الخميس 2024-12-12 02:46 ص
 

الشاعر الاردني محمود الشلبي: التراث والمعاصرة معادلة لا تستقيم من دون طرفيها!

10:09 ص

الوكيل - أجرى الحوار نضال القاسم: يعتبر الشاعر والناقد والأكاديمي الدكتور محمود الشلبي واحداً من أهم الأصوات الشعرية في الاردن، درس الأدب العربي في جامعة بيروت العربية، وتخرج فيها سنة 1972، وحصل على درجة الماجستير من جامعة الأزهر بمصر سنة 1978، وأتمَّ دراسته للدكتوراة في الجامعة نفسها متخصصاً بالأدب والنقد العربي سنة 1981، وحملت أطروحته للدكتوراة عنوان ‘الصورة الفنية في شعر المتنبي’.اضافة اعلان

وقد أشغل الشلبي عدة مناصب في وزارة التعليم العالي، وعمل عميداً سابقاً لعددٍ من الكليات الجامعية المتوسطة خلال السنوات 1987- 1995، ومستشاراً لرئيس جامعة البلقاء التطبيقية للشؤون الثقافية والإعلامية، ورئيساً لتحرير مجلة (وسام) التي تصدرها وزارة الثقافة، وهو عضو رابطة الكتاب الأردنيين، والاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب، وترأس لجنة الشعر في مهرجان جرش للثقافة والفنون سنة 1985. وهو يعمل حالياً أستاذاً للأدب والنقد في جامعة العلوم والتكنولوجيا الأردنية.
وقد استطاع الشلبي طيلة السنوات الماضية أن ينفذ بموسيقاه العميقة الى ذائقة مستمعيه تاركاً فيهم أثراً أقل ما يُقال عنهُ أنه أثر إبداعي. فقد شهدت له المحافل الأدبية ومنصات الشعر بقراءات غاية في الجمال والروعة. وهو يتصف بغزارة الإنتاج سواء الشعري أو البحثي، ويعد واحداً من أبرع شعراء الثمانينيات الذين أسسوا وبنوا تجربتهم الشعرية في عقد السبعينيات من القرن الماضي.
في هذا الحوار يتحدث الشاعر محمود الشلبي عن بعض جوانب تجربته الإبداعية، ومشاغله الحالية، وتطلعاته المستقبلية، وعن العلاقة بين الشاعر والجمهور، وبين الأدب والحرية، وعن أشياء أخرى تشكل بعض هواجسه الفكرية والأدبية.
*كيف تشكلّت مخيلة الشاعر ونظمه لدى محمود الشلبي؟ ومتى كانت ولادة أول قصيدة ؟
*البدايات تنتمي للطفولة، لحركة خفيّة حاورتني شاباً، فاستجبتُ لندائها الخفيّ فيّ، فتصالحتُ مع الطبيعة في منطقة الباقورة في الأغوار الشمالية..حين طغى الدرسُ الشعري على التعليمي، فكتبت أبجديته الأولى في الثانوية، وأعلنتُ تمرّدي على المألوف، فعشقت حركة الغيوم، وتغيراتها المتحولة في السماء..كنتُ في أول العشق مشتعلاً بالحُبّ..ومأخوذاً بالشعر..البيئة الخاصّة ملأتني بالمعنى فلامست جمال الأشياء برقة طفل مشاكس..وأقبلت على قراءة الشعر..وكتابته بخط يدي، استجابة لضيق اليد، وآلفتُ بين الواقع والخيال في معادلة الشعر.. واصطدت المعنى والصورة بشبكة الفن..التي نسجتها أحوالي، تحت شموس الغور.

