الأربعاء 2024-12-11 10:31 م
 

الوضع السوري .. قراءة متأنية

11:37 ص

الدكتور طارق أحمد محمد عمرو - في غضون شهر من الآن تنهي الأزمة السورية بكل تعقيداتها ومواجهاتها ومجابهاتها عامها الثاني والنصف، وهذا زمن تطاول عهده قياسا لباقي ثورات (الربيع) العربي والتي لم تصل في مداها الأعلى الى ذلك الحد. اضافة اعلان


هذا بالضرورة يقودنا الى افتراض أن الحالة السورية تختلف تماما أو جزئيا عن باقي الحالات العربية الا أنها بالضرورة تختلف للأسباب الآتية:

1- سوريا جغرافيا تقع في قلب خطوط التماس مع نهايات الجغرافيا العربية (تركيا شمالا)، ومع خط المواجهة الافتراضي (الكيان الصهيوني) في الجنوب الغربي؛ ولذا فان أي تغيير يطرأ على بنيان النظام السوري الحاكم يستدعي تفكيرا جديا في شكل الزائر القادم الى (قصر العظم) ونكهته وطبيعته وهويته وطريقة تعامله مع محيطه من قبل مجاوريه ومحادديه ومشاطئيه.


2-وهي تمثل محورا متكاملا بصرف النظر عن تقييمنا لأدائه فضلا عن الاتفاق معه من عدمه، وهو محور قائم ناجز ينتظم دولا اقليمية وحركات مسلحة (روسيا، الصين، كوريا الشمالة، فنزويلا،كوبا، ايران، حزب الله، وخلايا نائمة واخرى ناشطة موزعة في تلافيف الجغرافيا العربية والخليجية المصرية خصوصا).

بالتالي فان سوريا لا تنظر لنفسها أنها وحدها في ميدان المجابهة وساحات المواجهة؛ وانما تنظر لنفسها على أنها تمثل محورا متكاملا يدافع عن وجوده ومصالحه ومصالح باقي دول محوره، ويحارب من أجل ذلك، ويستخدم –أو يمكن أن يستخدم- في سبيل ذلك كافة الوسائل التي تحفظ وجوده وتبقي له مكانا في خارطة السياسة الاقليمية؛ ان النظام السوري يتخذ اجراء الحياة أو الموت في سبيل الوصول بالحالة السورية الى نهايتها، آخذين بعين الاعتبار سلاح الردع الايراني النووي.

3- ينضاف الى ذلك البعد المذهبي والمكون الاثني الذي تتوفر عليه الحالة السورية؛ فسواء شئنا أم أبينا؛ فان النظام السوري يشعر بالخوف من القادم اذا ما اختل الوضع في سورية بسبب التركيبة الطائفية المعقدة، الأمر الذي سوف ينعكس على الطائفة العلوية ومن ورائها الشيعة في المحيط السوري وعلى مكتسباتها وحضورها الذي ربما لا يتناسب مع حجمها الحقيقي قياسا الى حضورها السياسي والأمني والاعلامي ومفاعيل هذا الحضور.

4-المؤسسة العسكرية السورية مؤسسة بالغة التعقيد في تشكيل قطعاتها العسكرية واعتماد أساليب الحشد العسكري واعادة الانتشار وتوزيع المهام وتحديد الأهداف سواء المعلنة أو غير المعلنة أو الافتراضية، وهي مبنية على النسق السوفييتي الذي يتعامل مع كل تشكيل عسكري كوحدة مستقلة قائمة بذاتها لمقاومة الاختراق ومحاولات التجسس وتسريب المعلومات، ومنعا للتنسيق غير المركزي بين القطعات العسكرية المختلفة؛ بكلمات أخرى فان انشقاق تشكيل عسكري سوري كامل لا يؤثر بالضرورة على فاعلية بقية التشكيلات العسكرية وعلى فاعليتها، لذا فالمراهنة على سقوط النظام السوري في المدى القريب اعتمادا على انشقاق ما هنا أو هناك لا يستند الى معلومات استخبارية راسخة، بل المعلومات تعزز فرضية استمرار المؤسسة العسكرية في سوريا الى مدة تقترب من عامين.

