الجمعة 2024-12-13 02:10 م
 

التواصل الإجتماعي كلغة حوار ونبذ للتطرف

07:47 ص




أصبحت وسائل التواصل الإجتماعي كالفيس بوك والوآتساب والتويتر والإنستغرام واللينكدإن وغيرها تشكّل عالماً إفتراضياً ألغى الحواجز الإنسانية والجغرافية والزمنية وغيرها بين الناس، وباتت هذه الوسائل تشكّل الرأي العام الإجتماعي والسياسي وتبادل المعلومة والفكر والإتجاه ومساحاتها من الحريّة لا سقف لها، وكأنها هايدبارك العالم الإفتراضي والفضاء المفتوح، ولم تعد وسائل التواصل الإجتماعي ترفاً أو ترفيهاً بل ضرورة وواقعاً إفتراضياً يُحرّك العالم، ففي الجزء المليء من الكأس تُثري الحوار والتبادل والتواصل الإجتماعي وأدوات التشبيك، لكنها بالمقابل في جزئها الفارغ من الكأس تبثّ الفتن والسموم ودعوات تهديد الأمن والإستقرار والإشاعة والأخبار المفبركة والعبث في الوحدة الوطنية وأفكار التطرّف والغلو ودعوات ورسائل المنظمات الإرهابية وغيرها.اضافة اعلان


فالحقائق تقول أن أكثر من 80% من المجتمع يستخدم وسائل التواصل الإجتماعي جُلّهم من الشباب، وبالتالي وكنتيجة لإمتلاك معظم الناس الهواتف الذكية هذه الأيام، فإن وسائل التواصل الإجتماعي باتت الوسيلة الأسرع والأنجع والأكثر إنتشاراً، ولهذا فإستغلالها لغايات مكافحة الإرهاب والتطرّف يأتي في وقته هذه الأيام، والحقائق تقول أن ثلاثة أرباع مستخدمي شبكة الإنترنت من الشباب يقعون ضحايا إبتزازات الشبكة، ولهذا فتبصيرهم وفق برامج مدروسة وتوجيهية واجب وطني، والحقائق تقول أن الفضاء الإلكتروني مفتوح وبيئته خصبة لا يمكن ضبطه أو مراقبته أو السيطرة عليه، وأصبح يشكّل تحدياً كبيراً لكثير من الدول، ولهذا فلا بدّ من توجيه الحوار فيه، والحقائق تقول أن الجماعات الإرهابية جُلّها من الشباب ويتم التواصل معهم من خلال وسائل التواصل الإجتماعي لإظهار البطولة والإنجازات والدين وفرص العمل والفروسية والأخلاق وغيرها عند الإلتحاق بهم، ولهذا فوجود أساليب وقائية وإقناعية ضرورة ملحة، والحقائق تقول أن الحروب الإعلامية والإلكترونية تطفو على السطح في مقدمات ونهايات حروب الألفية الثالثة من خلال بث رسائل الترويع الإلكتروني، ولهذا فالشباب بحاجة ماسة لصوت الحكمة والعقل، والحقائق تقول أن التنظيمات الإرهابية المتطرّفة والمتشددة تستغل وسائل التواصل الإجتماعي لنشر سمومها وأيدولوجياتها وأفكارها الظلامية والهدّامة وصور الترويع والعنف والخوف والكراهية والتطرّف وإيصال رسائلهم الجاذبة أو المنفّرة أو المُبتزة للشباب وغيرهم، ولهذا فحضور الرسائل الإعلامية الرسمية والشعبية المعتدلة شيء ضروري، والحقائق تقول أن سموم الإرهابيين تبدأ بهاشتاق عاطفي وبعدها إبتزازي ومن ثم تغوّلاً في الإستغلال والإغراق والتوريط والتجنيد والمشاركة، ولهذا فالحذر واجب.

