الأحد 2024-12-15 12:58 ص
 

بوشاشي: النظام الجزائري أفسد الحياة السياسية ومؤسساتها

11:44 ص

الوكيل - في حوار خاص يوضح مصطفى بوشاشي، الناشط الحقوقي والبرلماني المستقيل من المجلس الشعبي الوطني، أسباب استقالته، ويرى أن النضال من داخل المؤسسات الدستورية التي أصابها الفساد أصبح طريقه مسدود وأن الدور على الشباب الآن.
DW: ما هي أسباب استقالتكم من المجلس الشعبي الوطني (البرلمان الجزائري)؟

مصطفى بوشاشي: في البداية يجب التأكيد بأن قراري بالترشح على رأس قائمة حزب جبهة القوى الاشتراكية بالجزائر العاصمة؛ وهو حزب معارض، وحزب أقلية، لم يكن بهدف صناعة السياسة العامة للسلطة الحاكمة، وإنما كان لنا أمل في أن يكون البرلمان منبر لإسماع صوت الشعب والدفاع عن المصالح في كافة المجالات، وحتى إذا لم نستطع إقتراح القوانين وصياغتها، يمكن أن نطرح تعديلات ومقترحات، وأن هذه القوانين ستأخذ مجراها الطبيعي في إحالتها للحكومة واللجان للمناقشة، مناقشة يشاركنا فيها الشعب من خلال وسائل الإعلام والاتصال. إلا أن عراقيل عديدة واجهتنا من طرف مكتب المجلس، الذي عمل على وقف كل مبادرة من طرف النواب والمعارضة على وجه التحديد، مثل ما حدث للتعديلات المقترحة في قانون الاجراءات الجزائية، الذي ظل حبيس أدراج مكتب المجلس إلى غاية الآن، والسبب الثاني هو عدم استقلالية المجلس الشعبي الوطني، وتدخل السلطة التنفيذية في عمل لجان البرلمان بطريقة غير دستورية، وقمنا باشعار مكتب المجلس بهذا الخرق للقانون، لكننا لم نتلق ايضا الرد إلا من طرف رئيس اللجنة القانونية، والذي برر الانتهاك باعتباره عرف درج المجلس العمل به، وهو في تقديري عرف استسلامي للسلطة التنفيذية، وقمت كإجراء أولي بتجميد عضويتي في اللجنة إلى غاية وقف وصاية الحكومة على البرلمان. أما السبب الثالث، فهو رفض المجلس أيضا لتشكيل لجان تحقيق في قضايا متعددة مثل قضايا الفساد وأحداث العنف في ولاية غرداية.

DW:الأسباب المبررة لاستقالتكم كانت موجودة من قبل، فلماذا ترشحتم أصلا للبرلمان؟

لا...، لم أكن أعرف قبل انتخابي في المجلس الشعبي الوطني أن الانتهاكات بهذا الشكل والحجم، وقبل ذلك كنا نسمع فقط بسيطرة نواب الأغلبية على اللجان ومكتب المجلس، بالرغم من أنها ليست أغلبية حقيقية، بل مفبركة من طرف النظام، ولم أعتقد أن آليات عمل المجلس، وقانونه الأساسي يتم التلاعب بهما لخدمة النظام القائم بهذا الشكل،فهل يصدق أحدا مثلاً، أن نواب المجلس الشعبي الوطني لا يعرفون جدول أعمال المكتب ولا القرارات التي تتخذ، إلا عبر الصحافة، وكنت قد طرحت تعديل للقانون الداخلي للمجلس، يلزم فيه المكتب بإعلام النواب بجدول أعمال المجلس، ونشر القرارات التي يتخذها مباشرة بعد الاجتماع وهذا تكريسا للشفافية، لكن كما هو حال كل الاقتراحات يتم مصادرتها في أدراج مكتب رئيس المجلس.

