الوكيل - زيارته ليست كزيارة أي مستشفى آخر، فبمجرد الدخول إلى مركز الحسين للسرطان ينتابك خليط من مشاعر الرهبة والتعاطف مع المرضى المقيمين فيه.. لكن هذه المشاعر تكون دفاقة أكثر إذا كان المريض طفلا، ويعاني من سرطان الدم 'اللوكيميا' أيضا.
مزيج من المشاعر استبد بي عندما جاءني اتصال من 'عبدالله'، يسألني بعتب 'وينك عمو، من زمان ما شفتك، ليش ما بتزورني'، فأجبته محاولا التملص من زيارته كي لا أراه وآثار المرض بادية عليه، 'هل سمحوا بزيارتك؟'، فأجاب 'نعم، وأنا بانتظارك'.
عبدالله ابن صديق لي، لم يتجاوز السابعة من عمره، تم اكتشاف إصابته بسرطان الدم منذ نحو ثلاثة اشهر، ومنذ ذلك الحين يخضع لجلسات علاج كيميائي قررها أطباؤه لمدة خمسة أشهر، تمهيدا لإخضاعه لبرنامج علاجي آخر يقرره الأطباء فيما بعد.
في الطريق إلى المستشفى ينتابك مزيج من مشاعر القلق والرهبة والحيرة، تبدأ بالتلاشي رويدا رويدا عند ولوجك المدخل الرئيسي، تريحك ابتسامة أمل من موظفي قسم الاستقبال، وفي الطريق إلى المصعد لا يسمع الزائر إلا الابتهالات إلى الله بشفاء المرضى الذين يتناهى إلى المسامع أنين بعضهم في الردهات.
وفي الطابق الثالث المخصص للأطفال تفاجئك حركة دؤوبة من الجميع، أطباء وممرضين وموظفي أمن وعاملي نظافة، أصبحوا جميعا خبراء بالتقاط كل ما يشوه نظافة المكان الذي تفوح منه رائحة زكية تبعث شعورا بالراحة.
استقبال والد عبدالله لي منحني شيئا من الشجاعة والثقة في قسم الحركة المحفوف بالمحاذير.. فأنت هناك في قسم مرضاه أطفال مناعتهم ضعيفة، وأي تهاون في مستويات الحرص والتعليمات قد يعرضهم لمضاعفات وأمراض من الزائرين.
وفي الغرفة 8 كان لقائي مع عبدالله عارف الهدمي، الطفل الذي يقضي غالبية وقته بين جدرانها وعلى سريره.
'أنا مش خايف.. أنا قوي وإن شاء الله بإرادتي سأهزم هذا المرض الخبيث'.. بهذه الكلمات بدأ عبدالله حديثه، مضيفا: 'جيت للمستشفى وكنت تعبان كثير.. أدخلوني غرفة العناية المركزة، وبعد أيام من علاجي أصابتني انتكاسة شديدة نتيجة تعرضي لعدة جلطات لكن بإرادة الله وهمة الأطباء تجاوزتها'.
ويضيف: 'أتحدث مع زملائي وزميلاتي من الأطفال المرضى وأدعوهم لأن يكونوا أقوياء، لأن السرطان مرض كأي مرض آخر، وأقول لهم: 'بما أننا في هذا المستشفى وبرعاية أطبائه وممرضيه والمشرفين، فإننا سنتجاوز هذه المحنة ونشفى من المرض، وسنعود بعون الله إلى بيوتنا وأسرنا ومدارسنا وحياتنا الطبيعية قريبا'.
ولم يكتف عبدالله بذلك، بل وجه نداء لأسرته يشد من أزرهم وللتخفيف من معاناتهم بسبب ما أصابه، يقول فيه 'إلى أهلي.. لا تخافوا علي فالله معي.. أشكركم على وقوفكم إلى جانبي ورعايتكم لي ومواصلتكم الليل والنهار وسهركم بجانبي.. ثقوا بأن الله لن يضيع لكم تعبا وسهرا'.
عبدالله الذي أصر على اصطحابنا إلى أقسام جناح الأطفال حيث بدا واضحا دوره القيادي بين أقرانه، قال ردا على سؤال عن كيفية قضائه لأيامه بالمستشفى: 'أقضي جزءا من وقتي في غرفة الألعاب والصحة النفسية، وبين رسم اللوحات والكمبيوتر ومشاهدة التلفزيون'..