* إضافة الى الدواوين التي صدرت لك (عسقلان في الذاكرة)، و(يبقى الدم ساخناً) و(أشجار لكل الفصول) و(منازل لقمر الآس) و(أجيئك محترساً من نبضي) و(أحلام نافرة) و(سلالم الدهشة) و(سماء أخرى)، وغيرها للكبار والأطفال.. ما هي مشاريعك القادمة، وماذا عن المستقبل؟
*هذه الأعمال هي حالاتي وتحولاتي، ونسيج الخبرة المستخلصة من رحلة العمر في آفاق الفن، والشعر خاصّة، أمامي الآن..أعمال جديدة. شكّلتها التجربة الحداثية، وشعرية اللغة، أمامي:- (حقول الناي) ديوان شعر جديد في طريقه إلى الصدور.. و(كمائن أليفة).. يختزل هواجس وتأملات، ويتفرّد برغبة مشاكسة للولوج إلى آلامي وآمالي.. وقنص سْرب من تجليات النص الشعري وجمالياته، بألفة حادّة ورغبة في استغوار الحياة والناس.. وفي لغةٍ أظنّها- مُستلّة من الحياة اليومية وتداعياتها ومشاهدها.. وتنتمي إلى كيمياء النصّ، وتفاعلاته.. وأمامي أيضاً عملان يتوزعان بين الإبداع والمعرفة.. الأول بعنوان:- (مرايا التأويل/ قراءات نقدية في تجربتي الشعرية لعدد من النقاد والدارسين منذ بداية تجربتي الشعرية عام 1976 وحتى الأن).. والثاني كتاب ينتمي إلى الحداثة والتاصيل، وهو إنجاز أزعم أنه غير مسبوق- وعنوانه:- (التعديل الوراثي في الشعر الحداثي/ محمود درويش نموذجاً) تناول بالتحليل والتعليل والدراسة، الأعمال الشعرية الخمسَة الأخيرة لسفير الحلم الفلسطيني: محمود درويش..أي بدءاً بـ (جدارية) وانتهاء بـِ (لا أُريدُ لهذي القصيدة أن تنتهي) بيّنت فيه أثر التعديل الوراثي في الشعر، وكيف تمكن محمود درويش من استيعاب هذا المفهوم وتمثُّله من خلال قصائده الحداثية، وما تمتعت به من حداثة جمعت بين الأصالة والمعاصرة، وظهرت في القصيدة المختلفة على صعيد اللغة، والصورة، والإيقاع.. وكيف أنه تمكن من توظيف الهندسة الوراثية في العلوم، لينقلها إلى الشعر فجاءت قصيدته محسّنة وراثياً، ومهجّنة، تمتلك إمكانية عالية في تلبية متطلبات العصرنة، وتتجاوز حدود المألوف إلى فضاءات الحداثة والتميّز، لتجيء محمّلةً بالمعنى الجديد، واللغة الطازجة، بعيداً عن لغة المعاجم والنمطية، وهذه الدراسة ستصدر قريباً، ففيها ما يمكن الوقوف عنده، ومناقشته.. وهناك عمل ثالث تحت الإعداد، وهو بحث في:- (أبجدية الصخر.. البتراء في الشعر العربي المعاصر) دراسة وتحليل.. وجمع لقصائد الشعراء التي قيلت في إحدى عجائب الدنيا.
* هل تتفق ووجهة النظر القائلة بأن وظيفة الشعر إنقاذ الروح من شوائب الحياة العصرية ؟
*الشعر حلم.. وإبحار في الواقع والخيال، ورؤية ما لا يُرى بالعين، إنه سفر في عالم الروح، وحالة من حالات التنوير الصوفي، والسياحة الشاقّة في تضاريس النفس، ومنعرجات الذات في ظلّ الحياة العصرية التي جنحت إلى التكنولوجيا وما يتَّصل بها من إنجازات علميّة مذهلة، طغت سطوتها على الروح، ونأت بها كثيراً عن عبقرية البساطة، وعفوية الحياة، ولهذا جاءت الحاجة لإسعاف هذه الروح المنزهة عن المادة، من عوامل التعرية والتّحات، ومن مؤثرات الحياة المتسارعة والمتمثلة في الانترنت والكمبيوتر.. وملحقاتها..ثم إن طبيعة الشعر ميّالة بالفطرة إلى ينابيع الروح، ومكامن النفس الإنسانية حيث تجد فيها مادة الإبداع الطاهرة من الندم.. والهاربة من تأطير الفكر والخيال في قوالب المادة، وهيمنة العولمة والتكنولوجيا، وإن كنتُ لا أُنكرُ أهمية هذه المستجدات، كمتطلبات أساسية لسيرورة الحياة وديمومتها..حتى لقد أصبح الشعر خاصةً مواكباً لهذه الحركة، وملتقطاً من العلوم البحتة مادته أحياناً للمواءمة بين (العلم والفن) في ضوء المتغيرات الثقافية في عصرنا… بحيث لا يبقى الشعر في معزل عن الحياة.