ما يمكن قوله هو أن الانتهاكات الحاصلة في المجلس جعلته مجرد هيئة لتسجيل قوانين الحكومة وخدمة أجنداتها، وفقد البرلمان روحه في التشريع ومراقبة الحكومة، فرغم مرور أكثر 16 شهر من تقديم هذه الأخيرة لسياستها العامة، لكن رئيس مجلس الوزراء لم يقدم حصيلته السنوية أمام النواب رغم أن الدستور في المادة 84 منه يلزمه بذلك.مما يؤكد قناعتنا بأن هناك تواطؤ بين مكتب مجلس الهيئة التشريعية والهيئة التنفيذية لانتهاك أحكام ونصوص الدستور، فالمجلس الذي يحتقر نفسه، وتتحكم فيه السلطة التنفيذية وتضبط طريقة عمله،لا يشرفني أن اكون احد أعضائه.رغم محاولاتي لتصحيح الوضع بالإخطارات كتابيا تارة وشفويا تارة أخرى.



DW:هل أنت راض الآن بعد خروجك من مبني البرلمان؟

الاستقالة كانت خياري الوحيد أمام الوضع البائس الذي وضع فيه المجلس الشعبي الوطني، فلا أرضى أن أبقى في هيئة لا تقدم شيئا للجزائر،و قد أكون مخطأ أو مصيبا في إستقالتي، لكن ما أنا متأكد منه هو أن ضميري مرتاح، ولن أخون من انتخبني في هذه الهيئة ببيع الوهم لهم.

DW:هل أخطرتم الحزب بالاستقالة؟

نعم لقد أخطرت زملائي النواب في العديد من المناقشات داخل الكتلة وابلغت رئيس الكتلة بقراري قبل وضع الاستقالة على طاولة رئيس المجلس، وقبلها أعلمت السكرتير الأول لحزب جبهة القوى الاشتراكية بنيتي في الاستقالة، وأكدت له قبل أسبوع من تقديمها بأني لا يمكن أن استمر.

DW:وماذا كان موقف الحزب في قراركم؟

القرار في الأول والأخير هو قرار شخصي، وكان للأخوة في حزب جبهة القوى الاشتراكية رؤية مخالفة لقراري، وحاول السكرتير الأول للحزب أن يقنعني بإرجاء الأمر لوقت آخر، لكني أكدت له بأنه لا يوجد أي سبب مبرر لتأجيل ذلك. وهذا لا ينقص من عزيمة ونضال زملائي النواب في الحزب أو أحزاب أخرى، وقد ينجحوا بنضالهم حيث لم أنجح أنا.

DW:هل استقالتكم رسالة تفيد بأن التغيير في الجزائر عبر المؤسسات الدستورية طريقه مسدود؟

أولا، يجب التأكيد بان الاستقالة هي أيضا نضال، لأنه يجب أن نكشف لماذا استقلت ولماذا هذه المؤسسة ضعيفة وكأنها عبارة عن مديرية في وزارة، والاستقالة ستدفع حتما في المستقبل بالنواب إلى الضغط أكثر من أجل احترام القانون داخل المؤسسة التشريعية. أما فيما يتعلق بالتغيير في ظل الوضع الراهن والمآلات التي وصلت اليه المؤسسات، فأرى أن الأمر صعب إن لم يكن مستحيل، لأنه جرى هناك عملية إفساد لكل المؤسسات، وكأنها خطة محكمة لإفساد ممنهجة لكل شىء، وخاصة المؤسسات المنتخبة، وذلك بإعطاء صورة نمطية، بأن المؤسسات المنتخبة مليئة بالاشخاص الانتهازيين الساعين لمصالحهم الشخصية وفقط، وتسويق هذه الصورة لدى الرأي العام الجزائري. ومؤسسة الرئاسة تدفع بهذا الطرح من خلال إهانتها المستمرة للهيئة التشريعية واعتبارها مؤسسة منبوذة، وهذا هو التفسير الوحيد لعدم لقاء رئيس الجمهورية خلال سنوات حكمه 15، والمرة الوحيدة التي اجتمع بهم كان من أجل اجراء تعديل دستوري للتمديد لنفسه بعهدات مفتوحة في الرئاسة.

