السقوط الى أعلى

تعرّضتُ للزحلقة الاسبوع الماضي، مما أصابني بكدمات في جبهتي» الخارجية» وقدمي اليسرى»يبدو أني يساري» وانا ما بعرف. وبالطبع تعرضتُ معها لضحكات من بعض الصبايا المنتظرات دورات ادارة.اضافة اعلان


الطريف أن أحدا لم يحاول مساعدتي على الوقوف. كل ما فعله سائقو التكسي أنهم عبروا عن مشاعرهم وتعاطفهم، واكتفوا بالقول»بسيطة»،»يا ساتر». ولهذا قمتُ أتّكىء على بعض عافيتي وسرتُ نحو» الجريدة»،مبتلعا أطنان الألم الذي احتلّ رأسي وقدمي.

كان ثمة سلخ للجلد ودم يسيل بهدوء تحت البنطال، ولم يكن ثمة علاج، رغم دعوة احدى الزميلات المحترمات وزميل آخر محترم عرض نقلي الى المستشفى.

تذكّرتُ،طفولتي وأيام» الولدنة»،عندما كنتُ أتدحرج على «جبال الفوسفات» في « الرصيفة». وقبلها في «إربد»، عندما كنا نذهب ـ مع اولاد الحارة، للعب كرة القدم في « السّهْل» وهي أرض فارغة يابسة غير مزروعة. طبعا،الآن لم يعد في»إربد» شيء اسمه» السّهْل»، بعد أن زحفت الحجارة والاسمنت، ومنحت أصحابها مثل باقي المدن بعضا من يباسها وجفافها.

كنتُ طفلا كثير» الوقوع» على الأرض. وكانت اصاباتي متعددة،وملامحي مشوّهة.

لكني في كل مرة، كنتُ أجدُ رأسي نحو السماء. وهي بداية حالة «السرَحان» التي لازمتني سنين عددا.

وقبل عام، تعرّضتُ لنفس الموقف وانا اسير بجوار «مول» جديد. كنتُ أرنو بمخيلتي الى عنان السماء، ربما متسائلا ماذا يريد الناس من هذه الدنيا الفانية.

كانت تقول المرحومة أُمّي»انت ولد ما بتتعلم من اللي بجرى إلك،دايما بتقع وبتقوم وبترد تقع».

بينما كان والدي يصرّ أن « كثرة التفكير بتنشّف المخّ». وانا مخّي ناشف. بس قلبي طيّب.

ولهذا، وبعد «زحلقتي الأخيرة»، غيّرتُ مشواري اليومي، وصرتُ أتمشّى كل يوم في الخامسة صباحا.حيث الشوارع خالية والناس تغطّ في نوم عميق.

لاحظتُ بقايا ومخلّفات الكائنات مهملة وملْقاة على اطراف ووسط الشوارع.فأدركتُ أن الناس لا تسير مثلي ولا تنظر الى السماء،ولهذا فهي لا تسقط أرضا، بل تسقط الى الأعلى. مثل موت الأسماك. تموت وظهرها الى أسفل.

يشربون القهوة والشاي وغيرهما ويقذفونها من السيارات ومن»البلكونات». هم ، لا يعترفون بالأرض، ولا يرون من الإسفلت الاّ السواد.

هل نحن مجرد أسماك، نهرب دوما من «قنْص» الصيادين. وما أكثرهم.

ربما !!