لو كان هنالك دفترٌ لتفقُّدِ الغائبين عن حفل زفاف الربيع العربي لاحتلّ المفكرون العرب المساحة الأوسع من صفحاته، ولم يتوقف ذلك على غيابهم عن الحراك القومي الذي استمر على مدار خمسة عشر شهراً حتى الآن، بل وعبْرَ سنواتٍ طويلةٍ سبقت ربيعنا العربي، تراكمت خلالها أسبابٌ كثيرةٌ كان الفساد بسطوته واستفحاله كافياً لأن يتّخذ منه المفكرون العرب قرن استشعارٍ يستشرفون به ما ستؤول إليه أحوال هذه الأمة في قادم السنين، ليبادروا بقرع جرس الإنذار سواءٌ لبعض الأنظمة العربية السادرة بطغيانها وفسادها أو للعرب الساكتين على ظلم حكامهم.لم يفعل المفكرون العرب ذلك ولم يخطر ببالهم أن يلمّحوا على الأقل بما عبّر عنه نصر بن سياّر ذات يومٍ بقوله:
أرى خلل الرماد وميض نارٍ ويوشك أن يكون له ضِرامُ
من أجل ذلك وجدت الأمة العربية نفسها مطلع عام 2011 فجأةً أمام واحدٍ من أكبر التحديات التي واجهتها خلال مسيرتها التاريخية، ولهذا السبب جاءت كلفة ربيعها عاليةً جداً، دفعت فاتورتها من دم أبنائها والمخاطرةِ بقوتهم وأمنهم.وكان يمكن لهذا الربيع أن يكون أقلَ كلفةً وأكثرَ ترشيداً لو تقدمته إضاءاتٌ فكريةٌ مُسبَقةٌ.ومع ذلك نقولُ في هذا السياق:مهما كان الثمن الذي دُفع والجهد الذي بُذل فإنّ الحريةَ وحدها تستحقُ من طالبيها التضحيةَ بالغالي والرخيص.وهذا ما أدركه القائمون على الحراك الشعبي في الوطن العربي بفطرتهم القوميةِ وصدقِ انتمائهم الوطني وعفوية تفاعلهم مع الحدث الذي لم يترك لهم مجالاً للإنتظارِ حتى يتلقوا إشارة البدء من المفكرين الذين هم في الأصل، كما يقول الأستاذ رجب البنا :( أكثرَ فئات المجتمع اقتداراَ على المساهمة مباشرةً في الحركات الإجتماعية التي تمثل قوة الدفعِ لعملية التغييرِ والتقدم وأن يرسموا لنا طريق الخروجِ من الحاضر الكئيب ويظهروا لنا كيف نُقيمُ ديمقراطيّةَ عربيةً سليمةً).وهم أيضاً كما يقول الدكتور هشام الشرابي:( طلائع التغيير الإجتماعي واستعادة الفعل التنويري الذي يقوم عليه فكر النهضة ).
غاب المفكرون وغاب معهم فكرهم عن المشهد العظيم.وقد ينبري من يهوّن علينا الأمر فيقول :لقد سدت مسدهم الأحزابُ ببرامجها وأدبياتها فأكفّت وأوفّت، ولكن كلنا يعلم أنّ أغلب النشاط الحزبي في العالم العربي ما زال يراوحُ مكانه، وإذا كان هنالك من أحزابٍ كبيرةٍ فقد نزلت إلى الميدان متأخرةً،فبعد أن كلّت أيدي الشباب الخشنة باستنباتِ ربيع الأمة تقدمت الأحزابُ على مهلها لتقطف الورود بأيديها الناعمة، وكان يمكن أن يكون المشهدُ أغنى وأبهى وأروع وأمتع لو كان من بدايته مردوفاً بالفكرِ المتنوّرِ والرؤيةِ المسبقةِ القادرة على رسم الطريق وتحديد الأهداف، فبدلاً من أن يلهثَ مفكرونا وراء الحدث ليشبعوه بحثاً وتحليلاً كان أجدى أن يكونوا في قلبه ممسكين بعجلة القيادة. فهم الأحق والأجدرُ للنهوض بهذه المسؤولية.
لقد فتح الربيع العربي لهذه الأمةِ آفاقاً رحبةً من الأمل، ولكن رغم كل ما حمله إليها في سلته من باقاتِ الورودِ إلا أنّها مازالت غير متيقنةٍ بأنّ ربيعها سيظلُّ مُمرعاً ومزهراً ومحمياً من أيّ هجماتٍ خريفيةٍ مباغِتةٍ تهدد إخضراره بالإصفرار.وإذا كان لنا أن نحمي بستاننا العربي من أيِّ هبوبٍ غادرٍ فليس لنا إلا الثباتُ المرد وف بالعقلِ والحكمةِ والقبولِ بالرأي الآخر والإرتقاء إلى أعلى درجات المسؤولية القومية.
-
أخبار متعلقة
-
أفضل سيارات مازدا في استهلاك البنزين لعام 2018
-
الفاخوري يعلن تبرع بنك الأردن بمليون دينار أردني لصندوق "همة وطن"
-
توفيق فاخوري يدعم صندوق "همة وطن" بمبلغ نصف مليون دينار أردني
-
شاهد لحظة سقوط الطائرة الأوكرانية بعد اشتعالها في الهواء
-
مدرسة الموقر ترسم أجمل منظر – فيديو وصور
-
مدرسة الموقر ترسم أجمل منظر
-
بـرنامـج الـوكـيـل فـي إجـازة سـنـوية
-
حفرة امتصاصية في جرش .. خطرٌ يُهدد المواطنين و يُضر السياحة | فيديو