الأربعاء 2024-12-11 03:24 م
 

الروائي علي أبو الريش: نتعامل مع الحرية والديمقراطية كالمراهقات بالحمل الكاذب!

03:20 م

الوكيل - روائي عربي متميز إلى حد التفرد في أسلوبه وأعماله الإبداعية.. وحتى في حياته حين اختار العزلة والبعد عن دوائر الضوء.اضافة اعلان

والمقولة التي تتردد على كثير من الألسن بأن ‘الرواية ملحمة البرجوازية’، والتي تركز الاهتمام على مجتمع المدينة المعاصرة وصراعاتها، هذه المقولة تركها أبو الريش وراءه، وركز اهتمامه على عالم النفس وأبحر في أسراره. ومن هنا كان الدخول في عالمه الروائي لا يخلو من صعوبة، وخاصة في مجتمعات شبابية صاعدة كما هي الأحوال في الخليج العربي.
كان لنا هذا اللقاء مع الكاتب بمناسبة صدور روايته ‘أم الدويس′ قبل أشهر، وهو يرصد فيها حالة غريبة من الخوف المرضي لدى بطل الرواية (فيروز)، بينما يضع مقابلا له شخصية صديقه (أبو سيف) الذي لا يهمه إلا اقتطاف اللذة، ومع ذلك يشكل أناه الآخر. وقد صدر للكاتب مؤخرا عن اتحاد الأدباء الإمارات رواية ‘امرأة استثنائية’، وهي نشيد إنساني راق ينتصر لقضية المرأة ويؤكد على وضعها في مكانها الحضاري اللائق، متحديا بذلك الأصوات العديدة التي تحاول جرها إلى عصر الجواري من جديد.
* أنت لك عالمك وتختلف في وحدتك وفي علاقاتك مع الآخرين، لا تحب الاستعراض ولا تحب الإعلام ولا تظهر إلا قليلا، هذه الروح وهذه الطبائع تزيد المبدع علي أبو الريش من توحده مع أفكاره، أم هي صفة أنت متصالح معها وتستريح لها؟
* ‘أنا أتصور أن الإنسان لا يجد ذاته إلا في عزلته، ومتى ما خرج إلى المحيط الخارجي يضطر مرغما لأن يتغير بحسب ما تشتهيه الظروف المحيطة به. وحتى يكون الإنسان كما هو يجب أن يختزل أو يختصر، أو على الأقل يقتنص فرصة ولو وجيزة من الزمن، يكون فيها لنفسه، هذا بالنسبة للإنسان العادي. لكن بالنسبة إلى الإنسان المهتم بالكتابة أو المنتمي إلى الكتابة، فهو يحتاج إلى العزلة لأن وجود هذا الإنسان المنتمي إلى الكتابة في وسط المحيط الإنساني يكون وكأنه كأس ماء في وسط محيط من الماء الملوث. الإنسانة بحاجة إلى هذه الصفوة أو الصفاء أو اللحظة التأملية في هذا الكون، بعيدا عن الأضواء الخارجية. الإنسان في حياته الاجتماعية لا يسمع صوته، وإنما يسمع صوت الآخرين، بالتالي يحتاج في فترة زمنية أن يسمع صوته الداخلي، والذي أقصد به هنا هو صوت اللاشعور الجمعي الآتي من القدم في ذات الإنسان. لذلك، بالنسبة لي، العزلة هي نوع من التطهير للذات وشيء من التهذيب والترتيب والتشذيب للذات، هذه أدوات كلها يستخدمها الإنسان في حالات وجوده وسط محيط ملوث ومشوش وملغم، ووسط محيط فيه من الملوثات ما يبيد المشاعر الإنسانية فيه وما يقتل بضة الحياة فيها. ولذلك العزلة جميلة