5-المدن الكبرى في سوريا؛ وأعني هنا تحديدا العاصمة السياسية (دمشق) والعاصمة الاقتصادية (حلب) لا تزالان تعترفان بالشرعية القائمة ان لم يكن صراحة فضمنا من خلال:

أ)استمرار مظاهر الحياة الاعتيادية قائمة في هاتين المدينتين بشكل شبه كامل باستثناء اضطرابات هنا أو هناك.

ب)عدم ظهور موقف سياسي فضلا عن مجابهة عسكرية ضد النظام السوري من هاتين المدينتين، وهنا نذكر بأن التظاهرات والمواجهات العسكرية تتم بشكل محدود ومن ريف هاتين المدينتين لا من قصبة المدينة، وهذا التحليل المستند الى وقائع ما يجري وتنقله أشد وسائل الاعلام معارضة للنظام السوري لا يستدعي ولا يعني بتاتا التقليل من حجم المأساة الحاصلة في سوريا. ان سوريا تعاني من مشكلة حقيقية لا شك في ذلك.

6-الضخ الاعلامي العنيف والكثيف ساهم-بقصد أو بغير قصد- في اعطاء الحالة السورية وما يجري في غضونها بعدا طائفيا ومذهبيا، سمح باصطفافات اقليمية سريعة رسميا وحتى شعبيا أخذت تستدعي موروثات قديمة وثأرات سالفة لا محل لها أصلا من الاعراب، ولا يجوز أن تاخذ لها مكانا في بناء الدول الحديثة. نعم التغيير سنة كونية وضرورة بشرية وحاجة اجتماعية، ولكن مقتل التغيير والفخ الذي ينصب في طريق دعاته هو فخ الطائفية والمذهبية والعنصرية؛ انه اسفين عظيم صلب يخترق جدار اللحمة الاجتماعية ويهدد وحدة الدولة وهويتها الجامعة و التي يجب أن يحرص عليها كل ناشد للعدل والحرية والمساواة وحقوق الانسان...

مظاهر اختلاف الحالة السورية عن نظيراتها في تونس وليبيا ومصر واليمن:

1-أسهم اصرار النظام السوري القائم على معالجة أوضاعه داخليا وتدبر أمر نفسه بنفسه دون السماح بتدخل خارجي عسكري، واعتبار المسألة مسألة داخلية سورية تعالجها الدولة بوسائلها المختلفة، أسهم هذا الموقف (الصلب) مدعوما بشكل مباشر من روسيا والصين وايران والعراق، وبشكل غير مباشر من لبنان وبعض الفصائل الفلسطينية واللبنانية الى عدم مجازفة الدول المعارضة للنظام السوري باتخاذ اجراء عسكري مباشر ضده.

2-أظهر الوضع الميداني السوري القائم ضعف الامكانات العسكرية التي يتوفر عليها الجيش السوري الحر رغم الهالة الاعلامية الواسعة التي يحاط بها من خلال عدم التأثير المباشر في قدرات قوات النظام، وعدم استحواذ الجيش الحر على مساحات جغرافية استراتيجية واسعة من الأرض السورية تصلح لاقامة منطقة عازلة تؤدي بالتالي لتدخل عسكري أممي أو اقليمي مجاور، ان شيئا من ذلك لم يحدث بتاتا.

3-الجسم السوري المعارض للنظام بمكونيه: المعارضة الخارجية ممثلة بمجلسها الوطني وجيشه الحر، والمعارضة الداخلية ممثلة بأطرها المتعددة المتنافرة فكريا وسياسي لا تتوفر على الحد الأدنى من:

أ)التمثيل الحقيقي والفعلي للمكون السوري كاملا: عرب، أكراد، شركس، دروز، سنة، متاولة، علويون، مسيحيون، يهود، شيعة، أرمن.
ب)التوافق الفكري والسياسي، والذي يؤدي بالنتيجة للاتفاق على شكل وهوية الدولة والدستور السوريين الجديدين.