'أقوم أيضا بالمشاركة في استقبال الوفود الزائرة للقسم من مؤسسات رسمية ومجتمع مدني وطلبة جامعات وأهل الخير والمحسنين، اطلعهم على وضعي ووضع زملائي الصحي، وأشكرهم على ما يقدمونه لنا من هدايا وتضامنهم معنا وشعورهم بآلامنا'، يقول عبدالله.
الطفل الهدمي يستمد شجاعته، كما يقول، من مقولة للملك عبدالله الثاني عن أطفال الحسين للسرطان 'شجاعتهم قدوة لنا'، مشيرا إلى أنه لن ينسى زيارة الملك والملكة رانيا العبدالله لهم أخيرا، وما قدماه لهم من هدايا ثمينة، وكذلك ما كتبه جلالته على (تويتر): 'قمت بزيارة أبنائي وبناتي الأطفال في مركز الحسين للسرطان، شجاعتهم قدوة لنا جميعا، أسأل الله لهم الشفاء العاجل'.
ولا ينسى عبدالله توجيه الشكر للأمراء والأميرات لزياراتهم المستمرة لهم والاطمئنان عليهم، خاصة الأميرتين دينا وغيداء وما يولينه لهم من رعاية واهتمام.
وثمن دور الديوان الملكي في تغطية علاجه وعلاج غيره من المرضى، داعيا الجميع، مؤسسات ورجال أعمال وشركات، إلى تقديم الدعم لهذا المركز، لما يقدمه من علاج ورعاية للكثيرين من المصابين 'بهذا المرض الخبيث'.
ولم يفت عبدالله أن يقدم الشكر لطاقم المستشفى فردا فردا، خاصة الدكتورة رود ريحاني استشارية أمراض الدم والأورام، ورئيسة جمعية أمراض الدم وأورام الاطفال والمشرفة الأساسية على حالته، والدكتور إياد سلطان والدكتورة هديل شرايحة وجميع الأطباء المقيمين في المستشفى، وطاقم التمريض والاختصاصيين النفسيين والإداريين، ورجال الأمن وطاقم التدبير المنزلي واخصائيي التغذية 'الحريصين على متابعتنا وراحتنا على مدار الساعة'.
الطفل الهدمي، المقتنع والمصمم على هزيمة مرضه، يؤمن إيمانا مطلقا بأن 'السرطان' يتم القضاء عليه بإرادة الله، وبالعزيمة والإرادة، مدللا على ذلك بقصص مرضى سبقوه وتمكنوا من قهر هذا المرض، فهو أيضا يريد أن يكتب قصة نجاح جديدة، مشيرا إلى أنه يصلي دوما لله كي يقف إلى جانبه ويشفيه.
وقبل وداعي له، جال عبدالله بنا على بعض غرف رفاقه في القسم 'ايناس، 5 اعوام، لجين 7، ليمار 8 و...و.. و..'.
وهناك أكد أنه سيدعوني قريبا لمعرض رسوماته ولوحاته الذي سيقيمه في المستشفى بإشراف من المشرفة على غرفة الألعاب، كاشفا عن أنه حصل على جائرة الوليد بن طلال قبل أسابيع.
'مركز الأمل للشفاء' اسم اطلق على هذا المستشفى عند إنشائه العام 1997، هذا الأمل ما يزال حيّا ويتشبث به عبدالله ورفاقه المرضى، فهو من أفضل مراكز السرطان الشاملة في الشرق الأوسط، ويعالج نحو 4000 مريض جديد بالسرطان كل عام، من الأردن والمنطقة، من بينهم ما يزيد على 300 طفل، يشكلون غالبية الاطفال المصابين بالسرطان في المملكة، ترتفع نسبة شفائهم إلى 70 %، فيما تصل نسبة الشفاء من اللوكيميا اللمفاوية الاكثر انتشارا بين الاطفال الى 90 %، وفقا للدكتور إياد سلطان.
الغد
-
أخبار متعلقة
-
أفضل سيارات مازدا في استهلاك البنزين لعام 2018
-
الفاخوري يعلن تبرع بنك الأردن بمليون دينار أردني لصندوق "همة وطن"
-
توفيق فاخوري يدعم صندوق "همة وطن" بمبلغ نصف مليون دينار أردني
-
شاهد لحظة سقوط الطائرة الأوكرانية بعد اشتعالها في الهواء
-
مدرسة الموقر ترسم أجمل منظر – فيديو وصور
-
مدرسة الموقر ترسم أجمل منظر
-
بـرنامـج الـوكـيـل فـي إجـازة سـنـوية
-
حفرة امتصاصية في جرش .. خطرٌ يُهدد المواطنين و يُضر السياحة | فيديو