السبت 2024-12-14 02:52 م
 

الطريق الصحراوي كارثة وطنية

08:46 ص

ازدادت حوادث السير على الطريق الصحراوي، خلال الأسابيع الأخيرة، بشكل كبير. ووصلت آثار بعضها إلى إغلاق الطريق الحيوي أمام حركة السير لساعات طويلة. حدث هذا الأمر ثلاث مرات خلال الأسبوع الماضي فقط، فيما شهدت الأسابيع الثلاثة الأخيرة أكثر من خمسة حوادث كبيرة، تسببت بعدد من الوفيات. يتزامن ذلك مع بداية أعمال صيانة محدودة لا تتجاوز بضعة كيلومترات زادت الوضع تعقيدا، إضافة إلى حالة من الازدحام غير المسبوق على الطريق، وخصوصا من سيارات الشحن الكبيرة.اضافة اعلان

الطريق الصحراوي اليوم كارثة بالمعنى الحقيقي للكلمة. والسير عليه مغامرة يمارسها آلاف من المواطنين وضيوف الأردن كل يوم. وبالإضافة إلى رداءة الطريق الذي قيل عنه الكثير ولم تؤد إلى صيانة حقيقية منذ سنوات، فتحول إلى مصيدة تحصد أرواح البشر؛ فإننا نلاحظ تداعيات أخرى لهذا الواقع، يتمثل أهمها في سلوك سائقي سيارات الشحن الكبيرة. فمن دون شك، معظم حوادث السير القاتلة على هذا الطريق تتسبب بها هذه السيارات، إذ يصر كثير من سائقيها على احتلال المسرب الأيسر، بل ويتسابقون على ذلك، وهو الجانب الأقل رداءة من الطريق؛ فيما تزدحم سيارات نقل المواطنين الصغيرة خلفهم في مشاهد مرعبة.
أعلنت الحكومة مؤخرا تخصيص مبلغ 170 مليون دينار لصيانة الطريق من المطار إلى معان، أي بحدود 200 كيلومتر. وهذا يعني تغيير الطبقة الإسفلتية فقط. وهو حل مؤقت وترقيعي، لا يأخذ بعين الاعتبار حجم التغيير الذي تشهده البلاد، ولا الزيادة الكبيرة في استخدام الطريق، وازدياد حركة الشحن والحمولات الكبيرة، وتحديدا ما بين عمان والعقبة. إذ تذهب التقديرات الهندسية إلى أن أعمال صيانة من هذا النوع لا تصمد سوى ما بين ثلاث إلى أربع سنوات في أعلى تقدير، ثم نحتاج إلى مبالغ أكبر لإعادة الصيانة من جديد.
الحل الوحيد يتمثل في إنشاء طريق مواز أو بديل، يخصص لسيارات الشحن الكبيرة، ويقام وفق الأسس الهندسية الملائمة للشحن. صحيح، كما يبدو للوهلة الأولى، أن الظروف الاقتصادية لا تسمح بذلك؛ فالطريق الجديد قد يحتاج ما بين 600-700 مليون دينار، إلا أن هذا المبلغ الذي قد يدفع على مدى أربع سنوات إذا ما تم تنفيذ الطريق على مراحل، يعد أفضل استثمار استراتيجيا؛ فلا تنمية من دون طرق وشبكات نقل حقيقية، تربط بين مواقع تجمع الموارد ومناطق الاستهلاك والإنتاج.
في كل تجارب التنمية الناجحة في شرق العالم وغربه، منذ صعود الدولة القومية في أوروبا في عصر النهضة إلى تجارب أوروبا الشرقية وشرق آسيا القريبة، كانت الوثبة الحقيقية والمبكرة تتمثل في بناء شبكات الطرق وتدشين البنى التحتية للمواصلات وسكك الحديد. ولا يمكن التفكير جديا في تنمية المحافظات التي تكتنز في باطنها وعلى أرضها كل موارد الأردن، من مياه وطاقة وثروات استخراجية وسياحية وقيمية استراتيجية، من دون بناء شبكة طرق وخطوط مواصلات حقيقية بعيدا عن الترقيع. ويبدو إلحاح هذا الأمر بعد الانكشاف الحاد الذي أخذت الدولة تعترف به، والمتمثل في الفجوة التنموية التي تعيشها المحافظات نتيجة للسياسات التنموية التي اتبعت على مدى عقود، وبما يجعل الناس تتفقد رؤوسها، بأن ثمة إصرارا فعليا على استمرار التهميش وتثبيته.
عمليا، ومن أجل مستقبل التنمية في الأردن، وليس لمحافظات الجنوب فحسب، فإننا لا نحتاج إلى صيانة الطريق الصحراوي الحالي وإعادة ترقيعه، بل ما تحتاجه البلاد فعليا طريق جديد مواز. ومن الأجدى التفكير في استثمار كبير في هذا الطريق؛ بمعنى دعوة القطاع الخاص للاستثمار به، وأن يكون استخدامه من قبل سيارات الشحن مدفوع الأجر، كما يحدث في الكثير من بلدان العالم.
إن الاستمرار في خيار الصيانة والترقيع والتأخير في خيار الطريق الموازي، يعد خطأ تنمويا واستراتيجيا لا يغتفر.


 
gnews

أحدث الأخبار



 




الأكثر مشاهدة