* التراث كموضوعة جدلية قائمة، كيف تنظر إليه، وما مدى تأثير التراث العربي القديم والأدب الغربي باتجاهاته المختلفة في تجربتك، وكيف تنظر الى التجريب في الشعر ؟ وما مدى توظيف الأسطورة والرمز في شعركم ؟
*هذا سؤال متعدد الجوانب، متشعب.. فهو مجموعة من الأسئلة في سؤال افتراضي واسع.. لكن يمكن تناوله من خلال الحديث عن التراث والمعاصرة، واتجاهات الأدب العربي المختلفة، أولاً..
لابُدَّ من التأكيد على أهمية التراث وأصالته في أعمالنا الأدبية، ومنها الشعر..لكن ليس كل التراث صالح للاحتذاء والتناول، الإيجابيات الكامنة في تراثنا العربي كثيرة.. وهي لا تتعارض مع المعاصرة والحداثة، بل ترفدها وتُثريها، ولكل أمّة تراثُها وحرصها على هذا التراث، فهو النُّسْغ الذي يُغذّي أي عمل أدبي، ويمنحه التجذّر في أرض الإبداع، البعض يرى رغبة في الانفصال عن التراث، والبدء من نقطة بعيدة عنه..من حداثة لا تنتمي إلى القديم..تتجاوزه ولا تعيد صياغته، بل تطرح بدائل جديدة ورؤى عصرية منقطعة عنه. وكما أشرتُ سابقاً بأن التراث والمعاصرة، معادلة متكاملة لا تصح بدون طرفيها.
أما التجريب في الشعر، فهو من استحقاقات القصيدة الحداثية، ومن مستلزماتها الفنية والموضوعية، القصيدة الشعرية حركة دائمة، تيار من الوعي واللاوعي، انتقال من المألوف المستهلك إلى الجديد بما فيه من غرابة وغموض ودهشة، القصيدة الجديدة لا يمكن أن تستقر أو تهدأ..أو ترسو على شاطىء الاكتمال والهدوء والراحة، والشاعر المختلف ينساق دائماً إلى التغيير والتطوير والتجريب، أو يسوق هذا التغيير من خلال الشعر الذي يأبى التدجين والتطبيع، وينزع إلى التمرّد والتفرّد..شكلاً ومضموناً.
أما عن توظيف الأسطورة والرمز في الشعر..فهما من مكوّنات الشعر العظيم، بهما تتوالد أبعاد جديدة في النصّ، وتتسع فضاءاته، وتنداح دوائره ليلامس آفاق الإنسانية، ويتخلّص من سطوة الذات وجاذبيتها.. في الأسطورة توظيف الميثولوجيا الإنسانية في الفن..لإحيائه وإثرائه، وفي الرمز دلالات وإيحاءات تكسر إطار التقليد والمباشرة لتقف على مشارف الفن الحقيقي النقيّ..بما فيه من تجذّرٍ واستشراف وتجاوز.. ورؤيا..إنه معنى المعنى..ومرايا الفكر التي تعكس غير صورة..وتشير إلى اكثر من مفهوم..في الرمز تعدّد الرؤى، وتلبية عميقة لسؤال الحلم وتداعياته الشعرية.
* ماذا عن الإبداع الروائي العربي وهل صحيح أن الشعر دخل في طريق مسدود؟
*أنا لستُ مع هذا الطرح، الرواية لها مكانتها وأهميتها على المسطرة الثقافية العربية.. وللشعر فضاؤه ورؤاه التي لا تقف في طريق مسدود. الرواية العربية حقّقت حضوراً فاعلاً على الساحة الأدبية العربية، لها قراؤها ومعجبوها، ولها ضرورتها في حياتنا المعاصرة، نظراً لشموليتها وجاذبيتها وقدرتها على استيعاب الحياة والإنسان، والتأثير في القارىء، لتعدّد جمالياتها وتجلياتها.. وإمكانياتها في الإحاطة بهموم الإنسان المعاصر، وطموحاته..