جدا، ممكن الكثير من الناس يجدون فيها الشيء الخارج عن الطبيعة البشرية، لكن لكل إنسان صفته في النهاية ولكل إنسان جبلته وتاريخه الطفولي أيضا. أنا ولدت في طفولتي وسط عائلة مشكلة من ثلاثة أفراد، وبالتالي بالنسبة للعزلة فهي ليست مشكلة أبدا بل على العكس هي محببة. هذه العائلة قليلة الأفراد ساعدتني أنا في طفولتي وأعطتني فرصة للتأمل وللإحساس بالألم بشكل طبيعي دون مواربة أو مداراة، فبالتالي عندما نشأت وكبرت أصبحت المسألة بالنسبة لي تاريخا متسلسلا، وطبعا من دون شك، فيه من الآلام وفيه من الأفراح، لكن أنا أساسا شخص متألم. قد لا يكون هناك مبررات طبيعية أو خارجية لكن الألم هو ألم وجودي أساسا، ألم داخلي. يكفي الإنسان حاليا أن يقف في الشارع أو يقف في أي مكان في فراغ، ينظر لهذا الاتساع يرى نفسه لا شيء في هذا الكون، ويرى نفسه أنه نقطة في المحيط، مع أن الإنسان أحيانا يشعر وكأنه ملك الدنيا وما عليها. لكن في الحقيقة هذا الوجود مخز حقيقة، وغادر أيضا ومنافق. عندما يخلق إنسان بهذه العقلية وفي لحظة ممكن أن ينتهي إلى لا شيء. إذاً، ما سبب الوجود؟ قالوا لنا ليعمر الدنيا. حسنا، عمرها وعاد دمرها! وماذا بعد ذلك؟ ما هي النتيجة؟ لا شيء. لذا، كل هذا يصنع ألما مستمرا للإنسان ولا يستطيع أن يخرج من دائرة الألم المغلقة للأسف الشديد، نحن الآن بالذات كعرب نحن مصيبتنا أكبر من مصائب الآخرين، فإلى جانب المعضلة الوجودية هناك أيضا المعضلة الواقعية تضيف لها آلام أشد. مثلا عندما نرى دولا بأعظمها بأكملها تتهاوى كلعب كرتونية نتألم، عندما ترى دول بهذه الحضارة الشاسعة منذ فجر التاريخ حتى يومك هذا وتراها تتهاوى كسعف نخيل يابس مأساة كبرى. الحقيقة، من السبب؟ لا ندري. ممكن شخص يأتي ويقول الرئيس هو السبب، نقول لا، نحن السبب لأن هذا الرئيس لم يأتِ من فراغ أساسا بل أتى من ثقافة مجتمع، ثقافة مجتمع تدميرية وعنيفة أيضا، والحاصل الآن يؤكد ذلك. الآن، لو ننظر للوضع مثلا في سورية: المعارضة من جهة والنظام من جهة، والذي يدفع الثمن هو الإنسان السوري البسيط، سواء كان مزارعا أو صياد سمك أو نجارا أو صنايعيا وغيره. وفي تونس أيضا، وفي مصر. أنا اليوم عندما أسمع عن مصر التي درست بها خمس سنوات، مصر أم الدنيا، تعلمنا فيها ودرسنا بها وأحببنا وعشقنا وكرهنا بها، نجدها الآن تدخل في نفق مظلم، لماذا؟ هذا هو الاتجاه الإقصائي، سواء كان دينيا أو ديكتاتوريا، أنا لا يهمني، وهذا لا يعني أني ضد الإسلاميين، وإنما أنا ضد أي نظام أو أي عقيدة تقيد الإنسان وتكبله وتجعل منه آلة. الآن الذي يحصل في الوطن العربي أنه انتقلنا من وضع سيئ إلى وضع أسوأ، للأسف الشديد. وفي يوم ما سنندم على الماضي السيئ أساسا أنه ياليت هذا الماضي بقي وهذا حاصل الآن’.
