الجمعة 2024-12-13 10:31 م
 

الخبر عنوان الحقيقة .. !!

01:14 ص

بقلم ... زيد القعيسي الشوابكة


عندما يتصفح الشاب صفحات الجرائد، وقنوات التلفاز متجها إلى الزاوية المخصصة له، لا يجد إلا هذا الغثاء من المعلومات، والتركيز على أصحاب المهن المتواضعة من غناء، وتمثيل، ورياضة؛ يصاب بإحباط، وخيبة أمل؛ بسبب الإعلام الذي قدم هؤلاء على أنهم النموذج الذي يجب أن يحتذى بهم، ولست أنت أيها الطبيب الذي أفنيت شبابك بين سهر الدراسة، ومطالعة الكتب، ومداواة الجرحى ، ولست أنت أيها المهندس الذي ساهمت في بناء الوطن وعمارة الأرض، ولست أنت أيها المحامي الذي تصرخ بالدفاع عن المظلومين، ولست أنت رجل الأعمال الذي أدرت أموال المسلمين، فنميتها وحفظتها من التلف، وأنقذت شبابنا من شبح البطالة، ولست أنت أيها الخطيب بحبك وحرصك على إسداء النصيحة لخاصة اهلك وعامتهم، بل هؤلاء البسطاء الذين لم يجدوا إلا الرقص، والغناء، واللعب على الهواء حتى يكونوا هم مكانكم، ويتبوءوا هذه المناصب التي لا تصلح إلا لأمثالكم!هل صحيح أن الصحف تقود العالم؟ما هي أهم المحاذير التي يجب أن تتوخاها حتى تجنب العالم-الذي تقوده- كوارث وويلات قد تصنعها في غفلة منها، أو عن دراية وقصد وتصميم. اضافة اعلان


رغم المصائب التي ألمت بهذه الأمة، فهي لا تزال معافاة من كثير من الأمراض الاجتماعية التي أصابت أمما أخرى وأثخنتها بالجراح والآفات ,منذ سنوات طويلة وقبل ظهور القنوات الفضائية ومواقع الانترنت , كان الترابط الاسري والاجتماعي هو عقيدة لا تحتمل الشكو ك وكانت المجتمعات تنهض بتمسكها بدينها وتعاليمه، وثانيها تمسكها بالتناصح الأخلاقي ووجود من ينكر على أصحاب الرذائل منكرهم، ويدعو إلى المحافظة على الثوابت الدينية والأخلاقية.وكانت الرذيلة عار لا يحتمل عقباه.....!!

و اليوم يبدو أن بعض القنوات الفضائية ومواقع الانترنت تولت تلك المهمة الشيطانية، فصبت اهتمامها على نواحي الجنس والانحلال وأخذت تنبش الرذائل والتفاهات وتشبعها عرضا وتحليلا، حتى يخيل للمرء أنها القاعدة وأن العفاف والفضيلة هما الاستثناء,ومن سفه الأمور ادعاء تلك القنوات أنها تعرض المسائل وتناقشها؛ لأنها مشكلة اجتماعية موجودة ولا يمكن إخفاؤها والتغافل عنها، ولأن النقاش علمي ومنطقي، وغير ذلك من الحجج الواهية التي لا تنطلي على أحد، حتى بسطاء العقول..

ومن إحدى المشكلات التي يعانيها الإعلام بمختلف وسائله - كما هو حال الإعلام الاردني : هي الخلط الشديد بين الخبر والرأي؛ مرة بصياغة الخبر كأنه رأي، ومرة بتقديم الرأي كأنه خبر؛ بحيث لم يعد يعرف المشاهد أو القارئ: هل الذي أمامه هو تعبير عن حدث وقع، أم عن رأي مطروح؟ ومن المعروف أن الإعلام يتكون من خبر ورأي؛ الخبر يبحث في: ماذا حدث؟ وكيف حدث؟ إلى غير ذلك من علامات الاستفهام التي تحاول تسليط الأضواء على الحقيقة .

ربما يأتي الخلط بين الخبر والرأي بسبب الحرص على إيصال رسالة محددة، أو إثبات الذات؛ خاصة وسط هذا الكم الهائل في وسائل الإرسال من صحافة وتلفزيون؛ التي يبدو أمامها المتلقي مندهشاً أو حائراً! وقد يكون هذا التفسير له قدر من الصحة، لكني رغم ذلك أعتقد أن الحقيقة المجردة هي خير دعاية للحقيقة نفسها، وأننا يجب أن نثق في عقل المتلقي وقدرته على الفهم والتحليل والمقارنة؛ لا أن نتعامل معه على طريقة (الأب الفاضي) الذي يقف لابنه بالمرصاد على كل صغيرة وكبيرة ويقول له: افعل كذا ولا تفعل كذا.

إن الصحافة الناجحة هي التي تذكر أولاً الأخبار بكل تفاصيلها، المعتمِدة على المصادر الموثوقة وشهادات العيان، ثم تفتح الباب واسعاً أمام الآراء والتحليلات في الأعمدة وصفحات الرأي، مع الحرص على تقديم آراء متعددة.
فالمعادلة الصحيحة: الخبر ثم الرأي، لا العكس، ولا الخلط بينهما. وإذا كانوا في القانون يقولون: الحكم عنوان الحقيقة، ففي الإعلام: الخبر عنوان الحقيقة.

أننا نحتاج إلى أن نقترب من (الموضوعية) بأكبر درجة ممكنة. وإلى الأخبار الموثقة التي تضعنا في قلب الحدث وأبعاده، أكثر من حاجتنا إلى الرأي الذي يمارسه بعض الناس بما يشبه الوصاية والديكتاتورية.
 
gnews

أحدث الأخبار



 




الأكثر مشاهدة