هذه الفوضى التي ألمت بالواقع السوري المعارض، أدت بالنتيجة لبروز روح التنافس والتنازع بل والتسابق على تمثيل الشعب السوري الأمر الذي أذهب ريح المعارضة السورية في أروقة الفنادق وردهات المحافل الدولية، وجعلها تتلقى وعودا كلامية دون دعم فعال يؤدي لتحقيق نتائج ملموسة على الأرض السورية.
كما أدت هذه الفوضى الى دخول عناصر مختلفة على ساحة الصراع مما أدخل الشك لدى كثير من دوائر صنع القرار الدولي في جدوى دعم المعارضة السورية والسير معها حتى نهاية الشوط في حرب مفتوحة على جميع الاحتمالات.

في هذا السياق، جرت مخاضات عنيفة داخل المجلس الوطني السوري برز أهمها في منعطفين واضحين اثنين هما:

1-محاولات التنافس على التمثيل بين القيادة الميدانة للجيش الحر والمجلس الوطني السوري المعارض.

2-تراجع المعارضة السورية عن مطلب عدم الحوار مع النظام السوري واعتبار ذلك من المحرمات السياسة، وقد برز هذا مؤخرا بشكل جلي في العروض المتتالية التي أدلى بها السيد معاذ الخطيب على وسائل الاعلام واعلانه رسميا قبول المعارضة السورية الحوار مع النظام.

وتشير المعلومات المتداولة في هذا السياق الى شعور المعارضة السورية بتراجع حدة التأييد الدولي لمواقفها، اضافة الى خشية المجتمع الدولي من انهيار الوضع السوري وسماح هذا الانهيار باستيلاء مجموعات غير مرغوب بها (ارهابية، متطرفة،..الخ) على مكونات استراتيجية تشكل دعما للارهاب ونقطة ارتكاز له في سورية؛ فضلا عن أن طول مدة الصراع ادى الى تعطل مصالح حيوية مباشرة وناجزة لجميع الأطراف: العملية السلمية، قضية مقتل رفيق الحريري، الملف النووي الايراني، التجارة بين سوريا وتركيا، فليس من مصلحة أحد اطالة أمد الصراع، بل النظرة العالمية تتجه الى حل النزاع حلا سياسيا ولو على حساب المطالب السياسية ذات السقف المرتفع للمعارضة السورية ومجلسها الوطني وجيشها الحر...

شكل طول المدى الذي رافق الأحداث في سوريا مع عدم تبلور موقف دولي حازم من الأحداث ان لم نقل ترحيل للمواقف الملزمة للنظام الى اشعار آخر، شكل هذا جملة من القلراءات التي لابد من المصير اليها تحليلا لعدم توفر معلومات أكيدة عما يدبر لدى عواصم القرار المؤثر في الشأن السوري..
1-فقد تصدر الدب الروسي للدفاع عن التحركات السورية وجند نفسه لذلك دبلوماسيا وبذلك فقد أزال هذا العبء غن الحليف الاقليمي لبشار الأسد، ان هذا الدور الروسي الذي رافقه غياب ايراني – ظاهر للعيان على الأقل – عن المشهد السوري قد بدا من الذكاء السوري والروسي والايراني بمكان أزال التهمة المذهبية عن الصراع من جهة النظام، فبدا أن المسألة من جهة النظام السوري ليست مذهبية بدلالة أن الحليف (الشيعي) لا يد له طائلة فيما يجري وانما المسألة مسألة أخرى أممية دولية تتصدر لها عواصم مؤثرة ليست لها حسابات مذهبية بقدر ما لها مواقف ومصالح متقاطعة مع مصالح الولايات المتحدة.
2-كما بدا ظاهرا للعيان أنه وبسبب جهود دبلوماسية حيادية عربية وأخص بالذكر هنا الجهد الدبلوماسي الأردني الذي جهد لاقناع النسر الأمريكي بضرورة اشراك كافة الاطراف في الحوار السوري في محاولة منه ذكية لتقريب وجهة نظر النسر المريكي مع طروحات الدب الروسي، وهذا مجهود يسجل للدبلوماسية الأردنية التي برعت في اقناع الولايات المتحدة ولو جزئيا في ان طبيعة الصراع في سوريا ونوعية المقاتلين هناك وتوجهاتهم الفكرية والعقائدية تحتم على القوى المؤثرة ان لاتنساق كثيرا وراء وهم كسر انف (محور الشر)؛ فالمسألة لم تعد مسألة محور شر ايراني سوري كوري شمالي بقدر ما هي محور ارهاب وقاعدة وتكفير وسقوط أنظمة باكملها، سيما ان البديل الذي يلوح في الأفق هو الهلال الاخواني الذي لا تنظر اليه دول الاعتدال العربي – ومنها الأردن – بارتياح.

