تحمل زيارة باريس عقب الأعمال الإرهابية التي ضربتها الشهر الماضي، إيقاعا مختلفا. إذ تسعى كعربي مسلم إلى أن تقف على وجع المدينة التي دفعت قبل أكثر من قرنين دماً كثيرا ثمنا للحرية التي تنعم بها. كما يتملكك شعور الحاجة إلى معرفة كيف بات الغرب ينظر إلينا، بعد أن طاولته يدا الظلام والإرهاب اللتان تدعيان الحديث باسم ديننا، واستهدفتا طمأنينته وسلامه.
الذهول ما يزال ظاهراً على باريس؛ مدينة الحب والسلام. وعدم الثقة بالآخر بادية أيضاً، من دون قدرة على تجميل ذلك، لأن الصدمة كبيرة والأسئلة أكبر؛ ماذا فعلنا حتى يضربنا الإرهاب؟ ما الخطيئة التي اقتُرفت حتى تسيل الدماء من دون رحمة، عبر سبعة اعتداءات متزامنة، هي الأكثر دموية في فرنسا منذ عقود؟
هناك، الجميع مرتبكون؛ الفرنسيون من مختلف الأصول لديهم أسباب الغضب كلها. والمسلمون الفرنسيون على رأس قائمة المذهولين؛ تسمعهم يقدمون مرافعة يائسة عن حقيقة دينهم، ويعلنون البراءة من المجرم الذي أربك حياتهم، وأقلق سكينتهم.
أن تزور باريس بعد ما حل بها من وجع، يجعلك تكتشف سريعا مقدار الغصة العالقة في حلوق أهلها. ولا يأخذك وقت طويل حتى تلمس شعور الريبة تجاه كل من هو عربي ومسلم، عنوان ذلك سؤال المليون: لماذا يفعلون ذلك؛ كيف لآدمي أن يقدم على تفجير نفسه وقتل الآخرين، ولماذا؟
يتساءل الفرنسيون؛ كنا نعيش بسلام، في بلد ديمقراطي أعطاك -أيها الإرهابي- أكثر مما منحتك بلادك الأصلية، بل وأكثر مما تريد، وأهم من ذلك احترام آدميتك؟ هكذا تسمع سعيد التونسي يحكي كيف تغيرت النظرة لهم، وكيف صارت مليئة بالشك والخوف، وأحيانا بالرفض، فيما لا تتوقف محاولات التبرير التي تبدو عبثية، بأن الإرهابيين لا يمثلون الإسلام.
وكغيره، يعجز سعيد عن تفسير الظاهرة وأسباب انضمام الشباب المسلم الأوروبي إلى التنظيمات الإرهابية. وخلف السؤال ألف سؤال؛ ما الذي حل بهم؟.. كيف اقتنعوا بكل هذا القتل؟.. كيف اخترقهم الفكر الظلامي؟.. كيف استطاع الإرهاب المسخ اختراق رحم وأحشاء مدينة التنوير؟.
سعيد، سائق التاكسي، لا يتوقف عن البوح بغضبه وصب لعناته على المجرمين الذين قلبوا واقعه رأسا على عقب، شارحاً ذلك بتغييرات كبيرة طالت حياته وكل معارفه الفرنسيين من أصول عربية.
كثيرة هي التفاصيل إلتي سردها سعيد عن الصدمة الأولى وما بعدها. وحكايات من عادوا أدراجهم إلى بلدهم الأم، كانت حاضرة أيضا. يقول: 'أنا فرنسي ولن أتخلى عن وطني؛ فالوطن يا أختي ليس مسقط الرأس، بل حيث تحصل على حقك في الحياة والعيش الكريم'. ويؤكد: 'سأبقى في وطني فرنسا، وسأظل لأرسم صورة أخرى عن الإسلام والمسلمين في أذهان سكان هذا البلد'.
هناك، في شوارع باريس، تستشعر الخوف والقلق ما بعد العمليات الإرهابية التي ألقت بشرورها على المكان. لكنك تلمس أيضا تمسّك أهلها بالحياة، وسعيهم إلى قهر كارهيها، عبر المضي في فرحهم وحياتهم، في تحد لكل تنظيمات الإرهاب التي تكره أن ترى العالم سالما آمنا.
الإرهاب اليوم يضرب في كل مكان، فلم تسلم منه قارة واحدة. والإرهاب نثر قبح فعله في بقاع عديدة. ورغم أن لا أحد يعلم متى سيزول، إلا أنه بالتأكيد إلى زوال.
-
أخبار متعلقة
-
أفضل سيارات مازدا في استهلاك البنزين لعام 2018
-
الفاخوري يعلن تبرع بنك الأردن بمليون دينار أردني لصندوق "همة وطن"
-
توفيق فاخوري يدعم صندوق "همة وطن" بمبلغ نصف مليون دينار أردني
-
شاهد لحظة سقوط الطائرة الأوكرانية بعد اشتعالها في الهواء
-
مدرسة الموقر ترسم أجمل منظر – فيديو وصور
-
مدرسة الموقر ترسم أجمل منظر
-
بـرنامـج الـوكـيـل فـي إجـازة سـنـوية
-
حفرة امتصاصية في جرش .. خطرٌ يُهدد المواطنين و يُضر السياحة | فيديو