الخميس 2024-12-12 12:51 ص
 

الخطر الذي يتهددنا

08:04 ص

أخطر ما في الأحداث الجارية في العراق ومن قبل سورية هو انهيار الرابطة الوطنية التي نهضت عليها الدولة القطرية المعاصرة. لم يعد أحد يتحدث عن السوريين كشعب أو يكترث بمصيرهم. لقد جرى تحطيم الهوية الوطنية الجامعة لحساب الهويات الطائفية؛ السوريون اليوم هم مجرد مجاميع طائفية تتصارع دفاعا عن وجودها. اضافة اعلان

العراقيون ومنذ الاحتلال الأميركي قبل عقد ونيف تحولوا أيضا لطوائف؛ فقد استبدلوا الرابطة الوطنية بدولة المحاصصة الطائفية، وها هي تنهار حاليا. لا كلام عن العراق اليوم، إنما عن السنة والشيعة والأكراد.
المشرق العربي كله يمضي نحو الهاوية؛ حروب طائفية مديدة، وكيانات صغيرة هشة ومتصارعة. ثلاث دول في طور التقسيم الفعلي، فهل تصمد البقية الباقية؟
قبل ثلاث سنوات كان النظام السياسي الأردني يواجه تحدي الصمود في وجه موجة التغيير الثوري التي أطاحت بأنظمة عربية عتيدة. تجاوز النظام هذا الخطر بفعل عوامل داخلية وخارجية عديدة. الوضع مختلف الآن؛ الخطر لا يتهدد النظام السياسي فحسب، بل المجتمع وكيان الدولة برمتها. بمعنى آخر الرابطة الوطنية للشعب الأردني.
السؤال ببساطة، هل تصمد هذه الرابطة في وجه فوضى الهويات الفرعية التي تجتاح المجتمعات من حولنا؟
صحيح أنه ليس لدينا هويات طائفية، ولا طائفة تستأثر بالحكم، وتقصي الآخرين. لكن التطرف الديني تحول إلى هوية قادرة على تقسيم أبناء المذهب الواحد إلى طوائف و'داعش' خير مثال. المناطق صارت هويات، وكذلك البنى الاجتماعية التقليدية كالقبائل والعشائر. وأكثر،لا بل أخطر من ذلك الغنى والفقر أصبح هوية، وهوية قاتلة في مجتمع تتسع فيه الهوة بين أغلبية تكافح من أجل العيش الكريم وأقلية تنعم بمستوى حياة خيالي.
الأردن فيه كل هذه الهويات، وهي في حالة انتعاش تتبدى في مظاهر يومية يلحظها الجميع. والتطورات من حولنا تشكل مصدر إلهام لأصحاب النزعات المتطرفة والفئات المهمشة، ويضاف إليها أزمة الهوية بين المكونين الرئيسين في المجتمع.
ماحصل ويحصل في سورية شكّل مصدر قلق كبير للأردنيين، خاصة مع تواصل موجات اللاجئين الذين غمروا محافظات ومدنا أردنية. وبعد الأحداث المتسارعة في العراق انتقل الأردنيون من مرحلة القلق إلى الخطر. إن الخوف يلف المجتمع بأسره اليوم، ويندر أن تقابل شخصا لا يبادرك السؤال عن 'داعش' والخطر القادم من الشرق.
ولدينا جميعا من المؤشرات ما يكفي للجزم بأن الصراع المحتدم في سورية والعراق طويل جدا. ذلك يعني أن الرابطة الوطنية الأردنية ستواجه ضغوطا كبيرة في المرحلة المقبلة، ومن الصعب أن تصمد في وجه إغراء الهويات، إذا لم نبادر على الفور بالعمل على مدها بعناصر الصمود والبقاء، ونرفع من مستوى لياقتها للانتصار على خطاب التقسيم والتكفير.
البلاد بحاجة إلى استدارة كاملة، ومراجعة لأولويات الدولة وخطابها، لمواجهة تحدٍ طويل الأمد.
بصراحة الاهتمامات والانشغالات الحالية للدولة ومؤسساتها المدنية لا ترقى إلى مستوى التحدي، ينبغي التفكير بنقطة البداية لمرحلة جديدة يشعر معها الأردنيون أنهم شعب واحد وصاحب هوية واحدة.
الجيش يتكفل بمهمة الدفاع عن حدود المملكة بكل اقتدار، فمن يحمي المجتمع في الداخل من الأخطار؟
 
gnews

أحدث الأخبار



 




الأكثر مشاهدة