والشعر يمتلك هذه الخصائص، أعني الشعر الجيد، الشعر المُصَفّى.. وهو جزء من الحياة، فالشعر يوجد حيث توجد الحياة، ولا حياة بدون شعر وإذا كان ثمة عيب أو تراجع في القصيدة الحديثة، فهو في إمكانيات الشاعر وفي شاعريته، وفي عجزه عن تلبية متطلبات هذا الفن الجميل واشتراطاته، لذلك فإن الشعر الآن لا يقل في مستواه عن الرواية..ثمّة نماذج شعرية عظيمة، وثمة قامات مثلها.. علينا أن نتجاوز حدود الاتّباع غلى آفاق الإبداع.. وأرى أن الشعراء اليوم ولا سيما جيل الشباب تلزمهم الثقافة العميقة الواسعة والخبرة، ولابُدّ لهم من إتقان ادواتهم الفنية، وعدم التسرع في الكتابة، تلزمهم القراءات المتنوعة، يلزمهم التريث والصبر، والنظر في التراث واستلهام جوانبه الإيجابية، كما يلزمهم مواكبة روح العصر، وتشرّب الروح الجديدة بوعي، ومتابعة، والإطلاع على الإبداع في الغرب لتكتمل التجربة.
* ما هي حدود العلاقة بين الأدب والحرية من وجهة نظرك ؟ وكيف ترى مسؤولية المبدع في صنع المستقبل العربي، خصوصاً في الأيام العصيبة والأوضاع العربية المتردية الآن ؟
*الأدب والحرية صنوان، والعلاقة بينهما جدلية، كل أدب عظيم ينعم بقدرٍ عالٍ من الحرية، الكبت والقمع والاضطهاد لا يفرز أدباً جيداً، حرية الفكر، هي نار القصيدة، وشعلتها المتقدة..هي الروح التي تمنح الكلام روحاً اخرى، وسماءً اُخرى..
الغرب تفوَّقَ علينا في الإبداع لأن الأديب يمتلك هامشاً واسعاً وعميقاً من حرية التفكير والتعبير دون رقيب أو حسيب ودون وضع المحّددات في طريقه، المبدع طائر لا توقفه الحدود.. وليس لها قوالب تعبيرية جاهزة، أو مفروضة عليه من خلال واقع قسري، وهيمنة ثقيلة..معظم الشعراء الذين تألقوا في إبداعاتهم، لهم مدارات وفضاءات حرّة..لا تتقيد بسلطة أو رقابة أو قيد..هكذا تصبح الكلمة رسالة إنسانية خارجة من إطار القيد..ومتمّردة على الآسن والثابت.
أما دور المبدع العربي ومسؤوليته اليوم..فهو في موقف التحدّي.. وفي دور صَعب، يحتاج إلى مزيد من الحرية، والديموقراطية، وعليه مسؤولية تنويرية، وله رسالة إنسانية..تتجلّى من خلال الإبداع والإنجاز النوعي لما يكتب بحيث يصبح شريكاً للثائر.. والرافض.. وحاملاً لعبء الوطن.. وهو عنصر فاعل في صياغة الربيع العربي واكتماله وعليه دائماً أن يكون في الطليعة، إذ إن جميع الثورات التحررية، والحركات الحضارية تحتاج دائماً إلى المفكرين والأدباء والفنانين ليرافقوا حركية هذا التحوّل والاسهام في إنجازاته، بالكلمة، والموقف.. والفعل القادر على رفد هذا الواقع، ومحاولة تغييره.
* صدر لك في مجال الكتابة للأطفال مجموعة من الدواوين الشعرية، ومنها ديوان (هكذا يسمو الوطن) و(الديك والنهار) و(عصافير الندى) و(أزهار وسنابل) و(بستان الشموع)، كيف ترى واقع الحال بالنسبة لأدب الأطفال في الأردن؟
*الكتابة للأطفال عمل شاق وصعب، يتطلب جُهداً وخبرةً، ويستدعي مسؤولية خاصّة في هذا المجال، لأن ما يصلح للاطفال يصلح للكبار وأدب الأطفال فن أدبي قائم بذاته، له لغته، وأسلوبه، واهدافه النابعة من ثقافة الأطفال وطموحاتهم.
