الوكيل - تخرج الأديب الناقد أ. د. يوسف بكار من جامعة القاهرة عام ألف وتسعمائة واثنين وسبعين بتقدير امتياز مع مرتبة الشرف الأولى في قسم اللغة العربية – النقد الأدبي، وما يزال يحن إليها، ويعتبر مصر أم العروبة. ونظراً لكونه مختصاً بترجمة الأدب الفارسي، ويتقن اللغة الفارسية والإنجليزية، كان حوارنا معه حول عمر الخيام المتعدد المواهب، ولا نقول ‘الشاعر’ حسب معرفة عامة العرب له، فبادرته بالسؤال التالي:
‘ ماذا اكتشفت لنا جديداً ما لم نكن نعرفه في كتابك (عمر الخيّام)؟
‘ كتابي الأخير ‘عمر الخيّام: أعمال عربيّة وأخبار تراثيّة’ (دار صادر بيروت 2012) يضمّ أعمال الخيّام بالعربيّة من شعر ورسائل فلسفيّة ومقدّمات رسائله العلميّة، وأخباره في كتب التراث العربي. إنّها جميعاً تعضّد الدراسات الجادة عن الخيّام، وتكشف اللّثام عما يتداول عنه في سيرته ورباعيّاته تحديداً، وتلقي أضواء جديدة على رباعيّاته الحقيقيّة، بموازنتها بما وصل إلينا من شعره العربيّ القليل، والإفادة من الأخبار الموثوقة عنه في كتب التراث، وعلى موسوعيته وسهمته في علوم عصره المختلفة، وتلقيه العلم على عدد من شيوخ عصره مباشرة كابن سينا مثلاً، وأستاذيته لعدد من التلاميذ والمريدين. وتدحض كثيراً من التّهم والافتراءات والأباطيل والترهات التي أُلصقت به، فكراً وعقيدة وسلوكاً، جرّاء العدد الكبير من الرباعيّات المنسوبة إليه، وهو براء منها.
‘ قلت ليوسف بكار الذي حصل على عدّة جوائز تقديراً لجهوده العلمية في الأدب والنقد منها: ‘جائزة الدولة التقديرية في الآداب’، الأردن، و’جائزة التفوق في التدريس/ جامعة مشهد. و’جائزة التفوق في البحث العلمي/ جامعة اليرموك.’ بالإضافة إلى شهادات تقدير من عدة لجان عربية عليا: من هو أفضل من ترجم رباعيّات الخيّام من العرب؟ فقال:
‘ الترجمات العربيّة كثيرة تتجاوز السبعين، بدءاً من مختارات المصري أحمد حافظ عوض (1901) حتى الآن، ولكلٍّ منها ميزات وخصائص لاسيّما التي ترجمت عن الفارسيّة مباشرة كترجمة أحمد الصّافي النجفي، وأحمد حامد الصّراف، وعبد الحق فاضل (من العراق)، ومحمد بن تاويت (من المغرب)، ومحمد صالح القرق (من الإمارات)؛ فهي تمتاز بالدّقة والتقيّد بالأصول لمعرفة هؤلاء بالفارسيّة وبفنّ الرباعيّة وخصائصه. ولا تنسَ ترجمة أحمد رامي، فإن ما اصطفته منها بدقة وعناية الراحلة أم كلثوم وغنتّه، يكاد يكون الأفضل شعريّاً، وكأن رامي هو ناظمه وليس مترجمه. والتفاصيل في كتابي ‘الترجمات العربيّة لرباعيّات الخيّام: دراسة نقديّة’. علماً بأن كلّ ما ترجم من الرباعيّات في الشرق والغرب هو ‘مختارات’ ليس إلاّ، لأن ليس ثمّة ديوان واحد عنوانه ‘رباعيّات الخيّام’.
‘ وكان السؤال الثاني ليوسف بكار، الذي عمل في جامعات عدة في الأردن وقطر وإيران، وسوريا، وقدّم عدداً كبيراً الكتب القيمة، نذكر منها: ‘اتجاهات الغزل في القرن الثاني الهجري’- ‘بناء القصيدة في النقد العربي القديم’ ‘قراءات نقدية’- ‘قضايا في النقد والشعر’- ‘في العروض والقافية’- ‘الأدب العربي من العصر الجاهلي حتى نهاية العصر العباسي’ . وكتاب ‘أوراق نقدية جديدة عن طه حسين’ كما يلي:
‘ لماذا جاء معظم ترجمات الخيّام عن اللغات الغربيّة، وليس عن اللّغة الفارسيّة؟ فقال:
‘ لانبهار العرب بما يسمّى ترجمة ‘فيتزجيرالد’ الإنجليزي التي هي في حقيقتها مزيج من ‘الترجمة’ و’التحويل’ و’الترجمة الحرّة’، والتي ترجم عنها عدد غير قليل من المترجمين العرب فوقعوا في الأخطاء والأوهام نفسها التي وقع الإنجليزي فيها. ولأن معرفتنا بالفارسيّة واللّغات الشرقيّة وآدابها كانت محدودة، وكانت تؤخذ عمّا يترجمه الغربيون، كما كان يقول د. طه حسين، لكن ثمّة ترجمات قديمة (النصف الأول من القرن العشرين) عن الفارسيّة مباشرة، وأُخرى حديثة لازدياد عدد من يعرفون الفارسيّة.