* هل تعتقد أستاذ علي أن ثقافتنا البدوية أو الصحراوية أو الإسلامية لم نعرف كيف نتعامل معها؟ وبدلا من أن نحدثها البعض يطالب أن نعود للعصور القديمة، كيف في عالم التكنولوجيا هناك من يستخدم التكنولوجيا من جهة وينادي بحد السيف وإعادة المرأة إلى المطبخ، كيف هذا؟
* ‘سأعطيك مثالا. نحن عندما لم يكن لدينا دين، وقبل هبوط الأديان ماذا فعلنا؟ صنعنا من الأحجار آلهة، نحن عبدنا الأصنام، لماذا؟ لأن في داخلنا دكتاتورين: الأول سادي والثاني مازوخي، السادي يريد أن يدمر ويخرب، والمازوخي ينتظر التعذيب ويتلذذ بالتعذيب، وهذا الآن حاصل. نحن الآن في بيوتنا كم ‘لا!’ نقولها لأولادنا؟ هذه اللاءات تخلق وتصنع جبالا من الخوف وجبالا من الديكتاتورية، وبالتالي نحن عندما نقول إن قرار الديمقراطية لا يأتي من هذه العاصمة أو من تلك. الثقافة تنشئة وتهذيب وتشذيب وتدريب، لا يمكن أن تأتي هكذا وكأن أحدا حلم أنه ديمقراطي.. فأصبح ديمقراطيا! وهذا الآن الحاصل. كم من الليبراليين.. وكم من الإسلاميين.. جلدونا جلدا ليل نهار باسم الليبرالية وباسم الديمقراطية وباسم الحرية والإسلام، وعندما تهدمت الحصون الديكتاتورية من جاء؟ جاء الأكثر منهم ديكتاتورية، والأكثر منهم سوداوية، والأكثر منهم كراهية لأي إنسان معارض أو مخالف لرأيهم. هذا يعني ماذا؟ يعني أننا نحن كأفراد نحتاج للمصالحة مع النفس، ونحن في كل منزل بحاجة إلى أخصائي نفسي، نحن محتاجون إلى من يطهرنا من هذه العذابات الداخلية. لا يمكن أن تطلبي من إنسان معذب في داخله ومهشم في داخله أن يطبق الديمقراطية، لا يمكن أن تطلبي من إنسان مدمر في داخله أن يكون ديمقراطي مع الآخر، لا يمكن فاقد الشيء لا يعطيه وهذا هو الشيء الحاصل الآن’.
* كأن الروائي علي أبو الريش لديه حالة وجدانية من التصوف في داخله دون أن يشعر، أو فعلا لديك طقوس تصوف ومتطلع على فكر المتصوفة ودراساتهم، لأن أكثر المبدعين والروائيين في عالمنا العربي خاصة الحديث تأخذهم الأنا وهذه الأنا تأتي من حب الحياة وحب الظهور، هل تميل للمتصوفة وهل قرأت كتبا لهم أثناء تواجدك في القاهرة؟
* ‘أنا لا أميل للتصوف مع أني قرأت كثيرا في التصوف وهو مهم جدا، لكن مثلما يقال: (ما زاد عن حده ينقلب إلى ضده.) وكما قالت رابعة العدوية وهي من أئمة المتصوفة: (من شدة حبي لله لم يبقَ في قلبي مكان لكره الشيطان) بالتالي أنا أتصور أنه بعيدا عن العقيدة كتصوف، كل إنسان متصوف من ناحية، لأنه في النهاية التصوف بالمجمل هو الخروج من الذات عن الذات، هو حالة تأملية وحالة صفاء نفسية، وقد أطلقوا عليهم المتصوفة لعدة أسباب منها حيث يأتي التصوف من الصفا التي هي في مكة، أو هم الذين يلبسون الصوف، أو أسموهم الصفوة. لكن في النهاية، كل هذه تؤدي إلى أن الشخص يأخذ جانبا من الحياة في حالة تأملية وفي تداخل حقيقي مع هذا الكون وخالقه، المهم في النهاية رجعوا إلى أن: (أنا ومن أهوى ومن أهوى أنا) أي أنهم اتحدوا مع الوجود ككل. أنا لا أستطيع أن أتحد مع هذا