ولابد من التفريق هنا بين أدب الأطفال وبين طفولة الأدب فعندما نكتب للاطفال نحتاج إلى بساطة اللغة، وشفافيتها، وحيويتها، نحتاج إلى الفكرة الطريفة المحببة لدى الأطفال، نحتاج الأسلوب المُشرق المشوق، والبعد عن التعقيد، والتكلّف.. على الشاعر الذي يتوجّه في كتاباته للاطفال، أن يتقمصّ شخصية الأطفال انفسهم، وأن يسعى بعفوية وتلقائية إلى مخاطبة الطفل الكائن في داخله.. أن يرتقي بخياله إلى مستوى خيال الأطفال، لا أن يتنازل ويهبط مستوى طفولة الأدب.
ومن هُنا، فإنَّ فهم سيكولوجية نمو الأطفال، ومعرفة اهتماماتهم، وتفكيرهم، يساعد الكاتب في دخول عالمهم، وملامسة همومهم، والتعايش معهم بصدق، من خلال معرفة اللغة المناسبة، والفكرة الصائبة.
أمّا واقع أدب الأطفال في الأردن، فأعتقد أنه ما زال في طور التشكّل.. ولم يمتلك بعد هويته الخاصة والمميزة، فعمره الزمني والفني قصير، فمنذ عام 1979 وهو العام الدولي للطفل، لم يكن في الأردن، آنذاك ما يشير إلى إنجازات نوعية في هذا الفن.. كانت مجرّد محاولات تعليمية وعظيّة.. محكومة بالوعظ والتقريرية..
وربما كان ديواني الموسوم (هكذا يسمو الوطن) أوّل عمل شعري موجّه للأطفال، وهو تجربة جديدة لا تخلو من هنات.. لكنه كان خطوة أولى على الطريق، لاقت قبولاً.. وقد أسهم عدد من الزملاء والشعراء في الكتابة للأطفال، وقدّموا المزيد من نتاجهم.. ولابد من الإشارة هنا إلى أن مناهج اللغة العربية للمراحل الأساسية والثانوية في الأردن أخذت تُعنى بادب الأطفال، وأدخلت عدداً من القصائد والقصص لكتاب أردنيين لتشكّل نواة جيدة لأعمال الأدباء على صعيد المناهج في مجال اللغة العربية، وهذه خطوة تستحق التقدير والاهتمام، لما لها من أهمية في الدخول إلى عالم الطفل، وتقديم نماذج من النصوص المناسبة للطلبة من خلال الكتاب المدرسي.
التوجّه للأطفال في السنوات الأخيرة، أضاف إلى الحركة الأدبيّة لوناً جديداً لهذا الجيل..وألقى الضوء على أهمية ثقافة الطفل وإثرائها، وضرورة الاهتمام بها، لتتكامل شخصية الطفل، ويستقيم ذوقه وتتسع ثقافته.
* ما هو الهدف الذي تتمنى أن تحققه مجلات الأطفال في الأردن، وفي مقدمتها مجلّة وسام التي تصدر عن وزارة الثقافة؟
*تشكل مجلاّت الأطفال في الأردن ولا سيما ‘وسام’ الصادرة عن وزارة الثقافة.. و’حاتم’ الصادرة عن المؤسسة الصحفية الأردنية/ جريدة الرأي، مُتنفَّساً حقيقياً للأطفال، لما لهما من دور أساسي في ثقافة الأطفال وتوجيههم…لقد خصَّصت كلتا المجلتين صفحات لإبداعات الأطفال، وتجاربهم في الكتابة، والرسم، وفي مجال الخيال العلمي، والأدب، والتاريخ والثقافة…إضافةً إلى ما يكتبه الكتاب الكبار للأطفال…وضمن هذا المجال فقد وجد الأطفال متسعاً لهم لممارسة الكتابة، وإظهار المواهب، وتطويرها.
