السبت 2024-12-14 12:14 ص
 

بدوية اردنية تنجح بانارة 80 منزلا بالطافة الشمسية

09:16 ص



الوكيل - قبل سنوات، وقبل أن تصبح بطلة نحتفي بإنجازها بالتزامن مع يوم المرأة العالمي، كانت أيامها تشبه بعضها البعض، فهي تبدأ يومها المعتاد بغسل الأواني والطبخ، والاعتناء ببناتها الأربع، ومن ثم تقضي ساعات النهار في شرب الشاي والتدخين، شأنها في ذلك شأن معظم سكان قريتها التي تقع في البادية الأردنية بالقرب من الحدود العراقية الأردنية.

رفيعة هي سيدة أردنية بدوية تحمل بداخلها القدرة على الإنجاز والتعلم، ولكنها نشأت في بيئة تعتبر أن تعليم الإناث ووصولهن لما هو أبعد من الصف الخامس الابتدائي 'عيب'، ولا يفكر الرجال في هذه القرية بأن للنساء دور في جلب الدخل مثلا أو خوض تجربة الانتاجية، وإن كانت هذه الكلمة الأخيرة صعبة حتى على الرجال في المجتمع الذي يظهر في فيلم 'نساء الشمس'.

عندما جاء الخبير الهندي روي بانكر، والذي أسس مع مجموعة من الأفراد barefoot college في الهند في عام 1972، إلى القرية التي تقطن بها رفيعة، ضحك الرجال والنساء معا من فكرة سفر رفيعة وسيدة أخرى من عائلتها إلى الهند ليلتحقن بكلية تجمع سيدات أميات يعشن في ظروف مشابهة من الفقر والتهميش لتعليمهن مهارات جديدة تساعدهن في كسب قوتهن مثل توليد الكهرباء باستخدام الطاقة الشمسية، الأمر الذي يعد تمكينا لهن ولمجتمعاتهن في نهاية المطاف.

ولكن الفكرة لاقت استحسانا من رفيعة، فهي زوجة ثانية لزوجها، ولديها أربع بنات لا تريد لهن أن يلاقين نفس مصيرها بألا يكون لديهن هدف يسعين من أجله إلا أن فكرة ذهابها وحيدة إلى الهند كانت صعبة في مجتمع لا يريدها أن تخرج من خيمتها، ولا يريدها أن تكون مستقلة بالأساس. بيد أنها نجحت في النهاية بالتعاون مع مسؤولين في وزارة البيئة في إقناع أهلها بالسفر برفقة سيدة أخرى من العائلة تدعى 'أم بدر'، على أن يرافقهن بدر كـ'محرم' إلى الكلية التي جمعتهن بنساء أميات من كينيا وبوركينا فاسو.

بعد أن قبلت العائلة بالأمر الواقع، غادرت رفيعة ورفيقتها وابن الأخيرة إلى الهند لتلتحق ببرنامج تدريبي مدته ستة أشهر يعلمها كيفية إنارة منزلها ومنازل قريتها باستخدام الطاقة الشمسية، وبدأ الشغف بالتعليم يظهر في الأيام الأولى من البرنامج، وهي تجلس بجانب سيدات من ثقافات مختلفة وتستمع إلى شرح المحاضر عن مكونات الخلايا الشمسية وتحفظ أسماء المكونات ووظيفة كل منها، وتدون ما تفهم في الدفتر، مستهزئة برفيقتها في الرحلة التي تصفها بأنها 'بطيئة الاستيعاب'.

بيد أن رفيعة لم تكن بعيدة عن ضغوط العائلة والمجتمع، فقد كانت على اتصال دائم بزوجها في الأردن، والذي هددها بالطلاق إن لم تعد إلى بلادها وتنسى فكرة العمل نهائيا، وما كان منها إلا أن رضخت للضغوط لأنها لا تريد التضحية ببناتها، ومن ثم عادت لمواجهة المجتمع الذكوري الذي يرفض أن يعترف بأن لها أدوارا أخرى غير الأعمال المنزلية وجها لوجه. صمتت في البداية وتحملت الكثير إلى أن جاءت اللحظة التي قالت فيها لزوجها 'المستلقي طوال النهار على الفراش' أنها عائدة إلى الهند لاستكمال الدورة التي ذهبت من أجلها رغما عن أنف الجميع، فما كان منه إلا أن رضخ هو للضغط هذه المرة ولم يقوى على مواجهة إرادتها.

عندما انتهت مدة البرنامج التدريبي، عادت رفيعة إلى قريتها وسط احتفال أهالي القرية بعودتها، والذي لم يدم طويلا، ففرحتهم بعودتها اصطدمت مرة أخرى بالحاجز الثقافي الذي لا يمكن أن يتجاوز 'عقدة' عمل المرأة بسهولة، ففشلت في البداية في إقناع أهلها وزوجها بأن تعليمها لا يكون ذا معنى أو مغزى إن لم تعمل على الاستفادة من علمها في تغيير حياة قريتها وتعليم نساء أخريات وإخراجهن من الظلمة التي يعشن بها على حد تعبيرها.

رفض زوجها في البداية أن تبتعد عن الخيمة التي تسكن بها 5 أمتار، ووالدتها لم تستحسن فكرة أن تأخذ قرضا لتبدأ مشروعا صغيرا يدر لها دخلا كريما، وقالت أن 'القرض حرام'، الأمر الذي لم يقنع رفيعة فعلى حد قولها يمكنها أن تُذهب الذنب الذي تكتسبه من القرض بأداء فريضة الحج ومن ثم تعيش حياة كريمة فيما بعد وتؤمن مستقبلا كريما لبناتها، ولكنها لم تفلح في إنارة أول بيت في البادية الأردنية بالطاقة الشمسية إلا بعد أن دخل زوجها السجن بتهمة التهريب.

وكأن كل هذه الضغوط التي واجهتها ليست كافية، عادت رفيعة لتواجه معضلة أخرى هي معضلة التمويل، فبحسب ما ورد على لسان مؤسس جمعية أصدقاء البيئة الأردنية رؤوف الدباس، تمت مخاطبة وزارة التخطيط والتعاون الدولي لتمويل شراء مكونات الخلايا الشمسية حتى تتمكن رفيعة من الاستفادة من خبرتها المكتسبة في إنارة القرية كاملة، ولكن الوزارة 'ترددت في دعم المشروع ولم تؤمن بالجدوى الاقتصادية فرفضت توفير التمويل اللازم، الأمر الذي اضطرنا في النهاية للسعي من أجل الحصول على تمويل من الحكومة الهندية لشراء المعدات وهو ما حدث بالفعل'.

بعد الحصول على المنحة الهندية، نجحت أول سيدة أردنية خبيرة في مجال الطاقة الشمسية بإنارة 80 منزلا آخر في قريتها، ولا تزال قادرة على صنع المزيد إن آمنت حكومة أردنية بجدوى دعم مشروعها في افتتاح مركز لتدريب النساء على استخدام الطاقة الشمسية في بلد تسطع فيه الشمس لمدة لا تقل عن 300-330 يوما في السنة.

قصة رفيعة هي قصة نجاح لسيدة أردنية تعيش في ظروف تنكر وجودها، ومجتمع كامل يعاني من التهميش أساسا، وبيئة لا تملك من الانتاجية إلا العقول القادرة على التعلم والتي تم تثبيطها بـ'الشاي والدخان' حتى إشعار آخر.

لينا شنك

اضافة اعلان

taqaddam.org


 
gnews

أحدث الأخبار



 




الأكثر مشاهدة