الوجود، لأنه عندما ينشغل عقلنا استحالة الاتحاد مع هذا الوجود، فأنا شيء والوجود شيء آخر. أنا إنسان آكل وأشرب وأعمل وأعيش، هذا الوجود بما فيه من مكونات غير ذلك، هي مسخرة، وأنا غير مسخر إلا في حالة واحدة هي حالة الموت. أما بقية الأشياء، أنا أمتلك القرار في نفسي. بالتالي تبقى مسألة التصوف هي حالة يجب الإنسان أن يصل لها في مرحلة من المراحل، ويجب أن يغرق في قراءتها أيضا، ويجب أن يقترب من أعلام هؤلاء الناس لأن هؤلاء الناس فطاحل. مثلا ابن صفيح، هذا الشاعر العظيم الذي كان يجلس أربعين يوما دون أكل أو شراب في جبل المقطم، وبعد هذه الأربعين يوما يخرج إلى شوارع مصر ليقرأ القصيدة ويمشي دون أن يرى أحدا. أبضا ابن عربي والحلاج اتهموا كذا واتهموا كذا. نحن بطبيعتنا نتهم، للأسف الشديد يبقى ان هؤلاء صنعوا شيئا اسمه فكر عربي مغاير للعادة ومغاير للطبيعة البشرية. يعني أنت عندما تقرئين عن التأمل لا يوجد تأمل في أي ديانة ما عدا البوذية، وهذه الديانة عظيمة حقيقة، وقد سرق منها الإغريق من فيثاغورس إلى أفلاطون، الكل سرق والكل غرف من هذه الديانة وحتى المتصوفة، ربما يكونون استفادوا من التأملية، النيرفانا في البوذية. أنا أريد أن أصل إلى نتيجة أنه في النهاية الإنسان يجب أن يندمج ويتداخل مع كل الديانات، لأن هذا وجود طلاسم ولا يستطيع أحد أن يقول إنه وصل لليقين، فاليقين لا يوجد في هذا الكون ومن يقول ذلك يكذب’.
* أستاذ علي، لك عدد كبير من الروايات بأحجام كبيرة ومتوسطة، لماذا علي أبو الريش لم يخرج عن خط الرواية؟ ولماذا لم تدخل هذه الأعمال في مجال الفيلم السينمائي الروائي؟ هل يعود هذا لعدم تواصلك مع الآخرين والمحافظة على عزلتك الخاصة، أو أن الأعمال بحد ذاتها غير معدة للمشاركة بعمل سينمائي روائي؟
* ‘للعزلة دور كبير، لكن الأهم من ذلك كله أن الأعمال نفسها بوجودها الآن كرواية لا تصلح أن تكون أفلاما، لماذا؟ لأن أي فريق لن يتقبلها، لماذا؟ بصراحة وليس تعاليا على أحد فأنا أحترم الجميع، لكن أي عمل من هذه الأعمال بحاجة إلى شخص على الأقل درس في علم النفس لأنه محتاج إلى الاقتراب أكثر من الروائي نفسه وليس من الرواية، والآن لا أحد لديه وقت كي يقترب من علي أبو الريش أو غيره’.
* هل نمط العمل التجاري السائد في الأسواق الدرامية والسينمائية يشكل مانعا؟
* ‘لا شك طبعا فنحن نعيش زمن الاستهلاك. وما دمنا نعيش زمن الفوضى الخلاقة في السياسة، فبالتالي هذا كله ينعكس على الفن والإبداع وعلى كل شيء. نحن بعثرنا كل شيء في حياتنا، وبالتالي يجب أن يتبعثر الفن، وإن تبعثر الفن لن يستطيع أن يقترب من أن يكون جادا مئة بالمئة. هناك أعمال، ولكن نسبة قليلة جدا، لكن نحن نتكلم عن الكم الهائل. نحن في زمن التويتر والرسائل القصيرة والفيس بوك، نحن ثوراتنا قامت على الفيس بوك، ثورات العالم أشعلوها فلاسفة من ديكارت إلى جان جاك روسو، ونحن ثوراتنا أشعلتها مراهقات ومراهقون للأسف الشديد، وبالتالي هذا سينعكس على كل ما يدور في حياتنا’.