وهنالك تأكيدات متكررة على لسان جلالة الملك المعزز عبدالله الثاني بن الحسين حفظه الله تعالى بأن الأردن مستمر وملتزم، إلى جانب مختلف الأطراف ضمن التحالف الدولي، في جهوده لمواجهة التنظيمات الإرهابية ومكافحة الفكر المتطرف، الذي يشكل تهديداً رئيسياً لأمن واستقرار المنطقة، ويستهدف الجميع دون إستثناء، وإحدى وسائل محاربة التطرف والإرهاب تكون من خلال إستغلال وسائل التواصل الإجتماعي على كل المديات وفي المحاور الفكرية والإجتماعية والإعلامية والسياسية من خلال إيجاد إستراتيجية تشاركية عصرية بين المؤسسات الرسمية والأهلية ومنظمات المجتمع المدني لغايات إستخدام وسائل التواصل الإجتماعي لمواجهة الفكر المتطرّف بالفكر الوسطي والمعتدل، وتعنى الإستراتيجية بالأمن الفكري ومعركة الكلمة للشباب، وتؤكّد على إيجاد شبكة دولية لمحاربة الإرهاب والتطرّف وذلك من خلال تشاركية وتضافر جهود المؤسسات الرسمية والشعبية، وتحصين الشباب من خلال منظومة الأمن الفكري الإجتماعي دون وصاية أو مراقبة، وتحويل وسائل التواصل الإجتماعي لأدوات فاعلة ووسائل لمواجهة الفكر المتطرّف، ومتابعة البوستات الشخصية والتي تعكس الحالة الفعلية للأشخاص، والمواقع التي تكشف مكان الشخص حال إستخدامه الخليويات الذكية، وإيجاد منهجية لقراءة أفكار الآخرين من خلال طروحاتهم وتصنيف الأشخاص ضمن مجموعات وفق إهتماماتهم، ونشر قيم المحبة والسلام والتسامح وإحترام الآخر والحرية المسؤولة وغيرها، وإستخدام أدوات التواصل الإجتماعي كأدوات لتعزيز أدبيات لغة الحوار بين الشباب، والتشبيك الشبابي للتواصل المجتمعي والوطني، وبمشاركة الأحزاب والجامعات والمراكز الشبابية ومنظمات المجتمع المدني، ونشر ثقافة الفكر التوعوي والوقائي والتنويري والتربية المدنية بين الشباب، وإعتماد وسائل التواصل الإجتماعي لمخاطبة عقول الشباب وإعتماد التحليل والحجة والإقناع والحوار والمقاربة الموضوعية لتفهّم الآخر والإتصات له، وتوظيف الطاقات الشبابية وتدريبهم وتأهيلهم للمساهمة في درء الفكر المتطرّف، وحماية الشباب وتبصيرهم برسائل إعلامية ضد خزعبلات حملات الخداع والتضليل والأفكار التكفيرية والمتطرّفة والإشاعة ودعوات القتل والخراب والتضليل والنهب والسلب والفوضى وغيرها، وتطبيق القرارات الدولية لمكافحة الإرهاب من حيث مسؤولية الدول تجاهها، وهي تحديداً قرارات مجلس الأمن الخاصة بمكافحة الإرهاب وإستراتيجية الأمم المتحدة العالمية وقرارات التحريض ضد العنف والإرهاب والتمييز والتعصّب وغيرها، والتأكيد على أن أنظمة مكافحة الجرائم المعلوماتية تحضر إنشاء مواقع إلكترونية لمنظمات إرهابية، وأن تنشط المؤسسات الرسمية والشعبية في إيجاد وسائل تشبيكية بين الشباب على صفحات التواصل الإجتماعي لغايات نشر الفكر المعتدل وتوجيه الحوار الشبابي صوبه، وتبني الرسالة الإعلامية الرسمية من قبل شباب التواصل الإجتماعي لغايات العمل كعضد للأجهزة الرسمية في حماية الفكر الشبابي، وإيجاد خطاب مدني معتدل مشترك بين الشباب يساهم في عزل العناصر المتطرّفة، وتشجيع منظمات المجتمع المدني وإتحادات طلبة الجامعات ومراكز الشباب لإنشاء مجموعات حوارية على شبكات التواصل الإجتماعي.

كما أن الأمر وأهميته يستدعي تخصيص موازنات خاصة لدعم تشبيك الشباب المكافح للفكر المتطرّف على شبكات التواصل الإجتماعي، وإستخدام الوسائل الإستباقية والوقائية الإعلامية لدرء خطر الإرهاب من حيث الصور والنصوص والفيديو والفلاشات وغيرها، والشراكة في إيجاد خطاب سياسي وفكري وإجتماعي لتشجيع المجتمعات المدنية المعتدلة لعزل العناصر المتطرّفة، وتشجيع العلماء والشخصيات الوطنية والحكماء لفتح حسابات على شبكات التواصل الإجتماعي لغايات التفاعل مع الشباب وتبصيرهم برسائل إعلامية تنويرية وتوعوية وتحليلية، وتعريفهم بأخطار الإبتزاز والإختراق والخصوصية والملكية الفكرية والحرية اللامسؤولة وغيرها، وتنشيط العمل الحزبي من خلال مواقع التواصل الإجتماعي لغايات طرح الأفكار والحوارات.

