الجمعة 2024-12-13 07:02 م
 

المواطن الحر أم المواطن المؤمن

10:26 ص

في إطار الجدالات حول الدين والسياسة التي شهدتها تونس قبل عام قال وزير الثقافة التونسي الدكتور مهدي مبروك « أنا مع الفرد الحر قبل الفرد المؤمن التقي « . اضافة اعلان

هذا القول يلخص ازمة العالم العربي الراهنة التي واكبت ثورات الربيع العربي ، ازمة تزداد تعقيدا كل يوم وقد قسمت الحركات السياسية والثورية ومن خلفها الشعوب الى طرفين يقف كل منهما بوجه الآخر وكأنهما في معركة وجود وبقاء كما يجري اليوم في ميادين مصر وعلى مسرحها السياسي والإعلامي .
لقد نجح التوانسة ، حتى الان في تجنب الاستقطاب الحاد بين الاسلاميين وبين العلمانيين ولعل قول الدكتور مبروك يفسر هذا النجاح فهو لم يقل بانه مع المواطن الحر ( ضد ) المواطن المؤمن انما قال ( قبل ) وهو ما لا يضع الإيمان في تضاد مع الحرية بل ان الفرد المؤمن قادر على ممارسة إيمانه بحرية أكثر من كونه ليس حراً . فالحرية السياسية ضمان للحقوق الإنسانية بما في ذلك حقه بالاعتقاد والتعبير عن معتقداته بآليات ( حزبية ) وأخلاقية وغير هذا .
كان الاستقطاب عقلانياً في بداية الصراع بين جماعة الإخوان وبين المعارضة المدنية في مصر عندما كان هناك جدل فكري في مفاهيم الدولة المدنية والديموقراطية وحول الدستور والشريعة ، لكن هذا الجدل انحرف عن مساره وعراه الابتذال وحملات الردح الإعلامية بعد ان سلك الحكم الإخواني مسار الإقصاء للأطراف الأخرى عند إقرار الدستور عن طريق اللجوء الى الاستفتاء الشعبي ، متجاهلاً ان كتابة مواد الدستور تحتاج الى الخبراء والتوافق الوطني الكامل وليس الى ( نعم ولا ) من جماهير غالبيتهم لم يقرأحرفاً من مواده ، والنتيجة ان وظفت المعارضة هذه الجماهير نفسها في حملة اسقاط شرعية مرسي الانتخابية .
يتهم الدكتور مهدي مبروك التيار الفرانكفوني ( العلماني ) في بلاده بانه استوحى من التجربة الفرنسية أسوأ ما فيها، مضيفاً ، ان ليس من مبرر ان يعمد العديد من العلمانيين الى استفزاز ضمائر الناس وعقائدهم .
ومن يتابع ما يجري اليوم بعد ثورة 30 يونيو والانقلاب في مصر يلاحظ سيطرة عقلية ( الإقصاء ) على سياسة الحكام الجدد التي يرافقها حملات إعلامية هي ابعد ما تكون عن روح المصالحة إنما إمعان في الإثارة والتحريض . وبدلا من ان تخلق الثورة نهضة فكرية تساهم في تطور النظام السياسي نحو المواطنة والتعددية والحرية فان ما يجري امتحان عضلات في الشوارع والميادين .
في كتابه ( عن الديموقراطية والدين ) يقول الفرنسي مارسيل غوشيه « لقد حصل اندماج كامل للأديان داخل الديموقراطية الغربية وحتى الكاثوليكية الرسمية التي طالما كانت عاصية انتهى الأمر بها الى الانضواء تحت راية الديموقراطية وتبني قيمها « .
من المستبعد ان يتم هذا في العالم العربي في ظل الأنظمة الثورية التي جاء بها الربيع العربي لان طبيعة الدين الإسلامي لا تسمح بالاندماج في أي إطار اعلى ، سياسي ودنيوي ، ومن الصعب تجاوز المادة الملازمة للدساتير بان الاسلام المرجعية وهو دين الدولة في العالم العربي ، بالمقابل فان الاندماج المطلوب في الديموقراطية وتبني قيمها يفترض ان يحصل لاحزاب الاسلام السياسي ، وليس للدين . كما يفترض ان يحصل أيضاً لأحزاب المعارضة القومية واليسارية التي أظهرت حماساً لعودة الجيوش الى السلطة وكأن تجربتها التاريخية المرة مع العسكر لم تعلمها شيئاً.
يخشى ان ينكشف الصراع في مصر عن إقامة تناقض بين الحرية والإيمان بعد ان تعمقت حالة عدم الثقة واحيانا العداء بين الإسلاميين وبين معارضيهم خاصة بعد اهتزاز دور الدولة ممثلة بالمؤسسة العسكرية بعد الانقلاب في ان تكون الضامن المحايد لإمكانية التعايش بين جميع الأطراف في إطار حياة سياسية ديموقراطية وهو دور يلزمها البقاء مستقلة .


 
gnews

أحدث الأخبار



 




الأكثر مشاهدة