الوكيل - « أمضت أم سامي شهورا عديدة وهي طريحة الفراش، منهكة القوى، تمشي بخطوات متثاقلة ولاحقا لم تعد تقوى على الحراك، فقد أفقدها العلاج الكيماوي قدرتها على أن تكون كسائر الأمهات لتقدم الرعاية لأبنائها الثلاثة «.
ولدها الأصغر سامي (13 عاما ) يروي «للرأي» معاناة أمه قبل موتها، فالمشهد لا يزال حاضرا في ذهنه كأنه حدث بالأمس ، ويقول « كنت لا اتجاوز العاشرة من عمري منذ أن بدأت أمي بالتردد على طبيبة النسائية التي فحصتها ومن ثم طلبت منها على الفور عمل فحص للثدي يسمى «الماموجرام ».
وبعد صمت خيم على المكان يتابع « لا أنسى علامات الارهاق والخوف التي رافقت والدتي منذ علمها بالمرض الى حين وفاتها ، وما أزال أتذكر اخر عبارة قالتها لي قبل أن تدخل الغيبوبه : «كنت أتمنى أن أراك عريسا يا بني ولكن الموت سيبعدني عنك كما سيبعدك عني».
أم سامي وبعد ظهور نتيجة الفحص وسحب خزعة من الكتله في ثدييها تبين أن الورم خبيث ووصل الى مرحلة متقدمة ( الرابعة ).
ويضيف سامي « استئصال ثديها والعلاج الكيميائي والأشعة جعلها جثة هامدة ، فوصول المرض الى مرحلة متأخرة جعل امكانية شفائها مستحيلة ، كما أكد لي الأطباء ، فقد وصل الى الغدد الليمفاوية ومن ثم الدماغ الى ان غابت عن الوعي ما يقارب الشهر ثم وافتها المنية « .
حال أم سامي لايختلف عن حال كثير من السيدات اللواتي وصل الورم الى مراحل متقدمة في أجسادهن ، ولم يتسن لهن الشفاء بسبب تأخر الكشف عنه .
وبحسب ما صرح به مدير مديرية الامراض غير السارية في وزارة الصحة الدكتور ايوب السيايدة وطبيبي السجل الوطني للسرطان الدكتور عمر النمري والدكتور مروان الزغل فإنه :»تم تسجيل حوالي 952 حالة عام 2011 اي ما يعادل اكثر من ثلث حالات السرطان بين الاناث بينما كانت حصيلة الوفيات بين الجنسين (ذكور واناث ) 163حالة «.
ويشير أطباء المديرية إلى أنه بلغ اجمالي الحالات المسجلة لسرطان الثدي عند الاناث منذ عام 1996 حوالي ( 10652) حالة حتى نهاية عام 2011.
ويقولون إنه :«تم تسجيل حوالي 978 حالة عام 2009 بين الاناث مقابل 941 حالة عام 2010 . بينما كانت حصيلة الوفيات عام 2009 بين الجنسين 88 حالة مقابل 115حالة وفيات عام 2010».
قصص ناجيات
الفحص الدوري للثدي يساهم في الكشف المبكر لسرطان الثدي ما يؤدي الى الشفاء التام، وفقا لأطباء متخصصين . سهى 43 عاما توجه نداء لجميع السيدات لعمل الفحص الدوري للثدي لتدارك المرض منذ بدايته ومحاربته.
وتروي سهى انها «أصيبت بسرطان الثدي قبل اربع سنوات، شعرت آنذاك بالالام تذهب تارة وتعود اخرى إلى ثديها الأيمن الى أن بدات تظهر فيه كتلة ، وعندما ذهبت إلى الطبيب قال لها :انه ورم»، فأخذ عينة منه ليتبين وجود كتلة حميدة فقرر استئصالها.