وقد عملتُ لعدة سنوات رئيساً لتحرير مجلّة (وسام) وعملنا مع أسرة التحرير كفريق واحد، لتطوير المجلّة…وتنويع موضوعاتها واستقطاب الكُتّاب لتقديم تجاربهم الموجهة لفئات عمرية مختلفة.. وربما كان لهاتين المجلتين أثر ملموس في إعداد جيل جديد على درجة عالية من الثقافة، ومن خلالهما نضجت بعض التجارب الشبابية في مجال الشعر والقصّة والخاطرة.. والمقالة.. وحتى في مجال الفن التشكيلي..
إن المجلّة رديف للكتاب، وصديق ممتع للأطفال لما تتميز به من إخراج فني، وتنوّع، وتقديم المعلومات بأسلوب مشوّق مما يساعد في تعميق ثقافة الأطفال، وتوجيههم تربوياً ونفسياً في مجالات المعرفة الإنسانية.
* حصلت بعض قصائدكم وأعمالكم الشعرية على العديد من الجوائز العربية والمحلية، وهذا يُعدُّ إنجازاً مهماً، فما هو الأثر الذي تركته هذه الجوائز في نفس محمود الشلبي؟
*الجوائز تقدير معنوي للكاتب، وشهادة اعتراف بجهده الأدبي، وهذا في حد ذاته تعزيز لقدرات الأديب، ونتاجه الإبداعي، وتشكل هذه الحالة نوعاً من إلقاء الضوء على تجربته في مراحلها المختلفة.
صحيح أنني حصلت على جوائز في مجال أدب الأطفال، وأغنية الطفل العربي، والأغنية العربية من خلال نصوص شعرية.. إضافة إلى جوائز أخرى في الشعر وفي مجال الدراسة والبحث.. وهذا يمدُّ الكاتب بطاقة معنوية إضافية، ويحفزه على مواصلة الإبداع بروح معنوية عالية، وثقة. مما يعمل على مزيد من الإبداع والإنجاز، ويضع الأديب أمام مسؤولية وتحدّ.. مما يشكّل بُعداً إضافياً من أبعاد العملية الإبداعية، والعمل على تجويد النتاج الأدبي والإفادة من التجريب، لتحقيق الأفضل.
* الشعرية الحديثة هي اقتراح لغة ضمنية داخل النص كما يقول الناقد (سعيد الغانمي) ونجد هذا التعريف ينطبق على مجمل الشعر الحديث. بوصفك شاعراً سبعينياً، كيف تفردتَ من بين اقرانك في الخوض في مضمار هذه الشعرية؟
*يضعنا هذا السؤال أمام شعريّة اللغة، وماهيتها، وفي مواجهة فعل الكتابة الشعرية وممارسته ضمن إطار الحداثة…بدءاً من اللغة الإيحائية التي تتجاوز حدودها الوصفية المعجمية، واهتماماً بالصورة الفنية القائمة على وضع الألفاظ في أجمل نسق، مع نزوعها إلى التركيب والغموض والثراء الفني، المعزّز بالخيال ومعطيات الواقع. وهكذا تصبح الشعرية مجالاً للمعرفة وفضاءً واسعاً للتأويل لما بينهما من علاقة تكامل. وفي هذا المسار المتحول تمكنت اللغة من تحقيق التواصل والتفاعل مع الحياة اليومية، واستمرت في الجموح والانفجار واتخذت طريقها في فضاء الحرية التعبيرية، فتجاوزت كما أشرنا الوضعية المعجمية، وأقامت علاقات جديدة مع الأشياء التي تبدو غامضة وغريبة وغير متوقعة، وهكذا فإن الشعرية تتحمل مسؤولية تحرير الكلمات من قيودها، لتتمرد على سلطة الواقع، والمنطق، وهي كما يرى أدونيس- في أن ‘ سرّ الشعرية هو أن تظل دائماً كلاماً ضد الكلام… واللغة هنا لا تبتكر الشيء وحده، وإنما تبتكر ذاتها فيما تبتكره، والشعر هو حيث الكلمة تتجاوز نفسها مفلتةً من حدود حروفها، وحيث الشيء يأخذ صورة جديدة ومعنىً آخر’.