* كيف ترى المستقبل القريب كنهاية لما يجري في الوطن العربي؟ هل هناك ضوء أمل أو أنه كما يخطط لنا.. أو فعلا هناك ربيع؟ كيف يبدو هذا الأمر من وجهة نظرك؟
* ‘أنا أتصور أن هذا جحيم عربي وليس ربيعا عربيا للأسف الشديد. ليس هناك أجمل من الحرية ومن الديمقراطية، لكن نحن الذي يحصل عندنا أننا نطبق ما يملى علينا من الخارج، سواء كانوا معارضة أو أنظمة، للأسف الشديد. والخارج أو الآخر لا يمكن أن يتمنى لك الخير طالما أنت لا تقدرين هذا الخير الذي لديك، الآن نحن نقاد من قبل دول إقليمية ودول عالمية للأسف شديد، وكل له أجندته وله مصالحه، وهذا حقه. لكن للأسف الشديد، أنا أين من هذه الدائرة؟’.
* لقد ذكرت خلال حديثك أنه علينا نحن أن نبدأ من أنفسنا، أن نعمل شيئا.. كمجتمعات، ألا تعتقد أن المرأة هي الأساس وبإهمالنا للمرأة مجتمعاتنا ما زالت تتراجع؟
* ‘نحن لدينا مشكلة، نحن دوما كنا نقول أن الرجل سبب اضطهاد المرأة، لكن الرجل هو مضطهد.. وفاقد الشيء لا يعطيه، أي لا تنتظري من إنسان أن يقدم لك درهما وهو لا يملك ربع درهم. الرجل هو أساسا يعاني من مازوخية داخلية رهيبة جدا، الرجل عندما يتسلط على المرأة لا يتسلط عليها من باب قوة، بل من باب ضعف، الرجل أضعف من المرأة، وهو يعاني من حالة ضعف رهيبة جدا لأن الرجل أساسا مفكك من داخله، فالرجل مطالب أن يكون عنتر بن شداد في هذا الزمن، وهو لا يملك هذه المقومات. ولذلك كان هذا الصراع، وحتى يستريح قليلا: أين ينفس هذه العدوانية؟ في المرأة. نأتي للمرأة، المرأة أساسا هي التي قبلت هذا الدور المازوخي، وهي التي قبلت أن تكون من ضلع أعوج، وهي التي قبلت أن تكون الطرف الأضعف، وبالتالي مسألة الضعف هذه قاسم مشترك ما بين الرجل والمرأة. وللأسف الشديد المرأة حتى الآن عندما تتمرد لا تتمرد فكرا، بل تتمرد جسدا، وهذه طامة كبرى. نحن لدينا في التاريخ نساء عظيمات، وقد خلدهن التاريخ من دون أن يشعرن أن الرجل يضطهدهن. المرأة قادرة لو أرادت، ولا يوجد ما يمنع المرأة أساسا، وليس الرجل ذاك الأسد الضرغام الهمام الذي من الممكن أن يمنعها. الرجل كائن ضعيف وعلى العكس من طبيعة الرجل، إنه طفل كبير وهو الذي بحاجة إلى المرأة، وليس العكس. لكن نحن نصنع ثوابت ونصنع الكذبة، ونظن أننا صادقون للأسف الشديد’.