وتصف بأن :»ما جرى انذاك مرحلة صعبة في حياتها فهي أم لخمسة أطفال، وتفكيرها الدائم بأطفالها ومن سيرعاهم بعدها جعل الحزن يخيم على حياتها ، الا أن وقوف زوجها معها وتشجيعها وتأثير اطفالها وحبها الكبير لهم جعلها تجري العملية وشفيت تماما».
وتؤكد سهى ان :»الاكتشاف المبكر لسرطان الثدى يعنى الشفاء التام ولذلك تطلب من كل امرأة على اختلاف عمرها بأن تعي أهمية الفحص الذاتى الدورى وأن تقوم بمراجعة الطبيب عند حدوث اى تغيير ولو بسيط فى شكل وانسجة الثدي».
تأثير الأطفال
وتروي سهام ابو بكر احدى الناجيات من سرطان الثدي - وهي أم لطفلتين - تروي للرأي» انها أصيبت بسرطان الثدي عام 2005 واكتشفت المرض من خلال الفحص الذاتي حيث أحست بوجود كتلة في احد ثدييها ، فاخبرت اخاها كونه طبيباً فطلب منها اجراء فحص الماموجرام وبعد الفحص تم اخذ خزعة من الكتلة في ثديها حيث تبين انها سرطانية وتم استئصال ثديها الأيسر، وتلقت العلاج فتم الشفاء».
وتؤكد ابو بكر ان الكشف المبكر عن سرطان الثدي ساعدها على الشفاء وانه كان لديها اصرار على العلاج من اجل طفلتيها فكان لهما تأثير كبير عليها لمتابعة العلاج وتحدي المرض من إجلهما .
وتؤكد استشارية اشعة تشخيص وتصوير الثدي في مركز الحسين للسرطان الدكتورة ليلى ابو طاحون أهمية الكشف المبكر عن السرطان إذ تزيد نسبة الشفاء الى 90% وتمنع الورم السرطاني من الانتشار خارج الثدي، وتكون فترة العلاج أقصر.
وتشدد على أهمية اجراء الفحص الذاتي الشهري لجميع الفئات العمرية واجراء الفحص السريري مرة كل (1-3) سنوات للأعمار من 20 سنة الى 39 والبدء بالفحص بالماموجرام (تصوير شعاعي للثدي) سنويا لمن هم فوق الاربعين عاما.
وتنبه إلى أنه يمكن للسرطان أن يعود ثانية لبعض الذين تعافوا منه بنسب قليلة بعد خمس سنوات، وهو ما يحتم على الذين اصيبوا به ضرورة المتابعة لدى الطبيب لمواجهته حال ظهوره مرة اخرى في مراحله المبكرة. وتشير الى انه يصيب الاناث والذكور لكن اصابته للإناث تكون بنسبة أكبر.
وتدعو أبو طاحون النساء الى التوجه للكشف المبكر عن السرطان وعدم التردد والخوف لتقدم العلاج وذلك من خلال الفحص الشعاعي للثدي الماموجرام وهو الفحص الامثل لاكتشاف سرطان الثدي مبكرا حيث يعتبر من ادق الوسائل للكشف المبكر عن التغيرات التي قد تطرأ على الثدي وحتى وان كان حجم الورم يقل عن 1سم. وتقول يجب اجراء فحص الاشعة للثدي مرة كل سنة الى سنتين في عمر فوق الاربعين.
وتعرف ابو طاحون سرطان الثدي بأنه مرض يتميز بنمو الخلايا وانقسامها بشكل غير محدد ويكون له القدرة على غزو الانسجة المجاورة والانتفال الى انسجة بعيدة وهذه صفات الورم الخبيث على عكس الورم الحميد الذي يتميز بنمو غير محدد وعدم القدرة على الغزو او الانتقال .
خليكي بحياتي.. افحصي
أسباب كثيرة تدعو المرأة إلى إجراء الفحص المبكر، أبرزها وجود اطفال في الأسرة بحاجة إلى رعاية الأم ، فضلا عن تشجيع الأزواج لنسائهم على الفحص ودعمهن نفسيا في حال اكتشاف المرض.