وعليه – أيضاً فإن الحداثة الشعرية العربية لا تستطيع الثبوت والعالم متغير، كما لا تستطيع العيش في زمانٍ غير زمانها، لاختلاف المفاهيم والقيم، مما يستدعي أساليب جديدة تخترق المعنى المألوف. لإنتاج دلالات جديدة.
*السؤال الحادي عشر:- يقول لوركا ‘لم تُنظم بعدُ القصيدة التي تنغرز في القلب كما ينغرز السيف’، هل كتبت أنت تلك القصيدة ؟
القصيدة الحديثة في حالة مستمرة من التغير والاخترف، في كل مرة تولد قصيد جديدة تحمل سماتها معها.. والشاعر في حالة دائمة من البحث عن القصيدة التي لم يكتبها بعد، وهذا سرُّ تطوره، وسِرُّ الخفاء في القصيدة الغائبة، القصيدة التي تشكل حالة من التمنّع والمعاناة.. ذلك أن كتابة القصيدة مخاض..ومقاساة.. ونوع من البحث عن أشكال مختلفة، البحث عن معانٍ جديدة غير مستهلكة توحي بها الحالة التي يمرُّ بها الشاعر.. في تجربة القصيدة ألم، ومرارة، وصبر ومحاولات تجريبية، واشتباك مع النص في شبه حرب.. أواتها اللغة الشعرية والصورة.. والرمز..الخ..
ولا يمكن أن يصل الشاعر إلى قناعة نهائية بأنه فرغ من كتابة القصيدة الحلم، القصيدة النموذج.. لأن ذلك يعني انتهاء قدرة الشاعر على الإبداع.. إن سرّ جمال الشعر هو في هذا الطّراد المشاكس، والوعي النافذ إلى الأعماق دون أن يلتقي بالقرار.. ليبقى دائم الجري وراء القصيدة النوعية التي تمتلىء بالمعنى، وتشكّل صورة للحياة ومعاناة الإنسان فيها.
*الأسئلة تلّون النص بالدهشة، ومن خلال قراءاتي العميقة لأعمالك كافّة وجدتُ أنها جميعها وبلا استثناء قد طرحت أسئلة مهمة، فهل هذا صحيح ؟
*سؤال الشعر هو روح القصيدة، وعصبها الحساس، وعندما يخلو الشعر من الأسئلة، فإنه يتحول إلى تاريخ، أو موعظة، أو تقرير مكتوب بفتور ورتابة مملّة.. في السؤال استفزاز وتحريض.. ومشاكسة ولعب فني في مجال القصيدة واستكمال جمالياتها.. وسؤال الشعر يعني جذب الحياة بمغناطيس اللغة، ومحاورتها بالأسئلة السابرة التي تسعى إلى إنجاز العمل الشعري بحذق ومهارة وتفرّد.
السؤال في الشعر.. محاولة للدخول إلى عالم غامض.. وكشف السرّ فيه، ومحاولة لفهم الحياة، وقراءتها، وإعادة صياغتها لا مجرد وصفها، وتصويرها من الخارج، أو نقلها بحرفية وأمانة، وقد التفت الفلاسفة إلى مهمة الفن ورسالته، فرأوا ان الفن ليس تمثيلاً لشيء جميل، وإنما هو تمثيل جميل لشيء من الأشياء حتى ولو كان الشيء قبيحاً..
والقصيدة التي لا يشعلها السؤال تبقى ساكنة، باردة.. تقتلها الرتابة، وتدخل في أسْرِ العادة، ونمطيتها.. إن الدهشة المنبعثة من النصِّ، هي تلك التي يفجّرها سؤال الشعر، ويضيئها بما فيه من تجاوز للمعروف إلى إنجاز حالة من الانبهار والوعي.. والمتعة.
* بصراحة شديدة ما رأيك بقصيدة النثر؟!