‘ هل أخذ الخيّام عن أبي العلاء المعري؟ وما علاقة بيته:
فامش الهوينا إن هذا الثّرى
من أعين ساحرة الاحورار
ببيت أبي العلاء: خفَّف الوطء ما أَظنّ أديم الأرض إلاّ من هذه الأجساد.
‘ الخيّام هو الذي تأثر بالمعري، لا في هذا البيت حسب، إنّما في كثير من شعره. وقد كتبت في هذا بحوثاً ودراسات ومقالات كثيرة بالعربيّة والفارسيّة تجدها في مبحث ‘التأثيرات العربيّة في رباعيّات عمر الخيّام’ في كتابي ‘في دائرة المقارنة: دراسات ونقود’ . دار فضاءات. عمّان.
‘ قلت للأديب يوسف بكار صاحب ما يزيد على أربعين كتاباً بين دراسة أدبيّة ونقدية وتحقيقية وترجمة. وأشرف على العديد من الرسائل الجامعية الماجستير والدكتوراة في جامعات عدة: – أيُعدّ الخيّام شاعراً أولاً، أم فيلسوفاً وحكيماً، أم عالماً وباحث فلك ورياضيات، أم موسيقيّاً؟ كيف تصنّفه؟ ولماذا اشتهر بالشعر وحده عند عامة الناس ما دام هو كلّ ما سبق؟
‘ عمر الخيّام هو كلّ ما سبق ، وكما في كتابي السابق ‘عمر الخيّام: أعمال عربيّة وأخبار تراثيّة’. بيد أنه عُرف قديماً بـ’علوم الحكمة’ بالمعنى الواسع للمصطلح، من فلك ورياضيات وتنجيم وطبّ وغيرها أكثر منه شاعراً؛ لأن رباعيّاته الفارسيّة كانت قليلة وكذلك شعره العربيّ، حتّى إنّ تلميذه ‘العروضي السمرقندي’ لم يتحدث عنه في مقالة ‘الشعر والشاعر’ في كتابه ‘ـهار مقاله’ (المقالات الأربع)، الذي ترجمه عبد الوهّاب عزّام، ويحيى الخشّاب إلى العربيّة، بل تحدث عنه في المقالة الثالثة ‘مقالة علم النجوم والمنجّم’. لكن الحال تبدّلت حديثاً، فصار يعرف بالشعر أكثر من العلم، وقد تكون الرباعيّات المنسوب أكثرها إليه هي السبب، إذ اهتم الغربيون بها كثيراً، ثم انتقلت هذه العدوى إلينا كما هي العادة في الأعمّ الأغلب!
‘ وتابعت أسأل يوسف بكار، صاحب كتاب ‘في النقد الأدبي’ وكتاب ‘منهج قراءة النص العربي’، وكتاب ‘العروض والإيقاع′. وكتاب ‘الرحلة المنسيّة: فدوى طوقان وطفولتها الإبداعية.’ وكتاب ‘نحن وتراث فارس′. وكتاب ‘عصر أبي فراس الحمداني.’ الصادر عن مؤسسة البابطين عام ألفين، وكتاب ‘سادن التراث: إحسان عبّاس.’ و’العين البصيرة: قراءات نقديّة.’ كتاب الرياض ، و’الترجمة الأدبيّة: إشكاليات ومزالق’.
‘ قلت لصاحب ‘الترجمات العربية لرباعيات الخيام: دراسة نقدية’، وكتاب ‘الأوهام في كتابات العرب عن الخيام’ وكتاب’ من بوادر التجديد في شعرنا المعاصر’ أكانت مؤلفاته بأغلبيتها عربيّة أم فارسيّة؟ فقال:
‘ للخيّام ضربان من الآثار والإسهامات: الأول شفوي كما يستفاد من أخباره في كتب التراث، والآخر تأليفي بالفارسيّة والعربيّة. جلّ تواليفه في علوم الحكمة كما ذكرت باللّغة العربيّة، فضلاً عن شعره العربي وترجمته ‘خطبة’ لابن سينا إلى العربيّة؛ فقد كان ممن يطلق عليهم عند الفرس ‘أصحاب اللسانين’.