* لو تحدثنا عن أعمالك الأخيرة أم الدويس وروايتك الأخرى امرأة إستثنائية؟ وهل تتناول في روايتك ما يجري الآن من أحداث على الساحة العربية؟
* ‘سأكلمك عن الرواية الأولى التي طبعت رواية ‘أم الدويس′. أم الدويس، لدينا في الأسطورة عندنا هي المرأة المخيفة وهي التي يخوفون بها الأطفال، والهدف من أم الدويس هنا في الرواية هو كيف يعلموننا أن نخاف. وأنا أعتقد أن ما يحدث اليوم في عالمنا العربي هو سببه الخوف، لأن الخوف عندما يكبر يصبح كائنا عدوانيا رهيبا جدا ومدمرا، وهذا الآن يحدث. أنت الآن لو حصرت قطا في مكان ودخلت عليه وشعر بالخوف، ماذا سيفعل؟ سيهاجمك طبعا، لأن لديه آخر شعرة بحياته، وبالتالي هذا ينعكس علينا كبشر في حياتنا. سبب مأساتنا وسبب انغلاق فكرنا، وسبب اضمحلال ثقافتنا، وسبب عدم رضائنا عن الآخر هو الخوف. فنحن نخاف من أنفسنا، ونخاف من الآخر أيضا. وبالتالي العالم يتقدم نحو الحرية والديمقراطية، ونحن نمسك معاول لهدم هذه الديمقراطية والحرية بطريقة يسمونها ‘الحمل الكاذب’، فنحن نتعامل مع الحرية والديمقراطية مثل المراهقات، فالمراهقات أحيانا يصبن بمرض اسمه الحمل الكاذب حيث يشعرن أنهن حامل لأنهن يفكرن بذلك. نحن نفس الشيء، نشعر أننا نعيش في جو ديمقراطي وجو من الحرية، ولكن للأسف هي ليست حرية بل هي محاولة للنزوع وكبح هذا الخوف، ولكن لا نستطيع للأسف والرواية تدور في هذا الاتجاه’.
* نحن في العمل الرابع عشر للروائي علي أبو الريش، هناك كتاب وروائيون يحلمون بالشهرة العالمية ويطمح لنيل جائزة نوبل والآن في هذا العام ترشح الشاعر حبيب الصايغ لجائزة نوبل، لماذا لا يطمح علي أبو الريش لهذه الجائزة، وكيف ترى ترشح إماراتي لجائزة نوبل؟
* ‘أولا بالنسبة لترشح الأخ حبيب، أنا أعتبر أن هذا طموح مشروع ومن حقه هو أو أي إنسان آخر أن يترشح لها، هذا بالنسبة لحبيب. بالنسبة للجائزة هي اسم جميل، لكن أنا شخصيا لا تعنيني لسبب بسيط أنها فرحة وقتية للإنسان أنه نال جائزة نوبل الدولية، كونها آخذة صيتا إعلاميا وماديا. لكن على مستوى التاريخ ،كثير من عظمائنا لم يأخذوا جائزة نوبل لكن ترسخت أسماؤهم في أذهاننا قبل نوبل، وبالتالي أنا لا تشغلني هذه الأشياء’.
* كيف ترى مسيرة وتطور جائزة الشيخ زايد والأبواب الأخرى التي توسعت للأعمال الأدبية والفنية؟
* ‘أنا أتصور الآن أنه أيضا بوجود الدكتور علي بن تميم، الجائزة ستأخذ أبعادا مهمة جدا بحكم ما للرجل من باع في مجال النقد، وبحكم أن ما للرجل من اهتمام حقيقي بقيمة الإبداع على مستوى الوطن العربي ككل. مثلا، الجائزة طبعا الآن لا أعتقد أن ينقصها العقول، ولكن محتاجة إلى أن يعطيها الإعلام حقها، للأسف الشديد جائزة بهذا الحجم المعنوي والمادي وتحمل اسم رجل خالد في ذهن كل إنسان عربي، يجب أن يحاذيها أيضا إعلام يحترم نفسه ويحترم الجائزة بشكل حقيقي، لكن للأسف هذا الشيء غير موجود’.