*مصطلح قصيدة النثر يحمل إشكالية قائمة، ويثير دائماً تساؤلات مختلفة، تدور حول مفهوم الشعر، ومفهوم النثر.. ومدى العلاقة بينهما.. ولا شك أن للقصيدة الشعرية ضوابطها وعناصرها ومتطلباتها، وفي مقدمتها الإيقاع.. والموسيقى.. وما يترتب على ذلك من التزام بالوزن الشعري.. هذا النظام يجعل القصيدة ذات خصوصية لا تتوافر في النثر.. والشعر لا ياخذ قيمته من الوزن والموسيقى فحسب بل لابد من المعنى، والصورة، والفكرة، والأسلوب.. ولابد من الإيحاء والدلالة والرمز، هذه عناصر كامنة في النص الشعري.
إن مفهوم النثر ما زال غامضاً ومشوشاً.. واتساءل هنا ما الفرق بين قصيدة النثر، والنثر الفني الذي عُرف منذ أقدم العصور؟! ذلك أن في النثر موسيقى داخلية وإيقاعاً وبين الشعر والنثر علاقة فنية وبنائية، ويمكن القول إن أسلوب الكاتب هو الذي يحدد صورة الكلام الجميل، وهنا تحضرني مقولة لأبي حيان التوحيدي في الإقناع والمؤانسة، وهي:- أحسن الكلام ما قامت صورته بين نظم كأنه نثر، ونثر كأنه نظم’، ممهّداً لأهمية العلاقة بين الشعر والنثر.
إن معظم النماذج التي قرأتها على أنها قصائد نثر، هي نثر فني قد يرتقي الكاتب بأسلوبها إلى درجة رفيعة، لكنها تختلف عن القصيدة الشعرية وهذا لا يقلل من قيمتها الفنية، فالنثر نثر، والشعر شعر ولكل منهما أسلوبه، وخصائصه الفنية والبنائية المعروفة.
*تصادف هذه الأيام الذكرى المئوية لميلاد الشاعر المناضل عبد الرحيم محمود والذكرى الخامسة والستون لاستشهاده على أرض فلسطين في معركة (الشجرة) في الثالث عشر من تموز عام 1948. ماذا يقول الشاعر محمود الشلبي في هذه الذكرى وأنت الذي أعددت كتاباً عن الشاعر الشهيد الذي روّى دمه أرض فلسطين في بداية الثورة فكان صوته صنو دمه وشعره صدى موقفه الوطني الملتزم؟

*يشكل الشاعر الشهيد عبد الرحيم محمود حالة نضالية متقدمة في تاريخ حركة المقاومة الفلسطينية حيث حمل روحه على راحته، وآلف بين القصيدة والبندقية في مشهدٍ طاهرٍ من الندم. وفي هذه الأيام الحافلة بتحولات الربيع العربي لابد أن ننحني أمام الذكرى الخامسة والستين لاستشهاد ( أبو الطيب) في معركة الشجرة في الثالث عشر من تموز عام 1948.
لقد تمكّن عبد الرحيم محمود من نقل صوت الشعب الفلسطيني الغاضب في مرحلة حاسمة وحسّاسة من بدايات الكفاح المسلّح وانطلاقة الثورة الشعبية، كما حمل هموم الطبقات الفقيرة فكان بحق شاعر الصراع الطبقي في تلك الحقبة المتأزمة من تاريخ فلسطين، لقد رسم دمهُ خارطة طريق مشرِّفة للشعب الفلسطيني.
والمتتبع لحياة شاعرنا ونضاله يلحظ أن عبد الرحيم محمود كان شاعر طبع لا شاعر صنعة، شعره يصدر عن موهبة أصيلة بعفوية وتلقائية دون ميلٍ إلى الصنعة والتكلُّف فقد كان منشغلاً بالشأن النضالي.
كما كان عبد الرحيم مُقلاً في شعره، لكنّ قصائده انتشرت في أوساط الناس مثل قصيدة (الشهيد) المعروفة ومطلعها:-
سأحملُ روحي على راحتي وأُلقي بها في مهاوي الردى
فإما حياةٌ تسرُّ الــصديـــق وإما مماتٌ يغيـظ الــعــدى
وتعدُّ هذه القصيدة من أرفع نماذج الشعر الوطني المقاوم فحفظتها الأجيال أنشودة حماسية تمثلُّ انتماء الشاعر للأرض والحرية كما تحمل صدقه الحقيقي في القول والفعل.


 
gnews

أحدث الأخبار



 




الأكثر مشاهدة