من أجل ذلك كله، فقد بدا أن المسألة السورية قد أخذت تفرض على معظم دول القرار ضرورة الحل السياسي السلمي بالنظر الى توجه الادارة الأمريكية الجديد الرامي الى عدم الزج بأنف امريكا في كل صغيرة وكبيرة خارج الأراضي الأمريكية؛ فهي تريد تغيرا نحو الديمقراطية لا تسنم قوى اسلامية متطرفة لسدد الحكم في المنطقة، كما تريد مشاركة شعبية واسعة في الحكم لكن دون ان تتعرض لأمن (اسرائيل) من قريب او بعيد، ودون أن تتدخل هي مباشرة في احداث شئ من هذا التغيير وان كانت تدعمه-عن بعد- حينا وتوجهه-عن بعد- احيانا اخرى.

وهذا ليس غريبا عن السياسة الأمريكية من حيث أصلها؛ فمبدأ (مونرو) قائم على عدم تدخل العالم الجديد في شؤون العالم القديم، وعدم السماح للأخير بالتدخل في شؤون الولايات المتحدة، وبقي هذا المبدأ هو الأطار العام الاستراتيجي الذي يحكم أصول السياسة الخارجية الأمريكية الى أن تم
تهديد الأمن القومي الأمريكي ابان الحرب العالمية الثانية وتعرضت أراضيها ومياهها وأجواءها وبوارجها على الساحل الشرقي للضرب والقصف والتدمير من قبل دول المحور الأمر الذي جعل الادارة الأمريكية تعيد النظر في مبدأ (مونرو) وتعمد الى الدفاع عن مجالها الحيوي وامنها القومي من خلال أفضل وسائل الدفاع وهو..........الهجوم!

ولذا فان التدخل الأمريكي في أخص شؤون الدول والذي يعتبره كثير من المثقفين والنخبة قدرا لا مفر منه ما هو الا حالة استثنائية وردة فعل على تعرض أمريكا للهجوم في لحظة ما، ولا ينبغي أن ينظر لمجمل تحركات أمريكا على الساحة الدولية أنها كذلك فهي ليست معنية بتفصيل التوجهات السياسية اليومية لكل دولة وان أقصى ما يهمها هو أمران اثنان تحديدا:
1-تأمين مصادر الطاقة لها من مصادرها في الشرق الأوسط.

2-ضمان استهلاك منتوجاتها الصناعية المختلفة (تسويقها) وبالأخص صناعاتها العسكرية وسلاحها.

وحتى لا أستطرد في تحليل السياسة الأمريكية وعودا للمسألة السورية فانه ليس غريبا أن تميل الولايات المتحدة ضمنا ومن خلال سلوكها لا تصريحاتها الى تفضيل الحل السياسي للمسألة أو على الأقل السماح له بأن يأخذ مجراه من خلال جهود حلفائها في المنطقة واعطائه ضوءا أخضرا الى ما شاء الله.


 
gnews

أحدث الأخبار



 




الأكثر مشاهدة