* كيف ترى الإعلام وهو يخوض مع الربيع العربي، هل ساهم بالتجييش؟ وهل استطاع أن يقدم الحقيقة والمصداقية للشعوب العربية؟
* ‘لا مستحيل، إعلامنا العربي لا يستطيع أن يقدم الحقيقة، إعلامنا تابع، إعلامنا لاحق الضوء ولكن لا يسبق الضوء، ولا حتى يقف إلى جانب الضوء، للأسف الشديد. إعلامنا يا مع، يا ضد، وهنا تكمن الخطورة. هناك أجهزة إعلامية مسخرة لجهات معينة، ومناقض لها أجهزة إعلامية أخرى. ولذلك، إلى جانب الارتباك الذي يعيشه الإنسان العادي، هذه الأجهزة وهذه التناقضات أضافت ارتباكا إلى إرتباكه. نحن نقف على سبيل الأذواق، وعلى سبيل الذهنية، وعلى سبيل المعركة وتلقي المعركة، رغم وجود وسائل الاتصال الحديثة، لكن هذه زادتنا طامة أكبر، لأنه أصبح الخطأ والصح كله مع بعض، لا يوجد مصفاة، ولا يوجد تلك الأجندة السياسية والثقافية الواضحة والمؤثرة في الوجدان الإنساني. الكل يلهث لتدمير الآخر، وفي النهاية لا تدمر إلا الأوطان والأشخاص البسطاء الذين لا حول لهم ولا قوة’.
* سننهي بمصر، وأنت قد درست في مصر وتعرف طباع الناس من الشارع المصري، كيف ترى مستقبل مصر؟ وهل سيكون هناك مشاركة أم أن الأمور ستتطور باتجاه آخر؟
* ‘مستحيل أن يكون هناك مشاركة في منظومة وفي وجود هذه المجموعة (من الإسلام السياسي) استحالة، لأن أجندة هذه المجموعة هي الإقصاء والتفرد والإلغاء، هذه مجموعة لها نظرة أحادية ويجب أن نعرفها على حقيقتها ويجب أن نتفهمها وهناك فرق وأنا مقتنع قناعة تامة أن هناك فرقا ما بين شيء اسمه إسلام وبين ما يسمى بالإخوان المسلمين. دعينا نكون واضحين، هذا مصطلح سياسي ليس له علاقة بالإسلام، هذا مصطلح يمثل مجموعة أرادت أن ترشح شخصا وتصل للحكم في كل مكان سواء في مصر، أو في تونس، أو في أي مكان، ويجب أن ينتبه العالم لهذا’.
* كيف ترى سورية ونحن على أبواب حديث حول حوار، هل من الممكن بعد سنتين ونحن في الثالثة أن يأتي نظام من الإسلام السياسي ممكن أن يستقر به الوضع في سورية؟
* ‘صعب، فأنا أتصور أنه صعب، بلد مثل مصر ومثل تونس ومثل سورية لا يمكن أن يحكمها اتجاه واحد، سواء كان في السابق أو في الوقت الحالي. إنها محتاجة لعقلية تتخلص من أدران الماضي وتتخلص من الأدران الثأرية. الحاصل الآن حرب ثأرية، جماعة ضد جماعة والذي يضيع فيها الأوطان للأسف الشديد’.
* كيف ترى تأثيرات ما يحدث على الخليج العربي؟
* ‘الخليج في النهاية جزء من هذا المحيط ولا يستطيع الخليج أن ينأى بنفسه عن الأحداث ولا يستطيع الخليج أن يقول: إذا سلمت فما علي إلا من جماعتي؟ لا، الكل يتأثر بالكل، لكن فقط ما يميز بعض دول الخليج عن غيرها طريقة التعاطي أو العلاقة ما بين أنظمتها والشعوب وبين الحاكم والمحكوم، بالتالي حتى على صعيد الدول الخليجية ليس جميعها مثل بعض، لكن بالتأكيد الجميع يتأثر’.


 
gnews

أحدث الأخبار



 




الأكثر مشاهدة