الأربعاء 2024-12-11 10:54 م
 

المدارس الراقية والأجنبية

12:49 ص

هناك زيادة ملحوظة في عدد المدارس الخاصة وهناك نمط جديد من المدارس الخاصة الراقية بدأ يظهر في مجتمعنا الأردني، حيث أقساط بعض المدارس حسب ما سمعت من أحدهم و'العهدة على الراوي' مرتفعة جداً فوق قدرة الشعب الأردني على التخيّل والعدّ فضلاً عن الدفع، فبعض المدارس تصل أقساطها إلى (39) ألف دينار أردني، ولا أدري لماذا (39) وليس (40)؛ لكن ما سمعته أنّه أصبح هناك تنافس في ايجاد هذا النمط الباذخ، الذي يقدم نموذجاً أجنبياً من المناهج وأساليب التدريس والمادة التعليمية والمعلمين، الذين في أغلبهم ليسوا أردنيين وليسوا عرباً، من أجل الحديث باللغة الإنجليزية بمخارجها الأصلية وبالطريقة التي ينطق بها الشعب الإنجليزي في موطنه، وليس باللكنة العربية 'المطبشة'.اضافة اعلان

هذا النمط من المدارس وهذا النموذج من التعليم يستقطب أبناء فئة معينة وشريحة محددة من الأردنيين الذين يلعبون بالملايين، والقسط (39) ألفا لا يشكّل عبئاً مادياً بالنسبة لها، ولا يمثل خسارة ولا إرهاقاً لموازنة العائلة، بمعنى أنّ الطالب يكلف والديه ما يقارب 4000 دينار شهرياً، وهذا المبلغ يعادل رواتب أربعة أساتذة جامعة أو خمسة، ورواتب 15 معلماً من معلمّي وزارة التربية!!.
هذا النمط من المدارس وهذا النموذج من التعليم، يعني باختصار شديد أنّ التعليم الجيد والتعليم ذا المستوى المقبول هو حكر على فئة محددة، وأنّ هذه الفئة وحدها تستأثر بالحصول على الفرص الحقيقية لتنمية مواهب أبنائها والاستئثار بالتخصصات الراقية والتميّز في اللغة وتطوير الإمكانات، أمّا أبناء الغالبية الذين يصلون إلى (95 %) من الشعب الأردني لا يمكنهم الحصول على هذا المستوى، وليس بمقدورهم منافسة هؤلاء بالفرص المتاحة.
هذا يعني بوضوح أنّنا نسيرإلى مستقبل يكرّس التمييز الطبقي القائم على امتلاك الثروة، والتمييز الذي يعطي بعض الفئات التي مارست الفساد و'هبشت' من المال العام، تمارس هذا النمط من التعالي والغطرسة. ما نودّ قوله في هذا المجال، أنّ كل خطط الإصلاح التعليمي والتربوي الذي تطرحه الوزارة ما هي إلاّ ضرب في حديد بارد، في ظلّ هذا التمييز الطبقي المفجع، في ظل الدخل المتدنّي للمعلم والأستاذ وفي ظلّ انصراف الآخرين إلى البحث عن المصالح الشخصية دون العامة.
هذا من ناحية ومن ناحية أكثر أهميّة، إنّ انتشار المدارس الخاصة من هذا الصنف ومن هذا النوع يمثل اختراقاً ثقافياً في جسم الأمّة المريض، ولن يسهم في تطوير التعليم ولا العملية التربوية في المملكة، ولن يحقق تقدم الأردن ولن يحلّ مشكلته الكبرى القائمة على تدهور المستوى التعليمي، لأنّه باختصار شديد الحلّ يجب أن يكون عاماً وشاملاً ولكلّ الأردنيين، ويجب أن يخضع جميع أبناء الأردنيين إلى مستوى واحد من الفرص، وأن تكون رعاية الدولة للموهوبين والأوائل بطريقة عادلة وشفافة.
التعليم والصحة مثل الخبز، يجب أن يكون متاحاً بعدالة ومساواة ويجب إزالة التشوهات الموجودة في العملية التربوية والتعليمية والبعد عن النمط الفوقي الاستعلائي في تقديم التعليم، فالأثرياء يستطيعون إرسال أبنائهم إلى الدول الأجنبية ليتلقوا نمطاً أجنبياً إن أرادوا ذلك !.


 
gnews

أحدث الأخبار



 




الأكثر مشاهدة