واكدت رئيسة هيئة أمناء مؤسسة الحسين للسرطان الأميرة غيداء طلال خلال مؤتمر صحفي عقد بمركز الحسين للسرطان في حزيران الماضي لإطلاق الحملة الوطينة للتوعية حول سرطان الثدي ، تحت شعار «خليكي بحياتي.. افحصي «على أن :«صحة المرأة هي صحة المجتمع، وبمرضها يتأثر كل من حولها» ، داعية الجميع إلى «تشجيع المرأة على إجراء الكشف المبكر» عن سرطان الثدي ، واملت من كل سيدة المبادرة إلى الكشف المبكر عن سرطان الثدي «فورا».
ودعت النساء إلى إعطاء أنفسهن الأولوية وإجراء الفحصوات الدورية المنتظمة، موضحة أن للعائلة دورا كبيرا بخاصة الأطفال، في تشجيع السيدات، إذ إن عاطفتهن تجاه هؤلاء الأطفال، ستدفعهن للقيام بالفحوصات لأجلها ولأجلهم، لأن وجودها مهم جدا في حياتهم.
يصيب الرجال أحيانا
سالم الخطيب يقول»اصبت بسرطان الثدي قبل عامين وتم استئصال ثديي»، ويذكر أنه لم يكن يعلم ان الرجال قد يصابون بسرطان الثدي.
ويبين أن أعراض المرض تمثلت بوجود كتلة بمنطقة الثدي مع وجود التغييرات بشكل وحجم الثدي، وخروج الافرازات من الحلمة، وظهور الجروح في جلد الثدي ، وحدوث طفح حول الحلمة.
وبحسب تقارير السجل الوطني للسرطان فإن :»عدد الذكور المصابين بالمرض عام 2011 بلغ 17 حالة بينما كان عددهم 10 ذكور عام 2010 وكان عددهم 16 عام 2009 ».
ويؤكد مسؤول وحدة الكشف المبكر عن سرطان الثدي في السجل الوطني للسرطان الدكتور مروان الزغل، ان الكشف المبكر لسرطان الثدي يمكنه الحد من وفياته ، واشاروا الى ان سرطان الثدي اذا تم اكتشافه في مراحله الاولى يؤدي الى معدلات مرتفعة من الشفاء.
ونوه الزغل إلى ان اكتشاف سرطان الثدي في مراحله الاولى يؤدي الى عملية جراحية بسيطة دون استئصال الثدي ونسبة شفائه عالية جدا تصل الى اكثر من 90% الا أن اكتشافه في المراحل المتأخرة يؤدي الى التدخل الجراحي والاشعاعي والكيماوي وتقل نسبة الشفاء الى 20%.
العامل الوراثي
وتبين د.ابو طاحون انه يتم الكشف عن العامل الوراثي بفحص الدم الذي يحدد احتمالية ان تكون المرأة وعائلتها حاملة للجين الوراثي المسؤول عن سرطان الثدي، ويمكن التعامل مع هذه الحالات بحرفية كبيرة بمراكز طبية متخصصة كمركز الحسين للسرطان.
وتضيف د.ابو طاحون ان :»العامل الوراثي يشكل ما نسبته 10% من سرطانات الثدي في الاردن وعادة ما تكون المرأة معرضة لسرطان الثدي».
سوسن( 46عاما ) تقول اصيبت امي بسرطان الثدي قبل سنتين وشفيت منه ونصحتني امي انا واخواتي بإجراء الفحص الدوري لسرطان الثدي لأن طبيبها طلب منها ابلاغنا ونصيحتنا ولكن لم اهتم للموضوع .
وتضيف إلى أنها اكتشفت المرض بعد شعورها ، بوخزة قوية بين الحين والاخر ، فذهبت الى الطبيبة المختصة فطلبت مني إجراء فحص «الماموجرام»، وهو ما كشف عن ان الورم كان في مراحله المبكرة فتم استئصاله.
