين ولم أكن من صف الظالمين وأنبل ما في الدنيا هو أن تكون كذلك ,لا تظلم أحدا ...ولا تتجاوز على أحد وتنعم بالرضى في كل صباح تفيق فيه وتكتشف أن القلب ينبض .
وكان كركيا مغرقا في الأرض , ويحب الحياة كان من تفاصيل العشق الممزوج , بالتراب وما زلت اذكر مروره من الشوارع وتلك القامة الفارهه ...والأكتاف التي تحمل الغيم على جنباتها .
غادر أبي العمر مبكرا مثل مطر الصيف الذي يجف بسرعة ويبلل الروح , وقد بلل روحي بالرضى وطوع القلب على الحرف وزرعني في الكرك , شجرة لوز تفيض بالزهر على الناس .
تذكرت أبي امس , وأنا أقرأ صفحات التواصل الإجتماعي وأقرأ بعض من هم منا من دمنا ومن تفاصيلنا يعيبون على الأردن أن يكون عضوا في مجلس الأمن لدرجه أن أحدهم إعتبر الأمر تهمة وتمهيدا لما هو قادم .
والقصة ليست قرارا حكوميا , ولا برلمانيا هي قرار دولي ..وانفعلت في لحظة صمت وسألت نفسي :- أليس الأردن ابا للكل معارض وموال ..كيف إذا يعيب المرء على أبيه أن يكون كذلك , وكيف يتجرأ البعض على تاريخ أبيه ؟ ..وكيف يسمح البعض لنفسه أن يضع وجه أبيه ...في زاوية الشك والريبه .
هذا البلد لا يمر بحالة معارضه هو يمر باقسى لحظة من عقوق الوالدين وأكبر ظلم تمارسه النفس البشرية لنفسها هي أن تتمرد على أبيها .
غادر أبي الحياة مبكرا , ولكن الأردن لم يغادر وفي كل مساء اسمع توصياته . ما زلت (أدمله باللحاف) , وما زلت بالكلمات التي أكتبها (أسهمد) الغطاء على كامل تفاصيله ما زلت أحب الأردن تماما مثل حبي لأبي الذين ابتلاهم الربيع العربي بعقوق الوالدين ..فهؤلاء ...لهم الزمن عله يعيدهم من درب الضلالة إلى دروب الهداية .
حمى الله الأردن ..من كل شر .


 
gnews

أحدث الأخبار



 




الأكثر مشاهدة