السبت 2024-12-14 09:27 م
 

الفرحان رمز تنويري قيمي أصيل

12:16 م

كنا دائماً بين منهجين متصارعين في عصر الانحطاط والتخلف العربي. منهج يقاوم التطوير ويقف حجر عثرة أمام التحديث وتحسين أساليب الحياة بالعلم والمعرفة والاستفادة من كل تجارب الشعوب والأمم المتقدمة بحجة المحافظة على الدين والأخلاق والتراث والتاريخ، ويقابله منهج آخر تغريبي يدعو إلى التنوير والتحديث والتطوير والانسلاخ من الماضي والتمرد على قيود الدين والتراث ومخلفات العصور الظلامية المتحجرة، ولا سبيل للتقدم الاّ بأخذ الحضارة الغربية كلها بعجرها وبجرها، وبقيمها ومعاييرها مضمونا وشكلاً وهدفاً ووسيلة، وبقي صوت أتباع المنهجين أو المدرستين عالياً ويحدث ضجيجاً يملاً الآفاق ويشعلها حرباً ضروساً طويلة وممتدة، ويتم الاستعانة بكل ما عرفته البشرية من وسائل التشويه والاغتيال والمبالغة في خلع الأوصاف والاتهامات المغرقة بالتعصب والمشبعة بالحقد والكراهية إلى درجة شرعنة المواجهة القائمة على الإقصاء والإبعاد والافناء ولو أدى ذلك إلى حمل السلاح.اضافة اعلان


ظهر منهج آخر ومدرسة أخرى وسط هذا الصراع العدمي، يقول بضرورة التطوير والتحسين وخوض سباق التقدم والتحضر مع كل الشعوب والأمم دون الانسلاخ من الدين والهوية والتراث والثقافة، ودون التخلي عن منظومة القيم النبيلة الأصيلة، وكان الدكتور اسحق الفرحان أحد رواد هذه المدرسة وله كتاب بهذا السياق تحت عنوان التربية الاسلامية بين الأصالة والمعاصرة، فالدكتور اسحق كان حرباً على البلادة الذهنية وحرباً على التخلف والرجعية، وحرباً على الجمود والعجز والكسل وفي الوقت نفسه كان حرباً على التقليد الأعمى للغرب، وحرباً على دعاة الانسلاخ من القيم والأخلاق، وحرباً على دعاة الرذيلة والتحلل من الالتزام بالأداب والاحتشام والسلوك الرفيع ونهج في ذلك منهجاً واضحاً وحاسماً وناجحاً، وحقق ومن معه انتصاراً شعبياً جارفاً، رغم الذين لايستطيعون الرؤية الاّ بعين واحدة رمداء، ولايعرفون الاّ الزوايا المظلمة ولايتقنون الاّ الرمّي بسهام الاتهام والقذف.

ومن هنا فقد وجد الدكتور الفرحان الحرب من أصحاب المدرستين المتخاصمين، فهناك من يحاربه تحت ستار الدين والمحافظة عبر التشدد المفضي إلى الانغلاق المقيت، وهناك من يحاربه تحت ستار التنوير والتحديث المنفلت، وكلاهما يتبع منهجاً مفتوحاً ولا يتسم بالعلمية ولا الموضوعية ولا النقد المنصف الحصين.

نحن ما زلنا بحاجة إلى ترسيخ أصول المدرسة الوسطية الثالثة، بعيداً عن التخلف المتلفع بالدين، وبعيداً عن التخلف المتلفع بالعلمنة والتحديث، ولذلك لابد من نشر مفاهيم الدين الصحيحة التي تقوم على احترام العقل واحترام الارادة البشرية وصيانة الكرامة الانسانية وحفظ الحرية المقدسة، التي تم ترسيخها عبر مجموعة آيات محكمة : ( لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ )

والأية: ( قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ ) والأية: (قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ ) والآية: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ) والآية : (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ).

نحن أيها الناس جميعاً، أيها المختلفون بحاجة إلى إطار واحد واسع يجمعنا رغم اختلافنا، ويحترم بعضناً بعضاً ونعمل على رفعة وطننا وحفظ مقدراتنا، والالتفاف حول القوي الأمين الذي يجعلنا جميعاً في مسار التقدم والتحضر الانساني والتنوير العقلي ويحفظ هويتنا بعيداً عن معارك داحس والغبراء وحروب التنابز والالقاب التي تديم المواجهة الداخلية المدمّرة.


 
gnews

أحدث الأخبار



 




الأكثر مشاهدة