الدعم النفسي
رصدت «كاتبة التحقيق» من خلال حواراتها مع مصابات بمرض السرطان وناجيات منه بأن للدعم النفسي من الاسرة وتأثير الاطفال في رفع المعنويات للأم دورا كبيرا وضروريا في التغلب على المرض ومقاومته.
تقول وفاء احدى الناجيات من مرض السرطان»ان المعاملة اللطيفة والحب الكبير الذي غمرني به اهلي وافراد اسرتي وزوجي الحبيب كان له دور كبير في التغلب على معاناتي وآلامي حتى شفيت «.
الا أن الأمر قد اختلف مع وفاء والتي تبلغ من العمر 36 عاما وتقول « منذ علمي بالمرض أصبحت حالتي النفسية تسوء شيئا فشيئا الى أن وصل بي الأمر الى الاكتئاب خاصة وان زوجي كان يسيء معاملتي بعد علمه بالمرض الى أن وقع الطلاق بيننا» .
وتتابع رغم كل الظروف السابقة التي رافقتني الى أن الامل في الحياة بدأ يتجدد بعد رؤيتي أبي وأمي وطفلي 12 عاما يقفون الى جانبي ويصرون على متابعتي للعلاج ومرافقتهم الدائمة لي فاصبح الامل يعود من جديد وها انا الان في صحة جيدة .
ويبين نائب رئيس برنامج الرعاية النفسية والاجتماعية في مركز الحسين للسرطان د.بسام رجائي كمال ان خطة العلاج النفسي تقوم على المستوى الشعوري لمساعدة المصابة بسرطان الثدي على تحقيق توازن اكثر توافقا بين المريضة نفسها وبين المجتمع.
ويتابع ان خبر الاصابة بسرطان الثدي يمر باطوار عدة تبدأ بالانكار وعدم التصديق ثم الانتقال الى الحسرة والحداد والانفعال الشديد بعد اسبوعين من اكتشاف المرض .
ويشير الدكتور كمال الى أن هناك ثلاثة محاور رئيسية من المشاعر التي يصاب بها المريض منها القلق والخوف وقد يصل إلى الفزع .
ويضيف الى أن محور الحزن يبدأ من مشاعر الحسرة والضيق ليصل الى مستوى الاكتئاب الكامل مرورا بمحور الغضب ، وقد يكون الغضب موجها ضد الذات او الاخرين او الظروف.
ويلفت إلى أن البيئة المحيطة بالمريض تساعده كثيرا في مقاومة المرض والتكيف معه لأن دعم المريض يساهم بارتفاع مناعته ومقاومته للمرض وبالتالي تزداد نسبة شفائه.
تاريخ التعامل مع سرطان الثدي أثبت بأن الكشف المبكر عنه من خلال الفحص الدوري ومراجعة الاطباء المختصين وعدم الخوف او الفزع منه مع وجود الدعم النفسي، جميعها عوامل غالبا ما تقود إلى الشفاء منه والتغلب عليه .
الراي
-
أخبار متعلقة
-
أفضل سيارات مازدا في استهلاك البنزين لعام 2018
-
الفاخوري يعلن تبرع بنك الأردن بمليون دينار أردني لصندوق "همة وطن"
-
توفيق فاخوري يدعم صندوق "همة وطن" بمبلغ نصف مليون دينار أردني
-
شاهد لحظة سقوط الطائرة الأوكرانية بعد اشتعالها في الهواء
-
مدرسة الموقر ترسم أجمل منظر – فيديو وصور
-
مدرسة الموقر ترسم أجمل منظر
-
بـرنامـج الـوكـيـل فـي إجـازة سـنـوية
-
حفرة امتصاصية في جرش .. خطرٌ يُهدد المواطنين و يُضر السياحة | فيديو