كل من لديه سيارة حديثة يمكنه العمل على سيارته، بتحويلها واسطة نقل حسب مزاجه وأوقاته، يعني لو سيارتي حديثة لقمت بتقديم طلب عبر النت الى تلك الشركة، لتقوم بتفعيل سيارتي على الخارطة، وتصبح متاحة للجميع حين أقرر أنا بأنني على استعداد لنقل أي أحد الى أي مكان، فحين يقوم أحد الناس بتنزيل تطبيق «اوبر وكريم « على هاتفه، يمكنه أن يقوم بطلب أية سيارة تظهر على الخارطة، فتنتقل «مسج» الى سائق تلك السيارة مع تحديد لمكان الزبون، ليركب الزبون في السيارة الخاصة، ويذهب الى المكان الذي يريد، حيث تظهر على شاشة هاتفه وهاتف السائق قيمة الفاتورة، فيقوم الزبون بالدفع..وشكرا يسلموا.
هكذا فهمت التطبيق الخاص بالشركة العالمية «أوبر وكريم» والتي لا تملك سيارة واحدة من مئات آلاف أو ربما ملايين السيارات التي تعمل معها حول العالم، لكنني لم يتسن لي التجربة لأن سيارتي غير حديثة كما أسلفت، علما أنني أقوم أحيانا وفي الليل بالتجوال على غير وجهة محددة، ويمكنني «تنقاية زبون» ومشوار وربما سماع قصة بهدف التسلية، و»مو غلط لو طلعت البنزينات ع حساب الضيف».
عائلات كثيرة تعيش على مال يوفره التاكسي الأصفر، فهي مصدر دخل أوحد لكثيرين، منهم من ورثها عن أبيه وعن أجداده ومنهم من وضع شهادته الجامعية على الرف، واصبح يعمل على تاكسي، إذاً فهي بهذا المعنى حياة شبه مستقرة لكثيرين، وعلى الرغم من تعرض هذا القطاع الى سلسلة من قوانين وتعليمات متعلقة بالترخيص وغيره، الا أنه ما زال مصدر دخل لفئة عريضة من المجتمع، أصبحوا الآن في مهب المغامرة والتسلية، التي وفرها تطبيق «أوبر وكريم» لكل من يجد لديه وقتا ويملك سيارة حديثة نسبيا.. أما «ضمان السيارة» أو «خبز العيال» الذي يشغل بال كثيرين يعملون على التاكسي الأصفر، فلا بواكي له وعليه..
يمكن لأصحاب التاكسي الأصفر أن يستخدموا التطبيق المذكور، فيستقبلوا طلبات الزبائن عبره، وهذه قد تكون أقرب الأفكار العملية لتجاوز جزء من الخطر والطفر وقلة الشغل، لكن التحدي الأكبر منوط بالحكومة، التي تقع بدورها بين المطرقة والسندان، فهي لا يمكنها التغاضي عن هذا التحدي الذي يهدد فئة عريضة من الذين يعتمدون على التاكسي الأصفر في معاشهم وحياتهم، وكذلك لا يمكنها التمترس خلف هذه المحددات القسرية وغض البصر عن تحديات النقل العام، ومستقبل المدن التي تتسع بشكل متسارع وتتناسل مشاكل النقل العام فيها.
هذه واحدة من تداعيات العولمة الأخطر، التي تهدد سيادات ثقافات وحضارات قديمة، كانت قد صاغت قوانينها ودساتيرها بمعزل عن السوق وإملاءاتها القسرية، وقد يقول قائل بأن على الدولة أن تلتحق بالتكنولوجيا وتفتح الآفاق للجميع لينطلقوا في الابحار حول العالم عن طريق الانترنت وتطبيقاته، ويدشنوا أعمالهم الشخصية ويكسبوا رزقهم، وينخرطوا في هذا التفاعل العالمي الضروري، وهذا كلام لا غبار عليه، وقد يقول آخر عكس هذا، أي أن على الدول النامية والفقيرة واجبات رعوية واجتماعية، يجب أن تقوم بها وتضبط قوانينها وأسواقها وأنماط التفاعل في مجتمعاتها، وتدافع عن فئات كثيرة من المجتمع، لا يمكنها مجاراة أو تحمل قوانينين الحداثة المفاجئة بالنسبة لهم ولأنماط عيشهم وكسبهم المشروع..وهو قول صائب أيضا.
