السبت 2024-12-14 12:14 م
 

برسم التوحش

08:54 ص

على مرأى الآلاف من المجتمعين للاحتفال بتنصيب عبدالفتاح السيسي رئيساً لمصر، تمّ جرّ فتاة (جاءت مع والدتها لموقع الاحتفال) من قبل عشرات الشباب، والتحرّش بها وتعريتها من ملابسها بالكامل. ولم تفلح استغاثة الأم ولا عشرات الحضور، ولا حتى الطلقات التي أطلقها رجل أمن في الهواء، في منع حدوث هذه الكارثة الإنسانية. واستمر الاعتداء إلى أن جاء دعمٌ أمني كبير، بعد أن صُوِّرت الجريمة، ونُشِرت على موقع 'يوتيوب'.اضافة اعلان

كما يعرف كثيرٌ منكم، فهذه ليست المرّة الأولى التي تقع فيها مثل هذه الحوادث؛ إذ تكررت عشرات المرات خلال الأعوام الماضية، سواء مع فنانات أو إعلاميات، أو حتى مراسلات صحفيات أجنبيات، تعرضن لعمليات تحرّش واعتداء أمام الآلاف.
عندما نتجاوز المشهد المباشر، للتفكير في أبعاد وظلال هذه الظاهرة، فإنها تعكس مرحلة تسقط تماماً عنها السمات الإنسانية والبشرية. إذ من الممكن أن نتصوّر خروج شخصين أو ثلاثة أو أكثر عن أخلاقهم وإنسانيتهم، ليغتصبوا امرأة، لكن أن يتحول عدد كبير من البشر إلى وحوش في لحظة معينة، وعلى مرأى من الآلاف والعالم، فهذه درجة أعلى بكثير في مستوى التوحش والانسلاخ عن القيم الإنسانية والأخلاقية، لا تصل إليها إلاّ مجتمعات بدائية متخلفة خارج نسق الحضارة، أو شرائح اجتماعية مهشّمة نفسياً، ومهمّشة سياسياً واجتماعياً واقتصادياً!
من هم أولئك الشباب والرجال الذين لا يتوانون عن القيام بعملية التحرش والاعتداء؟ من أين جاؤوا؟ هم أبناء الجوع والفقر والبطالة والحرمان الاجتماعي وفقدان العدالة الاجتماعية؛ هم أبناء الفجوة الطبقية وتفكك الطبقة الوسطى، وفشل الدولة في التنمية وتوفير الحقوق الأساسية للإنسان!
يكفي أن ننظر إلى العشوائيات في مصر وإلى الأحياء الشعبية، وحتى الأحياء الراقية المعروفة التي بدأت تتآكل وسط جموع الجائعين والمحبطين والغاضبين، لندرك أي كارثة كبيرة نحن مقبلون عليها في ظل الانهيارات المتتالية التي لا تقف عند حدود مصر؛ إذ تمتد نحو كثير من الدول العربية التي تعاني من أزمات مركّبة، اقتصادية واجتماعية وسياسية وأخلاقية.
نرى يومياً صور قتلى سقطوا على يد 'داعش'، سواء من يتم إعدامهم وصلبهم، أو من يتم بتر أطرافهم أو قتلهم بمحاكم صورية أسوأ من المحاكم العسكرية العربية بمئات الأضعاف. ونرى كيف أنّ هذا التنظيم المغلق المتطرف، الذي يحمل شخصية مختلة فكرياً ونفسياً، أصبح رقماً صعباً في العراق وسورية، ويكتسب نفوذاً واسعاً. ولعل الضحية الكبرى لهذا التنظيم والفكر هم أبناؤه أنفسهم، الذين يصل عددهم اليوم إلى عشرات الآلاف في سورية والعراق، وهنالك مثلهم ممن يتأثرون ويؤمنون بهذه الأفكار الجنونية العدمية.
من المحزن تماماً أن نرى اليوم مئات من الشباب الأردني يذهبون إلى سورية لينضموا إلى هذا التنظيم. ويكفي كمداً أن تجد من يسوّق لأفكاره ومواقفه الأيديولوجية المتطرفة والمتشددة أردنياً، ما يعني أنّ النار ليست بعيدةً عن أثوابنا، وأنّنا لسنا محصّنين!
ليس من الصعب على أيّ جيش أو حتى جهاز أمن، أن يقمع حركات وتحركات سلمية وسياسية معارضة، حتى لو أرسل البراميل المتفجرة أو قصفهم بالطائرات الحربية والمدافع، وارتكب المجازر؛ لكن كيف يمكن لأي جيش أو جهاز أمن أن يقمع ملايين الغاضبين والعاطلين عن العمل والمحرومين والمظلومين؟!
كنا نعول على بناء المسار البديل الإصلاحي مع 'الربيع العربي'، لإنقاذ المجتمعات من هذا الكابوس القادم؛ فعلى ماذا يراهن أعداء هذا المسار ومهندسو الثورات المضادة في مواجهة 'دومينو' الجوع والغضب والحرمان الاجتماعي؟!


 
gnews

أحدث الأخبار



 




الأكثر مشاهدة