‘ هل يتشابه النّاس في عصر الخيّام مع عصرنا الحاضر؟
‘ يقول الخيام في مقدمة ‘مقالة في الجبر والمقابلة’:
‘فإنّا قد مُنينا بانقراض أهل العلم، إلاّ عصابة قليلي العدد كثيري المحن… وأكثر المتشبهين بالحكماء في زماننا هذا يُلْبِسون الحقّ بالباطل، فلا يتجاوزون حدّ التدليس والترائي بالمعرفة، ولا ينفقون القدر الذي يعرفونه من العلوم إلاّ في أغراض بدنيّة خسيسة…’.النّاس هم النّاس! ما أشبه الليلة بالبارحة!
لم يجرؤ الخيّام، لسوءات عصره الكثيرة أن يبوح بمثل هذا، إلاّ في مقدمات رسائله العلميّة، وبعض شعره! وينطبق قوله هذا وغيره من أقواله الأخرى على كثيرين من المدلّسين والمدّعين والمنافقين والمرتزقة وأشباه المتعلمين وحملة ‘الكراتين’ التي أصبحت تمنح دون حساب في زماننا الغرائبي هذا، أو زمن ‘الحقّ الضائع′ بتعبير صلاح عبد الصبور؟! لقد شكا الخيّام في مقدمات رسائله العلميّة شكوى مريرة ممّا كان يعانيه هو وغيره من العلماء والأدباء الأمناء الصادقين المخلصين، كما هي حالنا الآن، من عصره وسوءات ناسه! من هنا كثُر التجني عليه والتزيد في رباعياته، واتهامه بسيل جارف من الأباطيل لتغطية وجهه الحقيقي! أليس هو القائل بالعربيّة:
متى ما تخالط عالَمَ الإنس لم يزل بسمعك وقْرٌ من مقال سفيهِ
إذا ما الفتى لم يَرم شخصك عامداً
بكفيّه عن ضغنٍ رَماك بفيهِ
وقد علم الله اعتقادي وأنّني
أعوذ به من شرّ ما أنا فيه!
والقائل، كذلك: سبقت العالمين إلى المعالي بصائب فكرةٍ وعُلوّ همّهْ
فلاح بحكمتي نور الهُدى في
ليالٍ للضلالة مُدْلَهّمة
يريد الجاحدون ليطفئوها
ويأبى الله إلاّ أن يُتمّهْ.
‘ وسألت يوسف بكار، صاحب عدد من الكتب والمرجعيات حول ‘التحقيق والبيليوغرافيا’:
هل كان الخيّام رجل خمر ودنان، أم تقيّاً ورعاً، أم أنه مزج بين هذا وذاك؟
‘ الشّق الأول من السؤال مصدره عند كثيرين، أننا لا نعرف إلى الآن صحيح الرباعيّات من المنحول! والشق الآخر تعضده أخبار وروايات ومعلومات كثيرة في مؤلفاته العربيّة، وشعره العربي، وبعض الرباعيّات الفارسيّة، وأخباره في كتب التراث العربي والفارسيّ. لقد جالس الخيّام، مثلاً، الزمخشري، والإمام الغزالي، وإمام القُرّاء ‘أبو الحسن ابن الغزّال’، فحاور، وناظر، وأجاب عمّا وجّه إليه من أسئلة؛ حتّى إن الأخير قال فيه: ‘كثّر الله في العلماء مثلك’ بعد أن سمع منه اختلاف القرّاء في آية وتوجيهاتهم لها ورأيه هو فيها.
كما تتلمذ على مؤلفات ابن سينا، حتى قيل عنه: ‘كان تلو أبي عليّ في علوم الحكمة’. وكان يلقّب بألقاب حميدة كثيرة منها ‘حجّة الحق’ و’الإمام’ و’الدستور’. وكتب عن ‘الكون والتكليف’ و’الوجود’ و’الضياء العقلي في موضوع العلم الكلّي’، وقيل إنّه أدّى فريضة الحج؛ وقد روى البيهقي عن ‘خَتَنه’ محمد البغدادي أنه ‘كان يتخلّل بخلال من ذهب، وكان يتأمل الإلهيات من (الشفاء)؛ فلمّا وصل إلى فصل الواحد والكثير، وضع الخلال بين الورقتين، وقال: ادعُ الأزكياء (الأتقياء الصالحين) حتّى أُوصي. فقام وصلّى، ولم يأكل ولم يشرب. فلمّا صلّى العشاء الأخيرة سجد، وكان يقول في سجوده:
اللّهم إنّك تعلم أنّي عرفتك على مبلغ إمكاني. فاغفر لي، فإن معرفتي إيّاك وسيلتي إليك. ومات’.