DW:هل استقالتكم من البرلمان مؤشر على ذهابكم للاستقالة من الحزب؟

أنا عضو بجبهة القوى الاشتراكية بحكم إنتخابي في المجلس الشعبي الوطني، وعندما استقيل افقد عضويتي تلقائيا في المجلس الوطني للحزب، بمعنى أنا الآن ليس لي أي منصب ودور في هيئات الحزب، لكني لازلت أؤمن بالمبادئ التي يناضل من أجلها الحزب، وهي؛ الديمقراطية حقوق الانسان، دولة سيادة القانون..، وسأبقى أناضل من أجلها سواء كنت داخل مؤسسات الحزب أو خارجها. فالمناضل الحقيقي من أجل الجزائر والديمقراطية يجب أن لا يوجه سهامه بإتجاه حزب أو جمعية، فلدينا نظام 'عبثي'و' تسلطي' ، يجب أن يوجه الجميع سهامهم لهذا النظام المسؤول عن مأساة الجزائر والجزائريين.

DW:ما هي قراءتكم للمشهد الانتخابي الجاري الآن؟.

هذه الانتخابات مغلقة وهرولة نحو المجهول، وقد تؤدي لمخاطر حقيقية بالبلاد، فتعنت النظام السياسي وبقاءه رغما عن إرادة الجميع سيعصف بالاستقرار ووحدة البلاد، فالانتخابات في الجزائر أصبحت عملية عبثية منذ 1999، فلما ترشح السلطة شخص مريض ومقعد، ولا يستطيع مخاطبة جمهور الناخبين ولا تنشيط الحملة الانتخابية، والقول بأنه سوف يحافظ على الاستقرار فهذا منتهى الاستخفاف بعقول الجزائريين.

DW:ما هو الحل إذن؟

الحل هو بذهاب هذا النظام الذي أنتهى بيولوجيا وسياسيا، والتأسيس لجمهورية ثانية.



DW:هل يمكن أن تخضع السلطة للضغوطات وتعدل الدستور وإرساء الاصلاحات الحقيقة في النظام السياسي؟

أي دستور سيوضع من طرف هذا النظام، هو لخلق توازنات وضمان مصالحه أكثر من خدمة الأمة، ولذلك انا ارفض أي دستور يوضع في ظل هذا النظام سواءا عن طريق البرلمان أو لجان يخلقها، وأنا لا أصدق من الأساس لسلطة وعدت بتعديل الدستور منذ 1999، ولم تقم بذلك، ولما قامت ببعض التعديلات لم تكن إلا من أجل فتح عدد العهدات لرئيسها.

DW:كيف تقيم وضع حقوق الانسان في الجزائر؟

في دولة لا يحترم فيها القانون، والحقوق فيها مقيدة في التشريع والممارسة، وأكثر من ذلك نشهد كل مرة تراجعا بخطوات ثابثة عن المكاسب المحققة في وقت سابق، في الحقوق والحريات سواء تعلق الأمر بالحق في الاعلام وحرية التعبير وإنشاء الجمعيات والأحزاب السياسية أو بالقانون السمعي البصري. وحتى العدالة تم تسييسها وإفسادها، عن الطريق دفع القضاة للعمل بما يرضي السلطة، وأصبح القضاء إحدى مؤسسات إرضاء السلطة، ولازال التعذيب في مراكز اعتقال المواطنين.

DW:هل الجيل الجديد قادر على مواجهة نظام تقول عنه أنتهى؟

نعم، أمام الجيل الجديد وسائل متعددة، يستطيعون من خلال مواجهة النظام القائم وانتزاع حقوقهم، وما تقوم به حركة بركات والحركات الشبابية المعارضة الأخرى، يؤسس لنمط جديد من النضال والمواجهة الناعمة ضد النظام تعود على مقارعة خصوهم بجرهم لحلبة العنف، فالنضال في الفترة القادمة يجب أن يكون سلميا باستخدام كل الوسائط التكنولوجية في الاتصال والتعبئة.

DW:هل ستأسس حزبا سياسيا جديدا؟

لا يوجد أي معنى لتأسيس حزب سياسي في ظل هذا النظام الذي يسير نحو عزل نفسه عن قوى المجتمع الأخرى، وكل الأحزاب التي تم تأسيسها ليس لها معنى، وما تقوم به فقط هو إعطاء شرعية للنظام، لأنه ببساطة، النضال السياسي لا يؤذي إلى تغيير النظام، والعمل يجب أن يتجه نحو توعية الشعب والدفع بالذهاب نحو نظام أخر، فهذا النظام هرم وطغى، واستمراره لن يجلب لنا سوى الغزاة.

اضافة اعلان

المصدر : DW


 
gnews

أحدث الأخبار



 




الأكثر مشاهدة