عندما كانت الضباع تهاجم حظائر القرى، وتخطف الخراف والأغنام، كانت النخوة العارمة والفزعة الزلزالية تدبان في دم الرجال، فبعد أصوات الاستغاثة المجروحة والنداء المحموم، كان الرجال يقسمون يميناً غليظة، أن ينالوا من هذه الوحوش اللعينة الغشوم، بل وسيأتون بها مجرورة؛ لتصنع النعال من جلدها الثخين.
وهكذا، وبعد أن يعدوا عدتهم، يهبون كالريح العاتية يطاردون الضبع في المغاور وبطون الجبال، مشمرين عن عنفوانهم النزق؛ فيقصّون أثرها على صفحات التراب والدروب، ويتبعونها في طريق هروبها، حتى ولو وصلوا وجارها (بيتها في المغارة).
لكن كان يصدفُ أحياناً، أن بعضاً من الرجال المطاردين يتلبّسهم لباس الفزع ورداء الخوف، من قبل أن يواجهوا تلك الضبع، لكنهم ومن باب التجمل والتحمل يوارون هذه الرهبة ويخبئونها، لكن آثار الأقدام تقودهم فجأة، وتضعهم وجهاً لوجه مع الضبع اللائذة بفريستها، وراء صخرة كبيرة أو خلف شجرة مشتبكة.
وبما أن الخوف يلجمهم ويمنهعم من قتلها، فإنهم كانوا يتظاهرون بعدم رؤيتها، ويتعامون عنها عن كامل قصد!، بل وإمعاناً بالتعامي والتغافل، فإنهم يعيدون قصّ الأثر مرة أخرى من جديد، فيما الضبع ماثلة أمامهم تبرق بعينيها، علها تولي هاربة، وتريحهم من وعثاء المواجهة.
وإذا كانت مطاردة الضباع لا تحتاج لكثير من طول النفس، وكثير من المكابرة على لجم صهيل الخوف، وكبت جموح الرهبة، فمكافحة الفساد والمفسدين لا بد وتحتاج لهذه الثيمات الهامة تحديداً، فلا نريد أبداً لمن يطاردون ويلاحقون ضباع الفساد الغشومة في ربوعنا، أن يدب فيهم نسغ الخوف، فيصابون بالتعامي والتغافل والتحايل على المحسوس والملموس، أو أن يعمدوا إلى قصّ الأثر، مرة إثر مرة، عل الفاسدين يهربون بما غنموا؛ فيريحنا من مطاردة صعبة لا نحب أن نقوم بها، ولا نريد لرجالنا أن يتحججوا بقصر النظر، فالحقيقة شمس تموزي!.
مع طفو قضية فساد جديدة على سطح وجعنا. قضية محكمة الحبك والسبك، وهي مماثلة نوعا ما لقضايا كنا ننضبع لها، ونتعامى حتى عن قص أثرها وملاحقتها، أو كنا نخشى فتح ملفاتها ونبش نتانتها. مع هذا القضية تحديدا، سيبدو جليا وواضحا إن كانت الحكومة الجديدة جادة في ما عاهدتنا عليه، وفيما أناطت بها نفسها.
نريد أن نشمر عن همتنا لملاحقة الفاسدين، بغض النظر عن عرض وقوة الظهر الذي يسندهم أو ساندهم، وبصرف النظر عن لونهم أو منبتهم الأول، نريد أن نواجه خوفنا من نفوذهم، ببسالة وصرامة، ونريد أن نلاحق ضبعهم حتى وكرها. نعرف أن المطاردة أصعب مما نتصور، لكننا نريد الفساد مضبوعاً.
-
أخبار متعلقة
-
أفضل سيارات مازدا في استهلاك البنزين لعام 2018
-
الفاخوري يعلن تبرع بنك الأردن بمليون دينار أردني لصندوق "همة وطن"
-
توفيق فاخوري يدعم صندوق "همة وطن" بمبلغ نصف مليون دينار أردني
-
شاهد لحظة سقوط الطائرة الأوكرانية بعد اشتعالها في الهواء
-
مدرسة الموقر ترسم أجمل منظر – فيديو وصور
-
مدرسة الموقر ترسم أجمل منظر
-
بـرنامـج الـوكـيـل فـي إجـازة سـنـوية
-
حفرة امتصاصية في جرش .. خطرٌ يُهدد المواطنين و يُضر السياحة | فيديو