إنّه هو الذي يقول بالعربيّة:
أصوم عن الفحشاء جهراً وخفيةً عَفافاً، وإفطاري بتقديس فاطري
وكم عُصبةٍ ضلّتْ عن الحقّ فاهتدت، لطُرْق الهدى من فيضيَ المتقاطر
‘ وقلت لمن ترجم عدة كتب نذكر منها: كتاب ‘قصتي مع العنتر’ لنزار قباني إلى الفارسية -منشورات طوس-طهران. وكتاب (سير الملوك) لنظام الملك (ترجمة عن الفارسية) طبعتان، وكتاب’ شعر عربي معاصر’. وكتاب ‘مختارات من الشعر العربي الحديث’ للدكتور مصطفى بدوي منشورات اسبرك. طهران. هذا بالإضافة إلى بحوث وأوراق لأكثر من ستين ندوة مؤتمر عربي ودولي:
لماذا نتجه نحو الغرب في كل ترجماتنا، ولا نتجه نحو الشرق لاسيّما الأدب والعلم الفارسي المتطوّر حديثاً في القرن الواحد والعشرين، وليس مجرد آثار الماضي؟
‘ الجواب عن هذا السؤال يطول؛ فنحن، باختصار، مهووسون بالغرب في كلّ شيء كأن لم يخلق مثلهم في العالمين. وقد شكا طه حسين من هذه الظاهرة التي تطرحها كثيراً، وكان يحضّ على التوجه إلى آداب الشعوب الإسلاميّة كافة، وتعلّم لغاتها، وهو الذي كان وراء تأسيس معهد أو قسم اللّغات الشرقيّة بجامعة القاهرة، وإرسال الطلاب في بعثات لتعلم لغاتها. وكان، من بعد، سعيداً وحفيّاً بنتاجات عبد الوهّاب عزّام، وإبراهيم أمين الشواربي، ويحيى الخشّاب، وغيرهم في الآداب الشرقيّة والفارسيّة تحديداً.
إن صلتنا بالآداب الشرقيّة الفارسيّة والتركيّة والأُرديّة ضعيفة، وما قلّة المتحدثين باللّغات الشرقيّة إلاّ سبب من أسباب كثيرة أخرى، لا تخفى على أحد، علماً أن ما يكتب عن لغتنا وأدبنا ويترجم منها قديماً وحديثاً في هذه اللغات، أكثر بكثير ممّا نفعله نحن، وأن الدراسات الغربيّة المقارنة بدأت شرقيّة شرقيّة، وليست شرقيّة غربيّة، كما هو شائع توهماً. ففي عام 1903 اختار أمين الريحاني مجموعة من أشعار أبي العلاء المعري من ‘سقط الزّند’ و’ضوء السقط’ و’اللزوميّات’ وترجمها بقالب ‘الرّباعي الأعرج’ إلى الإنجليزية بعنوان ‘رباعيّات أبي العلاء’ (The Quatrains of AbulL Ala)، وأثبت بمنهج مقارني، كالذي في المدرسة الفرنسيّة في الأدب المقارن، تأثر الخيّام بالمعري. وجعلت المقارنات في هذه البابة تحديداً تترى عند عبّاس محمود العقّاد، وأحمد حامد الصرّاف، وفؤاد أفرام البستاني، وعبد الوهّاب عزّام، وعمر فرّوخ، وغيرهم؛ هي التي ستكون موضوع كتابٍ لي عنوانه ‘ريادات منسيّة في الأدب العربي المقارن’ إن شاء الله.
-
أخبار متعلقة
-
أفضل سيارات مازدا في استهلاك البنزين لعام 2018
-
الفاخوري يعلن تبرع بنك الأردن بمليون دينار أردني لصندوق "همة وطن"
-
توفيق فاخوري يدعم صندوق "همة وطن" بمبلغ نصف مليون دينار أردني
-
شاهد لحظة سقوط الطائرة الأوكرانية بعد اشتعالها في الهواء
-
مدرسة الموقر ترسم أجمل منظر – فيديو وصور
-
مدرسة الموقر ترسم أجمل منظر
-
بـرنامـج الـوكـيـل فـي إجـازة سـنـوية
-
حفرة امتصاصية في جرش .. خطرٌ يُهدد المواطنين و يُضر السياحة | فيديو