وهنا تتجلى المشكلة وتتعقد، وأتحدث هنا عن صانع القرار في دولة كالأردن، فماذا يجب عليه أن يفعل ليوائم بين التحديين الكبيرين؟!
تحدثت قبل أيام مع أحد الوزراء حول قوانين السوق واتفاقياتها، تلك التي وقعت عليها الأردن وأغلب دول العالم وانخرطت فيها فعلا، وكان الحديث عن قرارات تتجاوز على الاتفاقيات الدولية الداعية الى فتح الحدود أمام السلع، وضمان حرية نقلها ورفع التعرفة الجمركية عنها، وعدم إغلاقها في وجه بعض التجار والتجارات العابرة للحدود، ضمانا لعدم الاحتكار وتعزيزا للتنافسية التي تقدم للمستهلك خيارات كثيرة وسلع ذات جودة أعلى وبأسعار أقل، لكن الوزير رد علي بأنه سؤال نتعرض له من قبل بعثات ديبلوماسية غربية، ونملك الاجابة حوله، فنحن بلد فرضت علينا تحديات وأزمات كبيرة هددت الحياة العامة في بلادنا، ونتج عنها أزمات أمنية شاملة، فهذه حدودنا مغلقة أمام التصدير والاستيراد والترانزيت، ومنتجاتنا تعاني قلة الأسواق بسبب هذه الاغلاقات للحدود، ولا يمكننا الالتزام بكل ما تمليه علينا تلك الاتفاقيات، وهي قصة سقطت فيها أمريكا قبل عدة أعوام، فقامت بدعم القطاع الخاص (جنرال موتورز) متجاوزة على كل الاتفاقيات والمعاهدات الدولية المتعلقة بالسوق ..
إجابة الوزير مقنعة، وهي تأخذنا الى ما قبل الاتفاقيات المتعلقة بالسوق، ولو كان الوضع الاقتصادي للدولة غير مثقل بالديون والتحديات لقلنا بأنه يمكننا «التحرر» من تلك الاتفاقيات، لكن هذا ضرب من المستحيل، ولا بد سيكبلنا عن فعل الكثير .
معضلة «التاكسي الأصفر» وتطبيق «اوبر وكريم» تقدم لنا أكبر وأوضح مثال على وحشية السوق وإملاءاتها، التي تعجز عن تحملها حكومات العالم الوطنية الريعية التي تقوم بأدوار اجتماعية تجاه رعاياها وفقرائها، ولا بد من اتخاذ إجراء آخر لحماية التاكسي الأصفر، وأن لا نقول له ولأهله :الحياة صعبة «إلكوا ألله».
-
أخبار متعلقة
-
أفضل سيارات مازدا في استهلاك البنزين لعام 2018
-
الفاخوري يعلن تبرع بنك الأردن بمليون دينار أردني لصندوق "همة وطن"
-
توفيق فاخوري يدعم صندوق "همة وطن" بمبلغ نصف مليون دينار أردني
-
شاهد لحظة سقوط الطائرة الأوكرانية بعد اشتعالها في الهواء
-
مدرسة الموقر ترسم أجمل منظر – فيديو وصور
-
مدرسة الموقر ترسم أجمل منظر
-
بـرنامـج الـوكـيـل فـي إجـازة سـنـوية
-
حفرة امتصاصية في جرش .. خطرٌ يُهدد المواطنين و يُضر السياحة | فيديو