الأربعاء 2024-12-11 11:38 م
 

المُباحية الشرعية!

07:34 ص

تبرع مجتمعاتنا العربية والإسلامية بوضع الرؤوس في الرمال، والتعامي عن أس المشكلات وأسبابها وجذورها، وتنشغل بالبحث عن معالجة أعراضها وإفرازاتها بحلول آنية مؤقتة، لا تزيد المشكلات إلا تفاقما وتراكما وانتشارا وتعقيدا.

اضافة اعلان


تعاني هذه المجتمعات من مشكلات اجتماعية كثيرة، ومن أهمها: التحرش، والعنوسة، واغتصاب الزوجات، وإشكالية التعدد، والطلاق العاطفي، وفتور العلاقة والعاطفة بين الزوجين، وازدياد الخلافات بينهما وربما القطيعة والطلاق، وجرائم الشرف، والثأر للشرف، وظهور أنواع وأشكال جديدة للزواج مثل المسيار والمصياف والوناسة والمؤقت، بالإضافة إلى زواج المتعة، وغيرها مما يصعب حصره. وكل هذه المشكلات متداخلة ومتشابكة ويؤدي بعضها إلى بعض في الغالب، ومهما حاولنا السعي لعلاجها، فستبقى معالجات وقتية لن تجتث المشكلة؛ لأن أصل كل هذه المشكلات وسببها الرئيس هو الحرمان العاطفي وما يتبعه من شقاء جنسي .


نعم، إن الحرمان العاطفي الذي يعاني منه الجميع؛ أطفالا وفتيانا وشبابا وكهولا وشيوخا، ومن الجنسين، وإن بنسب متفاوتة حسب البيئة التي تربى فيها الفرد، هو سبب معظم المشكلات آنفة الذكر، ولا يستهين أحد بهذا السبب الحرمان العاطفي فـمعظم النار من مستصغر الشرر!


إن مجتمعاتنا المحرومة عاطفيا، وما ترزح تحته من عادات وتقاليد وقيود لا تمت للدين بصلة، مجتمعات مثقلة متعبة عاجزة عن الحركة والانطلاق، وهي بحاجة إلى تحرر شامل على مستوى الفكر والتفكير ابتداءً؛ لتتخلص من أصفادها وأغلالها التي تعيق حركتها، وتنطلق في الأرض تساهم في نهضتها ومدنيتها وتطورها وإعمارها، وهذه هي وظيفتها التي خُلقت من أجلها.


إن الحرمان العاطفي وما يتبعه من شقاء جنسي يمنع الإنسان عن أن يمضي في حياته بشكل سليم، ويشغله بالبحث عن وسائل لإشباع هذه الحاجات الضرورية الأساسية الفطرية، وهي في أدنى هرم ماسلو للحاجات، وما لم تُشبع هذه الحاجات فإن الفرد لا يستطيع أن يرتقى إلى أعلى منها إلا بشكل مشوه قاصر وربما فاسد، ولن يؤدي دوره المنشود كفرد صالح منتج مبدع من أفراد المجتمع؛ ولذا لا نعجب من تخلف مجتمعاتنا وفشلها في كل محاولات ومشاريع الإصلاح والتطوير وفي جميع المجالات، فالجائع ذاهل عن كل ما عدا ما يُشبع معدته!


إن الإشباع العاطفي يتطلب تحررا في أنماط التفكير، وعودة إلى فطرة الإنسان، والرجوع إلى أصول الدين ونقائه قبل غلبة أصحاب الأهواء والضلالات، وسطوة من قدموا العادات على الدين، باعتبارها دينا لا يجوز مخالفته والتطاول عليه. ونظرة سريعة إلى عصور الإسلام الأولى تؤكد ما نذهب إليه، فلم تكن تعاني من أي مشكلة من هذه المشكلات؛ ولذا انطلق المسلمون في الأرض بقوة واقتدار دون قيود تقعدهم أو تكبح حركتهم، فنشروا النور والضياء والعدل والعلم والسلام والجمال أنَّى حلوا أو ارتحلوا.


إن المشكلات الكبيرة، بحاجة إلى عقول كبيرة، والمشكلات المستعصية تتطلب عقولا متفتحة متحررة، وما لم نعرف الأسباب الحقيقية لكل مشكلة والتغلب عليها، فلن نستطيع أن نحيا كما ينبغي، وسنبقى مجرد أرقام على هامش الحياة. والكرة في ملعبنا، فهل نحن على قدر التحدي؟!!


----------------
خاتمة كتابي الجديد، الذي يصدر قريبا إن شاء الله: «المُباحية الشرعية: مقالات في الحرمان العاطفي والشقاء الجنسي» وهو مجموعة مقالات في الموضوع ذاته، نشرتها في «الدستور» على مدار خمسة عشر عاما.


 
gnews

أحدث الأخبار



 




الأكثر مشاهدة