ولأن الإرهاب يشكّل التحدي الأعظم وعدو الإنسانية بالنسبة للشباب والجميع، والشباب هم أيضاً أول ضحايا الإرهاب، ولهذا فإن الجميع معني بمحاربته في الوقت الذي يتسابق فيه العالم للإستثمار بعقول الشباب وطاقاتهم، وخصوصاً بعد أن بات الحوار الإلكتروني يحوي سجالات وتصفية حسابات وكر وفر ودموية وأدوات لمجتمع الكراهية والأحقاد والأمراض الأجتماعية والنفسية لتعكس وتسقط الناس ما بداخلها، وبات مع الأسف غير نظيف ويحوي تخندقات مبرمجة وشللية ومناطقية وجهوية ضيقة وشخصنة وإغتيال شخصيات وغيرها، ويعاني من أزمة أخلاق تتوسع بشكل يومي لعدم فهم معظم الناس لمبادئ الحوار وإحترام الأخر والحرية المسؤولة لا المنفلتة على الغارب.

ولأن التواصل الإجتماعي الإلكتروني أصبح أسرع وأنجع وسيلة للحوار بين الشباب فإنه ربما يتم مكافحة الإرهاب والتطرّف فكرياً من خلال الوسائل حوارية مختلفة كإنشاء شبكات فكرية وتحالفات عملية لتقود الرأي الشبابي الداعي للتسامح والتعايش وإحترام التنوّع ونبذ العنف، وإنشاء مجموعات حوارية وصفحات المشجعين والمجموعات الشبابية المعتدلة والضاغطة، ومنح حوافز لأفضلها ولمن يطرح أفكار لها ثمرة وتساهم في حلول، وإعطاء الشباب الأدوات التكنولوجية ليخاطبوا جيلهم وغيرهم من الأجيال من خلال شبكات التواصل الإجتماعي، وضرورة تطوير آليات الحوار وأساليبه ليشمل حوار الأديان وحوار الأجيال وحوار الإختلاف بالرأي وحوار الشعوب وحوار الإعتدال والتطرف وهكذا، وإحترام آداب الحوار من حيث إعتباره كقيمة دينية وثقافية وإنسانية وإحترام الطرف الآخر ورأيه وتبيان الحق وكشف الباطل، وتشجيع الديوانيات وتواجد الحكماء وخبراء الحوار عبر صفحات التواصل الإجتماعي، والحوار ولغة الإقناع هما السبيل للخروج من الأزمة الأخلاقية والقيمية التي يعاني منها البعض، فالخطابات لوحدها والأنشاء والتصفيق وترديد لغة الحناجر وما على شاكلتها لا يمكن أن تواجه الأرهاب على المدى البعيد، لأن الجيل الجديد بحاجة ماسة لتوعية فكرية وحصانة ضد أفكار التطرف والغلو في خضم تردي لا بل إنهيار في منظومة القيم والأخلاقيات.

ولهذا فإننا نحتاج لإظهار صحوة وإصلاحات في ثقافتنا وحياتنا اليومية والتعليمية عبر صفحات التواصل الإجتماعي، ونحتاج لأشراك الشباب والمرأة والانفتاح عليهم، ونحتاج لبرامج توعية فكرية، ونحتاج لتغييرات جذرية أسبابها فشل ذريع على لارض في تعاملنا مع جيل الشباب وتحصينه وتمكينه، وتحتاج الامة لمشروع إستنهاض فكري مناوئ للتطرف يساهم به علماء الامة وساستها وشبابها ونساؤها، مشروع تنويري يخاطب العقل لا القلب، ليقنع الجيل القادم بأن البيئات والاوتار الحاضنة للإرهاب والطائفية والتكفير والغلو والتطرف منبوذه ولا تمثلنا بشيء، ولهذا فلا بُدّ من الحوار ولغة الموضوعية لإيصال أفكار هذا المشروع للشباب وغيرهم، والعزف على أوتار الفقر والبطالة وغيرها من المسببات كبيئات حاضنة لتنمية الارهاب ولتبرير الافعال السوداوية والقتل والتدمير والخراب أو التعاطف معها مرفوض البتة وهو أخطر من الارهاب نفسه.

وأخيراً فوسطية الفكر والحوار وطرحهما من خلال شبكات التواصل الإجتماعي تشكّل طريقنا القويم لمواجهة الفكر المتطرف ولغايات تحقيق الاستقرار والسلم العالمي، ومواجهة الفكر الظلامي والتكفيري بالفكر العقلاني والوسطي طرح بعيد المدى إلى جانب الطروحات متوسطة وقريبة المدى لمحاربة الارهاب عسكرياً وأمنيا.


 
gnews

أحدث الأخبار



 




الأكثر مشاهدة